الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حياة كسرى وقيصر المترفتين، ونرى عروة بن مسعود أثناء الحديبية (وقد زار النبى [صلى الله عليه وسلم] فى معسكره) يتحدث إلى رفاقه المكيين فيقول إنه رغم كثرة زياراته للملوك ولقيصر وكسرى والنجاشى إلا أنه لم ير أحدا يحبه أصحابه حب أصحاب محمد [صلى الله عليه وسلم] له، ولقد أخبر الرسول [صلى الله عليه وسلم] بزوال ملك كسرى وأنه إن مات قيصر فلن يكون هناك قيصر بعده، (راجع فى ذلك صحيح البخارى والواقدى والسيرة لابن هشام والطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ الطبرى وكتاب الأموال لأبى عبيد القاسم بن سلام واليعقوبى والكامل لابن الأثير والمختصر فى تاريخ البشر لأبى الفداء).
د. حسن حبشى [ر. باريث R. Barith]
قيصر التاريخ الإسلامى
كان تعاطف محمد عليه الصلاة والسلام فى الفترة المكية مع هرقل ضد كسرى فى الصراع الذى كان بين الطرفين وورد ذكره فى القرآن الكريم {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4)} ، غير أن هذا الميل انقلب إلى ضده فى الفترة المدنية، ويرجع هذا التغيير إلى أسباب دينية، إذ أنه لما كان الإسلام هو الدين الحق والصراط المستقيم وأن دعواه عالمية فإن كلا من بيزنطة وقيصرها خصم للإسلام وللدولة الإسلامية التى لابد لها من الانتصار والاستيلاء على القسطنطينية ذاتها ومن ثم تغير المفهوم الاسلامى لقيصر فبلاده "دار حرب" وهو كافر، ومحاربته ضرب من "الجهاد". وشجع على ذلك الاتجاه انتصارات العرب على البيزنطيين. وهكذا اختفت فى القرن الأول للهجرة الأسس الحربية والدينية التى كان يقوم عليها -قبل الإسلام- احترام العرب لقيصر، وأصبح "قيصر" طاغية حتى لينعت بكلمة الروم "وهو تعبير استعمله قيصر هارون الرشيد فى مخاطبته نقفور فوكلس" الواقع أن الرشيد لم يكن البادئ فى الهجوم بل كان نقفور ذاته إذ ولى العرش البيزنطى بعد إيرين
التى هادنت الخليفة العباسى المسلم لقاء جزية تدفعها للمسلمين ليكفوا عن محاربة الروم فلما تولى نقفور بعد خلع إيرين أراد الرجوع عما أبرمته الامبراطورة البيزنطية السالفة مع الرشيد ومن ثم كتب إلى الرشيد كتابا يقول فيه إن إيرين أقامت الخليفة مقام الرخ وأقامت نفسها مكان البيدق، وأنها حملت من المال ما كان الرشيد قمينا بحمله إليها، ثم ختمه بقوله: قرأت كتابى فأردد ما حصل من قبلك من أموالها، وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك وإلا فالسيف بيننا وبينك فغضب الرشيد أن يخاطبه نقفور بلهجة فيها استعلاء وعنجهية، وفيها ازدراء بهيبة الخلافة وإهانه لها، فرد عليه ردا مختصرا نعته فيه بالعبارة السالفة).
إن صورة قيصر عند العرب فى القرون الأربعة التالية لمعركة اليرموك التى وقعت سنة 15 هـ (636 م) كانت تتأثر سلبا وإيجابا بما تصيبه كل من الدولتين الرومية والإسلامية ففى الفترة الأولى (أعنى زمن الأمويين وأوائل أيام العباسيين) كان النصر أكثر ما يكون للعرب، غير أن الوضع تبدل فصار ميزان القوى ضد العرب بتولى الأسرة المقدونية عرش بيزنطة.
فلما جاء العصر التركى بدأ فصل جديد فى العلاقات بين الروم والإسلام، واستمر هذا الفصل أربعة قرون منذ انتصار المسلمين فى كلازكرة سنة 463 هـ (1071 م) حتى استيلائهم: على القسطنطينية عام (875 هـ) 453 م (وأدت انتصارات الترك الحربية إلى رجوع صورة قيصر بيزنطة إلى ما كانت عليه قبل الدولة المقدونية، وكان العامل الأساسى هو فتح الأراضى البيزنطية فى الأناضول وصبغها بالصبغة التركية وتضاؤل أملاك القياصرة، فقد أنزل "ألب أرسلان" الهزيمة الساحقة بالامبراطور رومانس نيوجين فى منزيكرت وأسره فى سنة 363 هـ (1071 م) مما أدى إلى نظرة الإزدراء بقياصرة آل كومنين وأنجيل و (مالذكرد).
ثم جاء العثمانيون فبلغوا الذروة فى إذلال "قيصر" وعادت النظرة القديمة التى ساعد عليها انتصاراتهم الرائعة