الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رثاء أم مدحا، وينتهز هذه الفرصة ليستعرض فى سياق بلاغى رصين جمال الصحراء ورحابتها ووصف حيواناتها، وبراعته فى الصيد. . الخ.
وال
قصي
دة العربية -مهما طالت- فإنها تلتزم بوزن واحد وقافية واحدة، وكان هذا الالتزام الصارم سببا "للطابع التجزيئى" للقصيدة وعدم اتسامها بالوحدة العضوية. ولم يكن من المتوقع أن يظل الالتزام بهذا الشكل الصارم إلى ما لا نهاية، فقد ظهر شعراء بعد فترة تخلوا عن هذه الكلاسيكية، فظهرت الكلاسيكية الجديدة ثم تطورت أشكال الشعر العربى مما يخرج عن مجال موضوعنا.
وداد عبد اللَّه [التحرير]
قصى
هو الجد الخامس للنبى محمد [صلى الله عليه وسلم] وتجمع المصادر على أن نسبه هو قُصَىّ ابن كِلاب بن مُرّة بن كعب بن لُؤَىّ بن فِهْر أَو قريش بن غالب (ابن الكلبى - كاسكل، الجمهرة) وقد سجلت المصادر التى بين أيدينا حياته ومآثره فى ثلاث روايات لا تختلف بعضها عن بعض إلا فى تفصيلات طفيفة وهى روايات محمد الكلبى (توفى 146 هـ/ 763 م) وابن اسحق (توفى 150 هـ/ 767 م) وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكى (توفى 150 هـ/ 767 م). تقدم الروايات قصيا فى النمط المعتاد للبطل الأسطورى الذى يؤسس مدينة. فقد أمضى صباه وفتوته خامل الذكر بعيدا عن دياره، وهو الابن الأصغر لكلاب بن مرة من قريش التى انتقلت سيادتها على مكة من أيديها إلى أيدى الخزاعيين وقد مات أبو قصى عقب ولادة ابنه فأخذته أمه فاطمة بنت سعد بن شَيال التى اتخذت لها زوجا ثانيا من بنى عذرة إلى موطن قبيلة زوجها فى شمال الجزيرة العربية قرب سرغ طبقا لما يذكره ابن الكلبى (ابن سعد جـ 1، 36، 26) وهى واقعة على الحدود السورية الحجازية على مقربة من تبوك (ياقوت
جـ 3 ص 77) وهنا تغير اسمه من زيد إلى قصى من القُصُوّ أو القَصْو بمعنى النأى والبعد. وإذ عرف من أمه أصوله عاد إلى مكة حيث تزوج حُبَة بنت خُلَيْل ابن حُبْشيّة سيد خزاعة الذى كان إليه الإشراف على ترتيبات العبادة فى الكعبة والحج إليها.
وسرعان ما علا شأن قصى فى مكة، ونجح بعد وفاة حميه فى أن يخلفه فى مهامه، إما بعد صراع طويل مع خزاعة، وإما -طبقًا لرواية أضعف من هذه- عن طريق مساومة قائمة على الحيلة عاونة فيها (أبو) غُبْشان مع ابن حليل أو قريب آخر له أبعد نسبا (قارن ابن دريد، الاشتقاق 277، 7 مع 282، 2) أصبح قصى سيد مكة وحارس الكعبة فأعاد بناء الأخيرة ونظم العبادة فيها ووحد العشائر القرشية المتناثرة فى كيان صلب أكد سيادتهم على البلدة مستقبلا. بل يقال إن اسم قريش (من الفعل تَقَرَّش بمعنى "جمع") حل محل الاسم القديم بنى النضر، ويقال إن قصيا لُقب بـ "المُجَمِّع". وبعد وفاته ورث أبناؤه عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبد قصى مهامه المقدسة. وإلى ثانى هؤلاء الأبناء ينتهى نسب النبى محمد [صلى الله عليه وسلم] إذ هو (محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف). وقد أصبح بيت قصى الذى بناه بنفسه قريبا من الكعبة مركزا لكل المهام المدنية والدينية وأطلق عليه "دار الندوة". وإلى قصى أيضًا يرجع اكتشاف وحفر بئر العَجُول (البلاذرى، فتوح البلدان 48؛ ياقوت: معجم البلدان، 3، ص 19 - 20).
مما سبق يتضح أن قريشا كانت ترى فى قصى مؤسسها الحقيقى ومؤسس الكعبة. ويشهد لقدم هذا الاعتقاد شعر للأعشى (البكرى 849) وأشعار لحسان بن ثابت. وفى وقت لاحق حاول المؤرخون الرسميون التوفيق بين هذا الاعتقاد المحلى القديم ونظام الأنساب الذى تأسس لاحقا، ويقضى بأن قريشا هو فهر بن مالك
ابن النضر، وكذلك بينه وبين الاعتقاد المختلف تماما عن أصل عبادة إبراهيم الخليل عليه السلام وطبيعة هذه العبادة وما دخل عليها من تحريف على أيدى جرهم وخزاعة. وهكذا فإن قصيا يمثل لمكة "ما يمثله تيسيوس لأثينا ورومولوس لروما" كما يقول "كيتانى" ومن المستحيل طبقا لمعارفنا الراهنة أن نقول هل هو شخصية تاريخية تحولت إلى بطل أم هو تجسيد أسطورى لفكرة البطل. إن اسمه موجود فى نظام الأعلام العربى، فقد أشار ابن الأثير (جـ 6، ص 14 - 15) وابن حجر فى الإصابة (جـ 6، ص 227) إلى نَهِيك بن قصى السلولى الذى كان معاصرًا للنبى محمد [صلى الله عليه وسلم] وأشار ابن الكلبى فى الجمهرة إلى قصى بن عوف (جدول 114) وقصى بن مالك (جدول 115) ورغم أن الاسم نفسه يمكن التعرف عليه فى المخطوطات النبطية وفى رقاق دورا الواقعة على الفرات فإن ذلك لا يبرر لنا استنتاج أن للاسم أصلا شماليا، فهو موجود كما رأينا فى مختلف القبائل. ولكن تواتر الاعتقاد بأن قصيا أمضى طفولته فى الشام يؤيد الفرض القائل إن عبادة الكعبة أو على الأقل تجديد هذه العبادة كان نتيجة لتأثير وارد من الشمال. ونجد فى بعض المرويات (ابن سعد نقلا عن الكلبى جـ 1، ص 39، 11 - 1) صدى لحقيقة ذلك، وتحديدا فيما يقال عن عبادة هُبَل "صنم خزاعة" القديمة حيث كانت أعلى شأنًا من عبادة العزى ومناف - مناة. وهو ما نجد شواهد قاطعة عليه فى شمالى الجزيرة العربية على وجه الخصوص.
وعلى أية حال فقد أصبحت شخصية قصى كما رأينا تحمل الملامح المميزة لأساطير الأبطال الذين يؤسسون عصورا أو مدنا. . الخ. وأبناؤه الذين ينسبون إليه ليسوا إلا رموزا على الدور الذى قام به قصى فى بناء الديانة المكية. وإذا يكن من الحق