الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
قطب الدين اليونينى: ذيل مرآة الزمان جزءان، حيدرباد 1954 م.
وائل البشير [ج. هـ. اجوينبول G.H.A Juynboll]
قفسة
فى القطر التونسى وهى تبعد ثلاثمائة كيلو متر وستين إلى الجنوب الغربى من تونس المدينة وعلى بعد مائتى كيلو متر من القيروان ومائة من قابس. ويبلغ عدد سكانها ثلاثين ألف نسمة، وهى المدينة الرئيسية لاقليم إدارى مستقل يبلغ عدد سكانه ثلاثمائة ألف نسمة وأهم منتجاته المعدنية الفوسفات الذى يستخرج من مناجم مديلا ومتلاوى ورديف ومولاريس التى استكشفت عام 1885 م، ويوجد بواحة قفسة ما يقرب من مائة ألف نخلة تمر تنتج تمرا من الدرجة الثانية. وبالإضافة إلى ذلك تجود بها زراعة أشجار البرتقال والليمون والمشمش والكروم والتين وكثر بها منذ قريب مزارع الزيتون، ويحاول الناس هناك زراعة الفستق، ويعتمد الرى فيها على العيون الكثيرة التى تتدفق فى قلب البلد ويهتم الناس بحفر الآبار الارتوازية. ولما كانت قفسة أول واحة على الطريق من القيروان فإنها تجنذب الكثيرين من السياح لمشاهدة آثارها التى ترجع إلى ما قبل التاريخ ولا تزال بعض أطلالها شاهدة على قدم تاريخها ومن ثم أخذت البلدة تولى السياحة عنايتها بإدخال تحسينات حديثة كشق الطرق وإقامة الفنادق المجهزة أحسن تجهيز، وتكثر الحدائق. وهناك اهتمام بترميم الحمامات الرومانية وإعادة بناء السور البيزنطى القديم إلى غير ذلك من الإصلاحات، وأهم الصناعات اليدوية بها صناعة البطاطين الملونة والسجاد ذى الرسوم البارزة.
قفسة تاريخيا:
الاسم العربى لاسم البلد القديم هو "كبسا Capso وهو يرجع إلى عصر قديم كانت قفسة أثناءه أحد المراكز الحضارية المهمة. وإذا تعرضنا لقفسة فى عصورها التاريخية لا نجد بين أيدينا ما ينير لنا الطريق فليس من المعروف بالدقة من الذى أسس المدينة ومتى كان تأسيسها، ولذلك زعموا أن صانعها واحد من الآلهة، ويرجعها بعضهم إلى أصل
بونى. أما العرب فيقولون بل أسسها "شنتيان" غلام نمرود الملك الأسطورى. لكن الواقع هو أن وقوعها على مفترق الطرق المؤدية إلى كثير من النواحى هو الذى أدى إلى إنشائها، وقد صارت البلدة بعد ذلك جزءا من مملكة أحد الملوك النوميديين الذى أحبها حبا شديدا حتى أنه أعفاها من الضرائب. وقد دفعت قفسة ثمن هذا الحب غاليا، إذ بعثت روما بقائدها "كايوس ماريوس" لاخضاعها فأحرق البلد سنة سبعين قبل الميلاد، ولكن قفسة قامدت من بين الانقاض ونفضت عنها تراب التخريب زمن تراجان (98 - 117 م) ولما جاء زمن دقلديانوس (284 - 305 م) وقدم البربر إليها بطشوا بها بطش جبار مما حمل روما على مغادرة المنطقة بالتدريج وسحبت قواتها زمن الوندال حتى إذا مات "جنسبيك" عام 477 صارت كبسا عاصمة مملكة بربرية ثم عادت إلى قبضة بيزنطة زمن جستنيان (527 - 565 م) الذى أعاد إلى الامبراطورية وحدتها وعظمتها فصارت البلدة عاصمة الأملاك البيزنطية فى أفريقية، وبنيت سنة 540 م مدينة سميت بكابسا جستنيان. وحينذاك احتفظت قفسة ببعض آثار ماضيها الرائع القديم كالحمامات الرومانية وبعض الأعمدة وما كان عليها من تيجان وعقود قديمة إلى جانب آثار أخرى أقل من هذه قيمة أعيد استخدامها فى أشياء غيرها كالجامع الكبير وغيره من مبانى البلد القديمة.
ولقد ظلت قفسة حتى القرن السادس الهجرى (الثانى عشر الميلادى) محتفظة بمظهرها كمدينة ذات ماض تاريخى عتيق إلى حد انفرادها دون سائر بلدان أفريقية باستعمال اللغة الرومانية كما ظل قسم كبير من سكانها محافظين على الديانة المسيحية، ولذلك فإن البكرى ذكر فى كتابه المسالك فى منتصف القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى) ما لاحظه من أن البلدة قائمة على الأساطين والأعمدة والطبقات الرخامية وأن سورها القديم لا زال سليما على هيئته التى بنى عليها حتى ليظن الناظر إليه أنه قد فرغ القوم لتوهم من تشييده ثم جاء الإدريسى بعد ذلك بقرن من الزمان فقال فى نزهة المشتاق
إن كل سكان قفسة من البربر، وإن أغلبهم يتكلمون باللسان اللاتينى الافريقى".
واجتاح الفتح الإسلامى الأول أسوار قفسة عام 27 هـ (= 647 م) بعد مصرع القائد جريجورى ثم ما لبث عقبة بن نافع أن استولى عليها ثم عاد الحسن بن النعمان فاستردها عام 78 هـ (= 697 م) بعد أن كانت قد تخلصت هى وكل الشمال الافريقى من حكم العرب، فلما كانت نهاية القرن الثانى للهجرة ومستهل القرن الثالث كثر الخوارج من لواتة وزواغة ومكناسة وشاركوا فى سنة 224 هـ (= 839 م) فى الفتنة التى عمت إقليم قسطيلية، ولكن عاقبهم الأمير الاغلبى أبو عقال أفظع عقاب وأخذهم بالشدة.
وتبعا لما يقوله الشماخى فى كتابه "السير" فقد كان للإمام عبد الوهاب (168 - 208 هـ = 784 - 823 م) عامل على قفسة، مما ندرك معه أنه كان جابى الخراج وأنه كان يجمعه حسبما نص عليه القرآن الكريم ويرسله سرا إلى تاهرت لأن المدينة لم تكن أبدا من الناحية السياسية جزءا من الدولة الرستمية.
وبعد أن ظلت قفسة أكثر من قرن من الزمان تحت سلطان الفاطميين ثم انتقلت إلى الزيريين.
أصبحت عاصمة لدولة صغيرة مستقلة استقلالا حقيقيا تشتمل على كل قسطيلية التى هى اليوم الجريد ولقد غير الغزو الهلالى من التركيبة العنصرية للسكان، كما أخذت سلطة الحكومة المركزية فى الانهيار وعمت الفوضى كل النواحى فاستغل حاكم البلد الزيرى عبد اللَّه بن محمد هذه الظروف ونادى بنفسه أميرا مستقلا عليها وأعلن استقلاله (445 - 465 هـ) واستطاع بدفعه الفرضة لبدو العرب الذين تحالف معهم أن يدعم سلطاته ويؤمن دولته ويجذب إلى بلاطه الشعراء والفقهاء.
على أن حكم الموحدين الذين وحدوا كل المغرب قضى على استقلال قفسة إذ استولى عليها عبد المؤمن بن على سنة 554 هـ (= 1159 م) بعد أن حاصرها
حصارا قاسيا ومرت قفسة منذ ذلك الحين بوقت عصيب وقامت بعض المحاولات لاستخلاصها من أيدى الموحدين، منها محاولة مخاطر أرمنى الأصل يدعى قراقوش وكذلك بنو غانية الذين رفضوا الاعتراف بأنها غلبت، لكن ردها المعز استجابة لالتماسات سكانها الذين كانوا مدفوعين فى هذا الرجاء بما كانوا يحسونه من الكراهية تجاه الحاكم الموحدى الذى فتكوا به، فجاء الخليفة أبو يعقوب يوسف من مراكش فحاصر المدينة بنفسه (سنة 575 هـ = 1180 م) ولكن لم يطل خضوعها إذ سرعان ما وقعت فى أيدى بنى غانية وحينذاك حاصرها المنصور بجيش كبير (583 هـ = 1187/ 8 م) وأسرف فى عقابها وهدم حصونها وسواها بالأرض ثم أذن لسكانها بالبقاء وإبقاء أراضيهم فى أيديهم ليقوموا بزراعتها على أن يقاسمهم غلتها.
لم تكن المدينة أسعد حظا زمن الحفصيين فقد اغتصبها سنة 681 هـ (681 - 683 هـ = 1282 - 1284 م) لكنها استعادت استقلالها المسلوب زمن أسرة محلية هى أسرة بنى العابد الذين كانوا يؤثرون السيادة العربية ويميلون إلى العرب. أما أبو بكر الحفصى (718 - 747 هـ = 1318 - 1347 م) الذى اتسمت الفترة الأولى من حكمه المضطربة ضياع الولايات الجنوبية من يده فقد حاصر قفسة سنة 735 هـ (11 - 1135 م) واستردها ثم سلمها لولده أبى العباس ليحمها. كما حاول استمالة سكانها إليه فأكثر من منح ذوى الحاجة منهم الأراضى لكن البلدة ما لبثت أن استردت استقلالها الذاتى مرة أخرى زمن أحمد بن عمر بن العابد ولده محمد.
وفى زمن السلطان العثمانى سليمان القانونى (1520 - 1566 م) استعمل واليا من قبله على طرابلس نجح فى الاستيلاء على قفسة يوم 17 صفر 964 هـ (= 20 ديسمبر 1556 م) لكن لم تتحسن أحوالها بل أخذت تزداد تدهورا بسبب ما تعانيه من غارات البدو نتيجة ضعف الحكومة المركزية