الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما قول الصوفية: (الله الله)، أو (هو هو)، فهذا من البدع، ولا يجوز التقيد بذلك، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم فصار بدعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (1)، وقوله عليه الصلاة والسلام:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» متفق عليه (2).
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «فهو رد» أي: فهو مردود، ولا يجوز العمل به ولا يقبل. فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتعبدوا بشيء لم يشرعه الله، للأحاديث المذكورة وما جاء في معناها لقول الله سبحانه منكرا على المشركين:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (3). وفق الله الجميع لما يرضيه. (4)
موقفه من الجهمية:
- قال رحمه الله: عقيدتي التي أدين الله بها وأسأله سبحانه أن يتوفاني عليها هي: الإيمان بأنه سبحانه هو الإله الحق المستحق للعبادة، وأنه سبحانه فوق العرش قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته بلا كيف، وأنه سبحانه يوصف بالعلو فوق جميع الخلق، كما قال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
(1) أخرجه أحمد (6/ 180) ومسلم (3/ 1343 - 1344/ 1718 (18)) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
أحمد (6/ 240) والبخاري (5/ 377/2697) ومسلم (3/ 1343/1718) وأبو داود (5/ 12/4606) وابن ماجه (1/ 7/14).
(3)
الشورى الآية (21).
(4)
مجموع الفتاوى (8/ 399 - 400).
اسْتَوَى (5)} (1)، وقال عز وجل:{إِن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الآية (2)، وقال عز وجل في آخر آية الكرسي:{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} (3)، وقال عز وجل:{فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)} (4)، وقال سبحانه:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (5) والآيات في هذا المعنى كثيرة. وأومن بأنه سبحانه له الأسماء الحسنى والصفات العلى، كما قال عز وجل:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (6).
والواجب على جميع المسلمين: هو الإيمان بأسمائه وصفاته الواردة في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، وإثباتها له سبحانه على الوجه اللائق بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، كما قال سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (7)، وقال عز وجل: {فَلَا
(1) طه الآية (5).
(2)
الأعراف الآية (54).
(3)
البقرة الآية (255).
(4)
غافر الآية (12).
(5)
فاطر الآية (10).
(6)
الأعراف الآية (180).
(7)
الشورى الآية (11).
تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)} (1)، وقال سبحانه:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد (4)} (2)، وهي توقيفية لا يجوز إثبات شيء منها لله إلا بنص من القرآن أو من السنة الصحيحة، لأنه سبحانه أعلم بنفسه وأعلم بما يليق به، ورسوله صلى الله عليه وسلم هو أعلم به، وهو المبلغ عنه، ولا ينطق عن الهوى، كما قال الله سبحانه:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (3).
وأومن بأن القرآن كلامه عز وجل وليس بمخلوق، وهذا قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، وأومن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والحساب والجزاء وغير ذلك مما كان وما سيكون، مما دل عليه القرآن الكريم، أو جاءت به السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والله المسؤول أن يثبتنا وإياكم على دينه، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يوفق ولاة أمرهم ويصلح قادتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. (4)
(1) النحل الآية (74).
(2)
سورة الإخلاص.
(3)
النجم الآيات (1 - 4).
(4)
مجموع الفتاوى (8/ 43 - 45).
- وقال رحمه الله ردا على سؤال في صفة النزول: هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو القائل عليه الصلاة والسلام: «ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى ينفجر الفجر» متفق على صحته (1)، وقد بين العلماء أنه نزول يليق بالله وليس مثل نزولنا، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، فهو ينزل كما يشاء، ولا يلزم من ذلك خلو العرش فهو نزول يليق به جل جلاله، والثلث يختلف في أنحاء الدنيا، وهذا شيء يختص به تعالى، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته كما قال سبحانه:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (2)، وقال جل وعلا:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)} (3)، وقال عز وجل في آية الكرسي:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} (4)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وهو سبحانه أعلم بكيفية نزوله، فعلينا أن نثبت النزول على الوجه الذي يليق بالله، ومع كونه استوى على العرش، فهو ينزل كما يليق به عز وجل ليس كنزولنا إذا نزل فلان من السطح خلا منه السطح، وإذا نزل من
(1) تقدم من حديث أبي هريرة ضمن مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(2)
الشورى الآية (11).
(3)
طه الآية (110).
(4)
البقرة الآية (255).
السيارة خلت منه السيارة، فهذا قياس فاسد له، لأنه سبحانه لا يقاس بخلقه، ولا يشبه خلقه في شيء من صفاته.
كما أننا نقول استوى على العرش على الوجه الذي يليق به سبحانه ولا نعلم كيفية استوائه، فلا نشبهه بالخلق ولا نمثله، وإنما نقول: استوى استواء يليق بجلاله وعظمته.
ولما خاض المتكلمون في هذا المقام بغير حق حصل لهم بذلك حيرة عظيمة حتى آل بهم الكلام إلى إنكار الله بالكلية حتى قالوا: لا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا كذا ولا كذا، حتى وصفوه بصفات معناها العدم وإنكار وجوده سبحانه بالكلية؛ ولهذا ذهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل السنة والجماعة تبعا لهم فأقروا بما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة، وقالوا: لا يعلم كيفية صفاته إلا هو سبحانه، ومن هذا ما قاله مالك رحمه الله:(الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان بذلك واجب، والسؤال عنه بدعة) يعني: عن الكيفية. ومثل ذلك ما يروى عن أم سلمة رضي الله عنها وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمه الله: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان بذلك واجب)، ومن التزم بهذا الأمر سلم من شبهات كثيرة، ومن اعتقادات لأهل الباطل كثيرة عديدة، وحسبنا أن نثبت ما جاء في النصوص، وأن لا نزيد على ذلك. وهكذا نقول: يسمع ويتكلم، ويبصر ويغضب، ويرضى على وجه يليق به سبحانه، ولا يعلم كيفية صفاته إلا هو. وهذا هو طريق السلامة وطريق النجاة وطريق العلم، وهو مذهب السلف الصالح، وهو المذهب الأسلم والأعلم والأحكم، وبذلك يسلم المؤمن
من شبهات المشبهين، وضلالات المضللين، ويعتصم بالسنة والكتاب المبين، ويرد علم الكيفية إلى ربه سبحانه وتعالى. والله سبحانه ولي التوفيق. (1)
- وقال رحمه الله: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ س. خ وفقه الله لما فيه رضاه آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلني كتابكم الكريم الذي ذكرتم فيه أنكم أثناء تحقيقكم لكتاب 'فضائل الأوقات' للبيهقي مر عليكم هذا النص: (سمعت أبا عبد الله الحافظ يقول: سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزي يقول: حديث النزول (2) قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه صحيحة، وورد في التنزيل ما يصدقه وهو قوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)} (3) والنزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله بلا تشبيه جل عما يقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوا كبيرا. اهـ
ولا شك أن هذا القول باطل مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، فإن الله سبحانه قد أثبت لنفسه المجيء، وكما أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم بالنزول ولم يبين لنا سبحانه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم كيفية النزول ولا كيفية المجيء. فوجب الكف عن ذلك، كما وسع السلف الصالح رضي الله عنهم ذلك، ولم يزيدوا على
(1) مجموع الفتاوى (9/ 76 - 77).
(2)
تقدم من حديث أبي هريرة ضمن مواقف حماد بن سلمة سنة (167هـ).
(3)
الفجر الآية (22).