الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي رفع رايته ترجمان القرآن بتلك الكلمة الجامعة الموجزة؛ فابن تيمية -يرحمه الله- وتلميذه وصاحبه ابن قيم الجوزية: يدندنان دائما حول ضرورة التفريق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي، وإلا وقع المسلم من حيث لا يدري في فتنة الخروج على جماعة المسلمين التي وقع فيها الخوارج قديما، وبعض أذنابهم حديثا.
وخلاصة القول: إن قوله صلى الله عليه وسلم: «
…
وقتاله كفر» لا يعني -مطلقا- الخروج عن الملة، والأحاديث في هذا كثيرة جدا؛ فهي -جميعا- حجة دامغة على أولئك الذي يقفون عند فهمهم القاصر للآية السابقة، ويلتزمون تفسيرها بالكفر الاعتقادي.
فحسبنا الآن هذا الحديث؛ لأنه دليل قاطع على أن قتال المسلم لأخيه المسلم هو كفر بمعنى الكفر العملي، وليس هو الكفر الاعتقادي.
فإذا عدنا إلى (جماعة التكفير) -أو من تفرع عنهم- وإطلاقهم على الحكام -وعلى من يعيشون تحت رايتهم، وينتظمون تحت إمرتهم وتوظيفهم- الكفر والردة، فإن ذلك منهم مبني على وجهة نظرهم الفاسدة؛ القائمة على أن هؤلاء ارتكبوا المعاصي فكفروا بذلك. (1)
موقفه من المرجئة:
- قال رحمه الله تعقيبا على حديث: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
…
» (2): والحقيقة أن الحديث وإن كان مؤولا، فهو حجة على الحنفية
(1) التحذير من فتنة التكفير (ص58 - 67).
(2)
تقدم تخريجه ضمن مواقف الحسن البصري سنة (110هـ).
الذين لا يزالون مصرين على مخالفة السلف في قولهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص. فالإيمان عندهم مرتبة واحدة، فهم لا يتصورون إيمانا ناقصا، ولذلك يحاول الكوثري رد هذا الحديث، لأنه بعد تأويله على الوجه الصحيح يصير حجة عليهم، فإن معناه:"وهو مؤمن إيمانا كاملا". قال ابن بطال: "وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل، لأن العاصي يصير أنقص حالا في الإيمان ممن لا يعصي".
ذكره الحافظ (1). ومثله ما نقله (2) عن الإمام النووي قال: "والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، والمراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما نيل، ولا عيش إلا عيش الآخرة".
ثم أيده الحافظ في بحث طويل ممتع، فراجعه.
ومن الغرائب أن الشيخ القارئ -مع كونه حنفيا متعصبا- فسر الحديث بمثل ما تقدم عن ابن بطال والنووي، فقال في 'المرقاة' (1/ 105): "وأصحابنا تأولوه بأن المراد المؤمن الكامل
…
"، ثم قال: "على أن الإيمان هو التصديق، والأعمال خارجة عنه"!.
فهذا يناقض ذاك التأويل. فتأمل. (3)
- وقال رحمه الله تعقيبا على الحديث الموضوع: «إنما حر جهنم على
(1)(10/ 28).
(2)
(12/ 49).
(3)
الصحيحة (6/ 1276 - 1277).
أمتي كحر الحمام» (1): وحري بمثل هذا الحديث الباطل أن لا يرويه إلا مثل هذين الكذابين، فإنه حديث خطير يقضي على باب كبير من أبواب التربية والإصلاح في الشرع، ألا وهو باب الوعيد وما فيه من الآيات والأحاديث في إيعاد العصاة من هذه الأمة بالنار الموقدة {الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)} ، والأحاديث الصحيحة في بيان هذا كثيرة جدا، أذكر بعض ما يحضرني الآن منها على سبيل المثال:
1 -
«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» . رواه مسلم عن أبي ذر، وهو مخرج في 'إرواء الغليل' (892) و'تخريج الحلال' (170). (2)
2 -
«ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر» . رواه مسلم عن أبي هريرة (3).
3 -
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: «حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا
(1) موضوع، رواه الطبراني في الأوسط (7/ 314 - 315/ 6599) وأورده الهيثمي في المجمع (10/ 360) وقال:"فيه محمد بن عمر الواقدي وهو ضعيف جدا"، بل رماه غير واحد بالوضع. قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في الضعيفة (2/ 145):"سند هالك وفيه آفات وعلل .. ".
(2)
أحمد (4/ 148) ومسلم (1/ 102/106) وأبو داود (4/ 346 - 347/ 4087) والترمذي (3/ 516/1211) وقال: "حسن صحيح". والنسائي (8/ 208/5348) وابن ماجه (2/ 744 - 745/ 2208) بنحوه.
(3)
مسلم (1/ 102 - 103/ 107) وأحمد (2/ 433) والنسائي (5/ 86/2574) بلفظ: «والعامل المزهو» .
الله، أمر الله الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود. وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا». رواه الشيخان عن أبي هريرة (1).
وفي حديث أبي سعيد: «فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه و
…
» رواه مسلم (2).
فهذه الأحاديث وغيرها صريحة في بطلان هذا الحديث، إذ كيف يكون العذاب أليما وهو كحر الحمام؟ بل كيف يكون كذلك وقد أحرقتهم النار، وأكلت لحمهم، حتى ظهر عظمهم؟ وبالجملة فأثر هذا الحديث سيء جدا لا يخفى على المتأمل، فإنه يشجع الناس على استباحة المحرمات، بعلة أن ليس هناك عقاب إلا كحر الحمام. (3)
- وقال رحمه الله تعالى ردا على أبي غدة: المسألة الخامسة: يقول الإمام -يعني ابن أبي العز- تبعا للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وسائر أهل الحديث وأهل المدينة: "إن الإيمان هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان. وقالوا: يزيد وينقص".
وشيخك تعصبا لأبي حنيفة يخالفهم مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم، بل ويغمز منهم جميعا مشيرا إليهم بقوله في 'التأنيب' (ص.44 - 45) إلى "أناس صالحون" يشير أنهم
(1) أخرجه: أحمد (2/ 293 - 294) والبخاري (13/ 516 - 517/ 7437) ومسلم (1/ 163 - 167/ 182).
(2)
أحمد (3/ 94) ومسلم (1/ 167 - 171/ 183) والنسائي (8/ 486 - 487/ 5025) وابن ماجه (1/ 23/60).
(3)
الضعيفة (2/ 147 - 148/ 709).
لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه، وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم، ثم يقول: إنه الإيمان والكلمة، وإنه الحق الصراح. وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون هم عنده على الباطل في قولهم: بأن الأعمال من الإيمان، وأنه يزيد وينقص.؟ وقد نقل أبو غدة كلام شيخه الذي نقلنا موضوع الشاهد منه، نقله بحرفه، في التعليق على 'الرفع والتكميل' (ص.67 - 69)، ثم أشار إليه في مكان آخر منه ممجدا به ومكبرا له بقوله (ص.218):"وانظر لزاما ما سبق نقله تعليقا، فإنك لا تظفر بمثله في كتاب "ثم أعاد الإشارة إليه (ص.223) مع بالغ إعجابه به. وظني به أنه يجهل -أن هذا التعريف للإيمان الذي زعم شيخه أنه الحق الصراح- مع ما فيه من المخالفة لما عليه السلف كما عرفت، مخالف لما عليه المحققون من علماء الحنفية أنفسهم الذين ذهبوا إلى: إن الإيمان هو التصديق فقط ليس معه الإقرار، كما في 'البحر الرائق' لابن نجيم الحنفي (5/ 129)، والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصور للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي، يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركنا أصليا، ثم يتناسى أنهم يقولون: بأنه يزيد وينقص، وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقا، بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفرة عندهم:"وبقوله: الإيمان يزيد وينقص" كما في 'البحر الرائق' (باب أحكام المرتدين) فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدون. راجع شرح الطحاوية (ص.338 - 360)، و'التنكيل' (2/ 362 - 373) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة.
وليعلم القارئ الكريم أن أقل ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة: أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم -ولو كان فاسقا فاجرا-: أنا مؤمن