الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} (1) على غرار قوله تعالى في آية أخرى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2).
ثم جاء التعقيب على هذا الإرشاد الإلهي بأنه هو خير وسيلة وأحسن طريقة لفض النزاع بين المسلمين إذا طرأ عليهم ما يدفع إليه، وأنه أحسن عاقبة ومآلاً، وفي ذلك إيماء إلى أن أيّة وسيلة أخرى قد يقع عليها الاختيار خارج هذا الإطار، لا تكون ناجعة ولا نافعة ولا حاسمة للنزاع، وإلى هذا يشير قوله تعالى:{ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (3).اهـ (4)
موقفه من المشركين
- قال في سياق ذكر بعض البدع الشركية:
ذكر شيء مما فشا في الإسلام من البدع وإيضاح بعض ما نشأ عنها:
نظرا لغفلة علماء الدين وتهاونهم في الهدى والإرشاد، وميل الجهلة الطغام إلى كل مبتدع غريب؛ ولو أداهم إلى مشاركة المشركين فيه لصعوبة التكاليف الشرعية عليهم، وضعوا أوضاعا تشابه أعمال المشركين في الصورة أو في الحكم، وقاموا بها لسهولتها عليهم حيث لم يدخلوا بسببها تحت أمر غيرهم حتى أوشكت حالتهم أن تصير شبيهة بحالة المشركين، وعاد بينهم
(1) النساء الآية (59).
(2)
الشورى الآية (10).
(3)
النساء الآية (59).
(4)
التيسير في أحاديث التفسير (1/ 348 - 349).
الدين غريبا كما بدأ واختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا حسب اجتهاد كل واحد منهم، ووفور ذكائه، وقوة فكره، وحدة ذهنه.
فمنهم الذين اتخذوا القبور حرمات ومعابد، فبنوا عليها المساجد والمشاهد، وزخرفوها بما يجاوز حد السرف بمراتب، واصطلحوا فيها على بناء النواويس، واتخاذ الدرابيز والكسا المذهبة، وتعليق الستور والأثاث النفيسة، وتزويق الحيطان وتنميقها، وإيقاد السرج فوق تلك القبور ككنائس النصارى، وسوق الذبائح إليها، وإراقة الدماء على جدرانها، والتمسح بها، وحمل ترابها تبركا، والسجود لها، وتقبيلها، واستلام أركانها، والطواف حولها، والنذر لأهلها، وتعليق الآمال بهم، والتوسل إليهم بالله ليقضوا لسائليهم الحوائج -كما يزعمون- فيقولون عند زيارتهم:(قدمت لك وجه الله يا سيدي فلان إلا ما قضيت لي حاجتي) جاعلين الحق سبحانه وتعالى وسيلة تقدم إلى أولئك المقبورين للتوصل إلى نيل أغراضهم؛ مع أن الميت قد انقطع عمله، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، فكيف لمن استغاث به، أو سأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها؛ فإن الله تعالى لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، واستعانة ذلك الميت وسؤاله لم يجعلهما سبحانه سببا لإذنه، وإنما السبب في إذنه كمال التوحيد، فجاء هذا بسبب يمنع الإذن، وهو بمنزلة من استعان في حاجته بما يمنع حصولها، على أن الميت محتاج إلى من يدعو له ويترحم عليه ويستغفر له، كما أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم إذا زرنا قبور المسلمين أن نترحم عليهم ونسأل لهم العافية والمغفرة، فعكس أولئك القبوريون هذا، وزاروهم زيارة العبادة لقضاء الحوائج والاستعانة بهم، وجعلوا قبورهم قريبة
من أن تصير أوثانا تعبد، وقد شاع هذا بين المسلمين وذاع وعم كل ما يستوطنون به من البقاع. (1)
- وقال: إن اليهودية والنصرانية التي تنتمي كل واحدة منهما زوراً وبهتاناً إلى إبراهيم الخليل وملته الحنيفية؛ قد انقطعت علاقتهما مع ملة إبراهيم انقطاعاً تاماً منذ دخلهما التحريف والتأويل، والتغيير والتبديل، وإن وثنية الجاهلية التي يدين بها المشركون العرب هي نقيض الحنيفية السمحة، بحيث لا يمكن أن يلتقيا في أي خط من الخطوط، ومهما ادعت اليهودية أو النصرانية أو الوثنية من قرابة مع ملة إبراهيم، ومن اقتباس من عقائدها أو شعائرها؛ فإنما تدعي زوراً وتقول بهتاناً.
وعلى فرض أنها لم تزل تتناقل بعض العقائد أو بعض الشعائر عن ملة إبراهيم؛ فإن ذلك لا ينفي أنها قد غيّرت حقيقة الملة الحنيفية، وشوّهت معالمها، وأدخلت عليها من العناصر الغريبة والدخيلة ما جعلها مناقضة للأصل كل المناقضة، جوهراً ومظهراً. (2)
- وقال عند قوله تعالى: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} (3): وفي هذه الخاتمة يستنكر كتاب الله من جديد موقف المشركين الذي يتخذون من عباده أولياء، يوالونهم ويعبدونهم من دون الله، فيجعلونهم محل الخوف والرجاء، ويعتقدون أن بِيَدِهم المنع والعطاء، ناسين أن
(1) إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة (ص.19 - 20).
(2)
التيسير في أحاديث التفسير (1/ 83).
(3)
الكهف الآية (102).