الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- قال: ومن عقائد السلف أنه يجب الإيمان بكل ما جاء في القرآن وأمرنا الله تعالى به، وترك كل ما نهانا عنه جملة وتفصيلاً، ونؤمن بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصح النقل عنه فيما شاهدناه أو غاب عنا، سواء في ذلك ما عقلناه أو جهلناه ولم نطلع على حقيقة معناه، نأتمر بأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وننتهي عما نهانا الله تعالى ونهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونقف عند حدود كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما جاء عن الخلفاء الراشدين المهديين، وعلينا اتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وسلوك طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان عليه الخلفاء الراشدون الأربعة المهديون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة؛ لأن سنة الخلفاء الراشدين متبعة كاتباع السنة النبوية. (1)
موقفه من المشركين:
قال رحمه الله في براءته التي كتبها لما حذف أحد مراقبي المطبوعات بالسعودية قصة العتبي من كتاب الأذكار للنووي الذي حقّقه، ومفادها أن العتبي كان جالساً عند قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي وقال مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم في قبره: جئتك مستغفراً من ذنبي. ولما انصرف رأى العتبي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له: يا عتبي! الحق الأعرابي فبشّره بأن الله قد غفر له. قال: هذه القصة ليس لها إسناد صحيح، ومتنها مخالف للأحاديث الصحيحة، ثم قال: وقد قال
(1) المصدر نفسه.
الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي -تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذ الحافظ المزّيّ- في كتابه 'الصارم المنكي في الرّدّ على السبكي': (ذكرها الحافظ البيهقي في 'شعب الإيمان' بإسناد مظلم). قال: (ووضع لها بعض الكذابين إسناداً إلى علي رضي الله عنه. وقال أيضاً ابن عبد الهادي في 'الصارم المنكي في الرد على السبكي' (ص.430): (هذا خبر موضوع، وأثر مختلَق مصنوع، لا يصلح الاعتماد عليه، ولا يحسن المصير إليه، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض).
وقد أخطأ الإمام النووي رحمه الله حيث ذكر هذه القصة وسكت عليها؛ وكان الأَولى أن لا يذكرها حتى لا يغر بها القراء ويستشهدوا بها.
أقول: كيف تصح هذه القصة وفيها يقول العتبي: جاء الأعرابي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: جئتك مستغفراً من ذنبي. بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبره؟ والله تعالى يقول في كتابه: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} (1). أي: لا يغفرها أحد سواه. قال الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي: (ولم يفهم أحد من السلف والخلف من الآية الكريمة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} (2)، إلا المجيء إليه في حياته صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم).
وهذه قضية لها علاقة بالعقيدة والتوحيد، فلا يجوز التساهل فيها والسكوت
(1) آل عمران الآية (135).
(2)
النساء الآية (64).
عنها؛ وإن عقائد السلف الصالح أنهم يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئاً، فلا يَسألون إلا الله تعالى، ولا يستعينون إلا بالله عز وجل، ولا يستغيثون إلا به سبحانه، ولا يتوكلون إلا عليه جل وعلا، ويتوسّلون إلى الله تعالى بطاعته وعبادته والقيام بالأعمال الصالحة لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} (1). أي: تقربوا إليه بطاعته وعبادته سبحانه وتعالى. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم". وقال عمر ابن عبد العزيز رحمه الله: "قف حيث وقف القوم؛ فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ كفّوا". وقال الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام رحمه الله: "عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول". وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "الزم طرق الهدى، ولا يغرّك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين".
هذا؛ وإن شريعة الله تعالى محفوظة من التغيير والتبديل، وقد تكفّل الله تعالى بحفظها فقال:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (2). ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديثه: «يحملُ هذا العلمَ من كلّ خلَفٍ عُدولُهُ: ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين» (3). وهو
(1) سورة المائدة الآية (35).
(2)
الحجر الآية (9).
(3)
رواه الآجري في الشريعة (1/ 101 - 104/ 1 - 2) والبيهقي (10/ 209) من حديث إبراهيم بن عبد الرحمن العذري، وهذا مرسل. وله شواهد يتقوى بها عن جمع من الصحابة منهم: أسامة بن زيد وأبو هريرة وابن عمر وابن مسعود وعلي وغيرهم رضوان الله عليهم.