الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفي رحمه الله سنة خمس عشرة وأربعمائة وألف، وصلي عليه في جامع الإمام تركي، وكانت جنازته مشهودة، ودفن في مقبرة العود في الرياض.
موقفه من المبتدعة:
بعد أن تحدث رحمه الله عن أعداء الإسلام والأساليب التي يستعملونها لبث أفكارهم وشبههم -وذكر بعضها-.
قال: وغيرها من الشبه التي زانوها واستولوا بها على عقول البسطاء، وأحيانا ينتحلون أحاديث ينسبونها زورا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويلقونها على مسامع الأغرار وأهل الغفلة والجهل بفن الحديث من الذين لا يستطيعون التمييز بين صحيحه ومكذوبه، بل يصغون لكل ما نسب إليه صلى الله عليه وسلم؛ لحسن ظنهم بالرواة، وظنهم أنه لا يجرؤ أحد على الكذب على المشرع، ولكن يأبى الله تعالى إلا أن ينصر دينه وينجز وعده، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (1)، ويأبى الحق إلا أن يصرع الباطل على يد النقاد من رجال الحديث وعلماء الرواية؛ بكلاءة هذا الفن وحفظه بتدوينه وتمييز الأصيل من الدخيل، والكشف عن أحوال الرجال جرحا وتعديلا يقظة وغفلة؛ إلا أن بعض رجال العلم من بعد أهملوا هذا الميراث الثمين، ولم يسلكوا سبل سلفهم في رد الفروع إلى الأصول، ولم يسيروا على ضوء مباحث الأولين في رد الشبه والأحاديث المفتراة؛ فغمرهم ظلام الإفك، وطغى عليهم التلبيس فتخبطوا في كثير من مباحثهم، وأكثروا من
(1) الحجر الآية (9).
الاحتمالات التي لا داعي لها ولا حاجة إليها، فضعفت كلمتهم أمام المحرفين والمشبهين الملحدين. وإن ما ترزح تحته الأمم الإسلامية اليوم؛ من تفرق في الكلمة، وانحراف في الرأي، وضعف في الدفاع، وتأخر إلى الوراء حين يتقدم غيرهم؛ ليس كل ذلك إلا نتيجة غفلتهم عن تراث السلف الصالح وسلوكهم لغير خطتهم علما وعملا.
ولقد راجت شبه الملحدين من جديد رواجا مخيفا جمد إزاءه المسلمون، ولو أنهم رجعوا إلى أقوال سلفهم الصالح وسلكوا طريقهم، لردوا كيد الكائدين إلى نحورهم؛ فإنه ما من شبهة تذاع اليوم إلا وقد سبق إليها شياطين الملحدين السابقين في العصور الأولى، ووقفها وردها وأبطلها أجلة علماء السلف ببراعة فائقة؛ فلا سبيل أرشد من سبيلهم، ولا هدي أقوم مما كانوا عليه؛ فالخير كل الخير في العودة إلى كتاب الله تعالى تلاوة له وتفقها فيه، وإلى أحاديث المصطفى صاحب جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم دراية ورواية، والفتيا بهذين الأصلين وعرض أعمال الناس عليهما؛ فهذا هو الفلاح والرشاد الذي ليس بعده رشاد. (1)
- ومن مقالاته رحمه الله:
من أسباب الانحراف والصدود عن الحق:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فللصدود عن الحق أسباب عديدة وموانع كثيرة؛ منها: الغرور الفكري والتقليد عن غير بينة وبصيرة، وتحكم العادات السيئة في النفوس، والأنفة والاستكبار،
(1) إتحاف النبلاء (2/ 198 - 199).
والحسد الممقوت، وطاغوت الافتتان بالمركز والجاه وكثرة المال، وما إلى ذلك، وكلها أمراض أخلاقية وبيلة، وأدواء مستعصية فتاكة، والحديث عنها يطول؛ فليكن حديثي في هذه الحلقة عن الغرور الفكري. الغرور الفكري هو إعجاب الإنسان بعقله، وافتتانه برأيه، وإنزاله فوق منزلته، وإعطاؤه من القداسة ما ليس بأهل له حتى يتدخل فيما لا يعنيه، وما ليس في وسعه وحدود طاقته؛ فيعارض العبد ربه في خلقه وتشريعه، فضلا عن معارضته لنظرائه ومن هو أوسع منه فكرا وأكثر تجربة من العلماء. لقد وجد الشيطان منفذا لوسوسته في اغترار قوم بعقولهم وعلومهم؛ فاستهواهم، وزين لهم أن يخوضوا فيما ليس من شأنهم، وأن يهجموا على بحث ما ليس في وسعهم بحثه. (1)
- وقال رحمه الله: الحكم فيمن رد السنة جملة -أي كلها- فهو كافر، فمن لم يقبل منها إلا ما كان في القرآن فهو كافر، لأنه معارض للقرآن، مناقض لآيات القرآن: والله تعالى يقول: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} (2)، ويقول تعالى:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3) ويقول تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
(1) إتحاف النبلاء (2/ 187 - 188).
(2)
آل عمران الآية (32).
(3)
الحشر الآية (7).
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)} (1). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)} (2) ويقول تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (3)،
فقوله: {فاتبعوني} هذا عام، فحد المفعول طريق من طرق إفادة العموم، {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ، وما من صيغ العموم، وقوله:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ} أي: تنازع الرعية، وأولو الأمر من العلماء والحكام {فِي شَيْءٍ} فردوه إلى الله والرسول، فلم يجعله إلى الله وحده، بل جعله إلى الله وإلى الرسول، ورده إلى الله رده إلى كتاب الله، ورده إلى الرسول بعد وفاته رده إلى سنته عليه الصلاة والسلام، فدعواه أنه يعمل بالقرآن عقيدة وعملا ويرد السنة جملة -هذه الطائفة التي تسمي نفسها (القرآنية) - دعوة باطلة، وهو مناقض لنفسه لأنه كذب آيات القرآن التي فيها الأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذ ما جاء به، وطاعته فيما جاء به من عند
(1) المائدة الآية (92).
(2)
النساء الآية (59).
(3)
آل عمران الآية (31) ..
الله عموما دون أن يخص آيات القرآن، ثم هو في الوقت نفسه كيف يصلي؟ وكيف يحدد أوقات الصلوات؟ وكيف يصوم؟، وعن أي شيء يصوم؟ وتفاصيل الصيام كيف يعرفها؟ وكيف يحج بيت الله الحرام؟ فليس هناك إلا أركان محدودة من الحج في سورة البقرة، وكذلك أين أنصبة الزكاة؟ وكيف يزكي؟ كل هذه التفاصيل موجودة في السنة وليست في القرآن. فمن يدعي أنه يأخذ بالقرآن ولا يأخذ بالسنة فإنه مغالط ومناقض لنفسه، ومناقض للقرآن، لأنه رد آياته الكثيرة التي ورد فيها الأمر بطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام والأخذ بما جاء به، ومناقض لإجماع المسلمين ولإجماع الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم جميعا لم يشذ واحد منهم عن الأخذ بالسنة، فإذا هو كافر بالقرآن وإن ادعى أنه مؤمن به، والكافر بآية منه كالكافر بكل آياته، كافر بالإجماع منكر له أي إجماع الصحابة رضوان الله عليهم، فما فيهم واحد شذ عن السنة وأنكرها جملة، وإذا أنكر أحدهم شيئا فإنما ينكر حديثا من جهة الراوي لا من جهة أنه كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، أي: السنة.
وهذا أيضا لا يقوى على أن يقوم بالصلوات الخمس على وجهها المعلوم من الدين بالضرورة، فصلاة العصر أربع ركعات، وصلاة الصبح ركعتان لا يجد هذا في كتاب الله فمن أين جاء هذا؟ ما جاء إلا من تعليم جبريل للرسول عليه الصلاة والسلام، وتعليم الرسول عليه الصلاة والسلام لأصحابه، فمن أين يأتي بهذا؟ فهذا مجمل الرد عليه، وإثبات أنه كافر بالقرآن، كافر بالإجماع اليقيني، كافر بالمعلوم من الدين بالضرورة، من مثل