الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رحمه الله نفسه في خدمة العلم، ورفع منار التوحيد الخالص، والتعريف بالله الواحد، والتصدي بكل قوة لفرقة ضلت وانحرفت عن فهم صفات ربها وألحدت في أسمائه، وكفرت المسلمين، وسبت وشتمت علماء الإسلام واستحلت دماء الموحدين، وعاثت في الأرض فسادا
…
وأن هذا الجهبذ رحمه الله رحمة واسعة كان يعلم أن وراء بيان الحق وإنكار منكر هذه الطائفة الضالة أن يعرض نفسه للقتل. ومع ذلك فإنه لم يأبه لذلك، بل قال في كتابه هذا: (لقد هددوني بالقتل، وأوعزوا إلى أحدهم بالفعل، وهم يجهلون أنني أرضى بأن يطاح برأسي مقابل رأسهم وهم يظنون أن الله غافل عما يفعلون، أو أن المسلمين عنهم لاهون
…
ألا إن الصبح قريب، وسبحان ربنا القائل:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ} (1).
قتلته رحمه الله فرقة الأحباش الضالة المنحرفة بطرابلس الشام. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
من تآليفه 'إشراقة الشرعة في الحكم على تقسيم البدعة' و'إثبات علو الله على خلقه والرد على المخالفين'.
موقفه من المبتدعة:
قال في كتابه 'إشراقة الشرعة' راد على من قسم البدعة إلى حسنة
(1) التوبة الآيتان (51و52).
وسيئة، وأدحض فيه شبههم الواهية: فاعلم أخي أن حثالة من الناس حملت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول بعض الصحابة، بل وقول بعض العلماء، على فهمها المعوج، لتضرب بذلك السنة الصريحة الواضحة، بل لتضرب الدين بالدين كفعل الزنادقة الملحدين الذين كان دأبهم أن يشككوا الناس في إسلامهم؛ وهكذا فالفعل شاهد المقصد. وغاية ما في الأمر أن بعض العلماء المتأخرين قال بتقسيم البدعة، وتبعه على ذلك من تبعه، ولكن تذرع من لا فهم عنده بهذا الأمر ليقول: إن بعض الابتداع في الدين يكون حسنا أو واجبا أو ما شابه، رافعا هذا القول لواء، وظانا أن بعض السنة يعاضده ويسانده ففرح المسكين، واستمال بذلك قلوب العامة
…
(1)
- وقال أيضا: عليك أن تعرف أخي أن الابتداع معناه أحد أمرين:
إما أن الله تعالى لم يكمل الدين؛ وهذا كفر، إذ يقول الله سبحانه:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (2).
وإما أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخفق ولم يبلغ الرسالة حق التبليغ؛ وهذا اتهام له بالخيانة، وهو كفر، فالله تعالى امتدحه وجعله خاتم الرسل، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على
(1) إشراقة الشرعة (ص.13).
(2)
المائدة الآية (3).
ما يعلمه خيرا لهم، وينذرهم ما يعلمه شرا لهم» (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به» (2). وقالت عائشة لمسروق رضي الله عنهما: «ومن حدثك أن محمدا كتم شيئا مما نزل عليه فقد كذب» (3).
وقال مالك رحمه الله في هذا الشأن وهو عالم دار الهجرة: (من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (4)، فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا).
فمن ابتدع إذا كان هذا معنى فعله، وهو أنه متهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيانة لدين الله وحاشاه.
وكذلك ليس لأحد أن يقول عن شيء هذا أمر صغير أو حسن، لأن الوصف لا وزن له مع قبح الفعل وهو الابتداع؛ لأن البدعة مضاهية للشريعة، والتشريع من حق الشارع. ومن قال عما لم يكن مشروعا: هذا حسن، فكأنما نصب نفسه إلها أو ندا لله تعالى، وكذلك العقل فهو مناط التكليف، ولم يقل أحد هو مناط التشريع، ولو كان ذلك من حقوقه لما كان
(1) أخرجه: أحمد (2/ 161) ومسلم (3/ 1472 - 1473/ 1844) والنسائي (7/ 172 - 173/ 4202) وابن ماجه (2/ 1306 - 1307/ 3956). من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه: الشافعي في الرسالة: (ص.87) فقرة (289)، وعنه البيهقي (7/ 76) والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/ 270) مرسلا عن المطلب بن حنطب. قال الشيخ الألباني إسناده مرسل حسن، وذكر للحديث شواهد يتقوى بها (الصحيحة: 4/ 417).
(3)
أحمد (6/ 49،50) والبخاري (8/ 349/4612) ومسلم (1/ 159/177) والترمذي (5/ 3068 - 3069/ 3278).
(4)
المائدة الآية (3).
هناك من دافع إلى إنزال الكتب وإرسال الرسل، إذ كل منا عندئذ يتخذ دينا يتعبد به بمحض اختياره. وهذا كله باطل، فالدين واحد وهو كامل لا يحتاج إلى من يزيد عليه، وليس للبشر ولا للملائكة ولا للجن أن يتصرفوا فيه بالزيادة والنقصان، فإذا كان هذا ليس من حق الرسل، فكيف يكون من حق من هو دونهم؟!
قال الله تعالى في رسوله اللأعظم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} (1).
فهذا الوصف الرباني لرسول الله صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن كلامه لم يكن من عنده، بل هو وحي من الله، ويؤكد وجوب اتباع القرآن والسنة، لكونهما خاليين من هواه صلى الله عليه وسلم، ومن هنا كانا دينا يتعبد به ويلتزم. فكيف يتعبد إذاً بقول الرجال وأهواء الجهال؟!! اللهم غفرا. (2)
- وقال: ومن أشنع وأبشع ما يسمع من الكلام قول بعض الجهال -إذا ما نهيته عن بدعة-: (أهذا الأمر الصغير بدعة؟) فمشكلة هؤلاء أن أحدهم ينظر إلى البدعة في شكلها لا فعلها، ولو فقهوا معناها لأدركوا قيمة هذا النهي ولكن هيهات، فقد غلفت قلوبهم غشاوة الاستحسان، فأصبحوا لا يفرقون بين السنة والبدعة بخلاف السني فإن قلبه مرآة صافية، إذا ما عرضت له نكتة سوداء سارع إلى حكها، لأنها تظهر بوضوح لنصاعة القلب وطهره، وليعلم
(1) النجم الآيتان (3و4).
(2)
إشراقة الشرعة (ص.15 - 17).
الجاهل بأن الأمر إن كان تافها في عينه لا يحتاج إلى نهي فإنه لا بد ولا ريب سيترسخ في يوم من الأيام حتى يصبح عند الناس سنة، وهذا خطر جسيم، لأن شرائع أو طبائع البشر تصبح بذلك دينا، والإسلام لا يقبل الزيادة أو النقصان. (1)
- وقال: فالمبتدع كما ترى سفيه أحمق وعقله مغلق، يظن بفعله أنه يؤجر ويثاب، ولا يدري ما ينتظره من العقاب، وهو يحتج على نهيك بقول ساقط وخيم، وهو أنه يصلي أو يذكر أو يصوم، ويتجاهل أن هذه العبادات لها كيفيات وأوقات، فإن خرجت عنها استحق صاحبها العقوبات وخرجت عن كونها قربات. (2)
وقال (3):
عصابة ظهرت في الدين مفتتنة
…
قالت وجدنا وجدنا بدعة حسنه
وكان تقسيم بعض الناس عمدتَها
…
مع أنه لغوي عند من وزنه
تعسا لها جهلت أن كل محدثة
…
في الشرع مذمومة قد خالفت سننه
إذ لم يفرق بقول منه ينصرها
…
بل قوله (كل) يعني كلها نتنه
وإن من صحبوا المختار سائرهم
…
نصوا على قبحها ردا على الخونه
حتى الذي صنعوا من قوله حججا
…
وحرفوا قصده قد حوربت زَمَنَه
لم يعرفوا عمرا يا ويح نظرتهم
…
فكيف يهدون إذ أفهامهم زَمِنَه
(1) إشراقة الشرعة (ص.86).
(2)
إشراقة الشرعة (ص.94).
(3)
إشراقة الشرعة (ص.99 - 103).
هو المداوي صبيغا من ضلالته
…
بضرب عرجونة وهو الذي سجنه
قلنا لهم بحديث المصطفى اعتصموا
…
فعصمة المرء بالقرآن إن قرنه
لكنهم أعرضوا عن قولنا عجبا
…
يستحسنون بأهواء لهم عفنه
كم من حقائق عن أحوالهم ظهرت
…
إن رمت تعرفها سل أنفسا فطنه
فقد كشفنا معاني فعلهم ولذا
…
تعلق القلب بالمأثور واحتضنه
النفس جامحة مثل الحصان فإن
…
تتركه يهلك لذا أحكم له رسنه
ما الابتداع سوى أهواء صاحبها فكل مبتدع لا بد متبع
…
لأنه مظهر ما النفس مختزنه
وديننا آية أو سنة أبدا
…
لها فما خرجت عن كونها وثنه
فذاك موطننا لانرتضي بدلا
…
دوما على مثل هذا الروح مئتمنه
فيه الأمان فهلا كنت زائره
…
وإن رأى غيرنا في غيره وطنه
لا تحتقر أهل من دانوا بمنهجنا
…
حتى تسائل عما فيه من سكنه
في الله حدتهم هذي مزيتهم
…
حتى وإن خرجت ألفاظهم خشنه
فالحق غايتهم والصدق رايتهم
…
عند التعدي أتبقى النفس متزنهه؟
الشرع بالنص لا بالقول تعرفه
…
ماذا يروم الفتى بعد الذي أمنه
كم باطل فيه ألفاظ منمقة
…
فلن يكون لأقوال الرجال زنه
وكم طوائف هلكى في ضلالتها
…
وكم خبيث يرى في عصبة لسنه
فالمحدثات كموج فيه ملتطم
…
هذا الزمان عصيب فاجتنب فتنه
أمواجه بالهوى لا بالهوا اضطربت
…
يا ويل خائضه هلا درى جننه
فيها الهلاك بغير المصطفى ونجا
…
من كان متخذا آثاره سفنه