الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقفه من المبتدعة:
- قال عنه شيخه وشقيقه محمد بن اليمني الناصري: "أول من جاهر بين أقرانه في هذا الوسط المغربي -الذي تعود أهله السكون والسكوت والتسليم للرجال على كل حال- بالدعوة إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتطهير العقائد من الخرافات، وذم البدع ومحاربة أهلها من غير أن يخش في الله لومة لائم، أو عذل عذول بحب البدع هائم". (1)
- قال في مطلع كتابه 'إظهار الحقيقة': أما بعد: فإنه في هذا العصر الزاهر الذي اهتمت الأمم فيه بإحياء ما كان لها من المفاخر والمآثر، قد اتسعت مدارك شبان المسلمين وتفتحت بينهم أزهار العلوم، وانقشع ما غشى أعينهم من كثيف السحب ومتلبد الغيوم، التي طالما حالت بينهم وبين ولوج أبواب العلوم والعرفان، وأوقعتهم في مهاوي الهلاك والخسران، فكثر التباحث والتفاوض بينهم في أسباب الترقي إلى ذروة الكمال، وإرجاع ما كان لهم من العز والعظمة والجلال، إلى أن وقفوا على الغاية المقصودة، والضالة المنشودة، فعلموا أن السبب الوحيد في ذلك، والوسيلة الموصلة إلى بلوغ ما هنالك، هو اتباع الكتاب العزيز واقتفاء المشرع الأعظم، وعدم العدول عما أتى به صلى الله عليه وسلم، فسارعوا إلى القيام بهذا الأمر العظيم، وحملوا الناس على اتباع السنة والخروج عما هم فيه من مورد البدع الوخيم، وغدا كل واحد منهم ينشر دعوته بين مواطنيه، ويفيدهم ما عنده في هذا الموضوع من المعلومات، ويبين لهم أحسن الوسائل لمقاومة البدع وأسهل الطرقات، رغبة
(1) ضرب نطاق الحصار (ص 19).
في الترقي إلى ذروة المجد والشرف والعروج في معارج الرقي والمكرمات، حتى لم يبق إشكال لدى جل الوطنيين في أن الحق هو ما هم عليه، والصراط المستقيم هو ما يدعون إليه، فاتفقت آراؤهم على ذلك المبدإ الحميد، وسلكوه غير ملتفتين إلى من خالفهم من كل متعصب جامد وجاهل وبليد؛ فلما رأيت ذلك منهم حملتني الغيرة الدينية على أن انخرط في سلكهم وأعينهم (وإن لم أكن أهلا للإعانة) بتقييد موجز مفيد، فشرعت في ذلك، مستعينا بالله تعالى على سلوك تلك المسالك، ملخصا له من بعض مقالات نصراء الإسلام وحماة الدين -إلى أن قال- اعلم أن ما حدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى قسمين: قسم تقتضيه أصول الدين وتتناوله أدلة الشرع الكريم وهذا من الدين قطعا.
وقسم لا تقتضيه أصول الدين ولا تتناوله أدلة الشرع وهذا هو المسمى بالبدعة والضلالة وهو المردود على صاحبه لقيام البرهان على منعه من الكتاب والسنة" -ثم ساق الآيات والأحاديث الواردة في ذلك ثم قال: "إلى غير ما ذكر من الأحاديث الواردة في رد البدع على مبتدعيها وذمهم والحط من مقامهم، والأخبار الطافحة بالحض على التمسك بالكتاب والسنة والإجماع، ونبذ ما خالف هذه الأصول من البدع المحدثة في الدين، المنافية للشريعة الإسلامية؛ إذ الخير كله في الاتباع، والشر كله في الابتداع.
وخير أمور الدين ما كان سنة
…
وشر الأمور المحدثات البدائع
اتبع صراط المصطفى في كل ما
…
ياتي وخل وساوس الشيطان
واعلم بأن الحق ما كانت عليـ
…
ـه صحابة المبعوث من عدنان
من أكمل الدين القويم وبين الـ
…
ـحجج التي يهدي بها الثقلان
واطلب نجاتك إن نفسك والهوى
…
بحران في الدركات يلتقيان
نار يراها ذو الجهالة جنة
…
ويخوض فيها في حميم ءان
ويظل فيها مثل صاحب بدعة
…
يتخيل الجنات في النيران
لا تبتدع فلسوف تصلى النار مذ
…
موما ومأخوذا على العصيان
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
…
ولا تك بدعيا لعلك تفلح
ولذ بكتاب الله والسنة التي
…
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
ودع عنك آراء الرجال وقولهم
…
فقول رسول الله أزكى وأشرح
وإذا اقتديت فبالكتاب وسنة الـ
…
ـمبعوث بالدين الحنيف الزاهر
ثم الصحابة عند عدمك سنة
…
فأولاك أهل نهى وأهل بصائر
فتابع الصالح ممن سلفا
…
وجانب البدعة ممن خلفا
فكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
فبالسنة الغراء كن متمسكا
…
هي العروة الوثقى التي ليس تفصم
تمسك بها مسك البخيل بماله
…
وعض عليها بالنواجذ تسلموإياك مما أحدث الناس بعدها
…
فمرتع هاتيك الحوادث أوخم
فالاتباع أصل الفضائل كلها، وأس الكمالات بأسرها. والابتداع رأس الفضائح والمصائب، والسبب في اضمحلال الأمم وانحطاطها، وما يصب من اللعنات عليها ويحل بها كل لحظة من القوارع والنوائب. (1)
- ذكر في كتابه 'إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة' مقدمة حافلة في الحض على اتباع الوحيين الكتاب والسنة والحذر من البدعة والمبتدعة، فساق آيات كثيرة وأحاديث عديدة -مع ما يشوب بعضها من ضعف- وآثار سلفية وأشعار مرضية، وفي سياق بيان أن سبب تخلف الأمة هو الابتعاد عن الأصلين الشريفين قال: فاتباع الأصول الدينية المبرأة من محدثات البدع، هو السبب في نهوض الأمة وارتقائها، وشفائها من أدوائها.
والذي نراه من عارض خللها، وهبوطها عن مكانتها، إنما نشأ عن طرح تلك الأصول ونبذها ظهريا، وحدوث بدع ليست من الدين في شيء؛ أقامها دعاة البدع مقام تلك الأصول الثابتة، وأعرضوا عما يرشد إليه الدين، وعما أتى لأجله وأعدته الحكمة الإلهية له.
فاستبدلوا بالشريعة مذاهب وتقاليد هم بها عاملون {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)} (2) وغرتهم الحياة الدنيا، فطغوا بالميزان، وغرهم بالله الغرور، فانحرفوا عن صراط القرآن، وطلبوا العزة بالكلم الخبيث، دون العمل الصالح والسعي الحثيث، فكانت عزتهم ذلا،
(1) إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة (ص.5 - 12).
(2)
المؤمنون الآية (53).
وكثرتهم قلا، ومكروا السيئات؛ فقادوا العلماء والفقهاء بسلاسل سياسة السلاطين والأمراء، وأوهموا الوازرين والخاطئين، بأن سيحمل أثقالهم عنهم نفر من صلحاء الميتين {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)} (1) ففسدت بذلك الأعمال والنيات، واتكل الأحياء على شفاعة الأموات، وتبع ذلك تفرق الكلمة بالباطل، وعدم الاجتماع على نصرة الحق، فخلا الجو للأمراء الظالمين، والرؤساء الغارّين، وفسد بذلك على الأمة أمر الدنيا والدين.
طغوا في الكتاب ففضلوا الأعمى على البصير، وطغوا في الميزان فاختاروا الظلمات على النور، وأخرجوا الأمة من الظل إلى الحرور، وفقدوا حياة العمل والتعاون فاستمدوا المعونة من أصحاب القبور. (2)
- وقال رحمه الله: لا بد أن نقف وقفة ولو قصيرة عند قوله: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)} (3). ذلك أن كثيراً من الناس عندما تسبق إلى نفوسهم فكرة من الأفكار يتعصبون لها، ويجمدون عليها، ويعتقدونها اعتقاداً أعمى، فإذا أُلقي إليهم بفكرة جديدة
(1) العنكبوت الآيتان (12و13).
(2)
إظهار الحقيقة وعلاج الخليقة (ص.15 - 17).
(3)
البقرة الآية (16).
قالوا: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} . كما أن كثيراً من الناس عندما يتورطون في نوع مرذول من أنواع السلوك، ويألفون جوّه العفن، يصبحون أكثر الناس حذراً ومخافة من كل فكرة صالحة تلقي الأضواء على ما هم عليه من انحراف وشذوذ، باعتبار أن الفكرة الجديدة قد تكشف معايبهم، وتفضح أسرارهم، وتخرجهم عن مألوفاتهم التي أصبحوا أسراء لها، وتجعلهم حقراء مرذولين أمام أنفسهم أولاً، وأمام الناس أخيراً، وهكذا لا يكتفي الفاسقون بإقفال أسماعهم عن سماع أية فكرة صالحة؛ بل يتصدون لها بالمقاومة والمحاربة سراً وعلناً، وبذلك يزدادون فسقاً على فسق، وانحرافاً فوق انحراف، وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} فقد أثبتت لهم هذه الآية صفة الفسوق أولاً وسابقاً، وبتأثير هذه الصفة الملازمة لهم والمسيطرة عليهم زادوا عتواً وضلالاً، إذ الجريمة تدفع إلى أختها، والسيئة تعين على مثلها، على حد قوله تعالى:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} (1) وذلك بعكس (المتّقين) الذين لازمتهم صفة التقوى، فانفعالهم من تلقاء أنفسهم يكون مزيداً من الهداية، ومزيداً من الرشد
…
وأما فساد الفاسقين وإفسادهم في الأرض، فيتجلّى في سعيهم إلى تحطيم جميع المقدسات، وفي استهانتهم الظاهرة والباطنة بجميع القيم، وفي
(1) البقرة الآية (10).
اعتدائهم المتوالي على حقوق الأفراد والجماعات، وفي إجبارهم للغير على الرضى بالفساد والعيش في ظله، ويتجلّى بالأخص في محاربتهم لأوامر الله وانتهاكهم لحرماته، والعمل بالخصوص على إقصاء تعاليمه وطردها من جميع مجالات العيش ومواكب الحياة.
وهذه الصفات الثلاث التي وصف الله بها (الفاسقين)؛ من خيانة للعهد، وقسوة في القلب، وإفساد في الأرض، كانت ولا تزال هي شعار الفاسقين لا تتخلف واحدة منها عن الأخرى في أي عصر ولا في أي جيل. (1)
- وقال: والحل القرآني والعملي لكل تنازع يطرأ بين المسلمين كما نص عليه كتاب الله؛ هو الرجوع إلى الله ورسوله، والنظر فيما أوجب التنازع بينهم، على ضوء ما في كتاب الله وسنة رسوله، واستخراج الحل الإسلامي الملائم من تعاليمهما وتوجيهاتهما، ومن القياس على نصوص الدين وسوابقه في عهد الرسالة وعهد الخلافة الراشدة، وبذلك يهتدي المسلمون إلى حل واحد يرضاه الجميع، ويلتزم طاعته الجميع، وما دام المرجع فيه هو الله ورسوله فلا غالب ولا مغلوب، ولا منتصر ولا منهزم، وإنما تكون كلمة الله وحدها هي العليا {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} (2) وهذا هو معنى قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
(1) التيسير في أحاديث التفسير (1/ 31 - 34).
(2)
النساء الآية (65).