الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنتين مدرسا بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ابتداء من إحدى وأربعمائة وألف للهجرة.
موقفه من المبتدعة:
قال رحمه الله متعقبا على ما كتبه أحمد بن المواز في مشروعية الاحتفال بالمولد: (الأعياد الشرعية اثنان لا ثالث لهما. وبالنسبة للنص الثاني:
1 -
فقول أحمد بن المواز: "أن أول من احتفل بالمولد في المغرب أبو يعقوب المريني"، يرد بأن قرار أبي يعقوب المريني لا يضفي صفة المشروعية على الاحتفال بالمولد النبوي، إذ الاحتفال ليس بمصلحة دنيوية تدخل في نطاق الدليل المرسل الملائم لتصرفات الشرع، بحيث يصح لولي الأمر البت فيه، وإنما هو عبادة يرجع في شأنها إلى التوقيف فلا عبادة إلا على أساس نص.
2 -
وقوله: " .. وإلحاقه بأعياد المسلمين .. " صريح في أن الاحتفال بالمولد النبوي تقرر بصفة رسمية عيدا ثالثا من أعياد المسلمين.
وهذا هو المعروف بمغربنا الأقصى إلى -الآن- يحتفلون بثلاثة أعياد: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد المولد النبوي يوم 12 من ربيع الأول. وهذا هو المعتقد لدى عامة الناس بما فيهم سلطة حاكمة وعلماء إلا الأقل من القليل يعرفه بدعة، ولكن لايستطيع أن يجهر بالحق لأنه مقيد بدافع من الدوافع مما أشار إليها الشوكاني أعلاه ..
إن اعتقاد اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كعيد ثالث؛ اعتقاد خاطئ لايستند إلى دليل، بل يعتبر اتخاذا لشرع لم يأذن به الله من تخصيص زمان بما
لم يخصه به الله، الشيء الذي يؤدي إلى وقوع ما وقع فيه أهل الكتاب ..
على أن النص على حصر الأعياد الشرعية في عيدين واضح لا يقبل التأويل، فقد ورد عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبان فيهما فقال: «أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر» . أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح (1).
إن الأعياد -كما قلنا أعلاه- شريعة من الشرائع يجب فيها الاتباع لا الابتداع، وما أكثر الأحداث، والوقائع والعهود والانتصارات التي مرت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال إبلاغه الدعوة إلى الناس، وهي مذكورة في سيره ومغازيه صلى الله عليه وسلم.
مثل: غزوة بدر، وحنين، والخندق، وبيعة الرضوان، وفتح مكة، ووقت الهجرة ودخول المدينة .. إلى غير ذلك ..
ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر باتخاذ أيامها أعيادا، أو ذكريات، ولا فعلها خلفاؤه الراشدون، ولا الدول الإسلامية ذات القرون الثلاثة الأولى المفضلة
…
وإنما يفعل مثل هذه الموالد النصارى، الذين يتخذون أيام أحداث عيسى عليه السلام أعيادا .. حتى أصبحت كل الدول الإسلامية وبعض الأفراد من شعوبها في عصرنا الحاضر تقلد أوروبا المسيحية في إقامة الأعياد للموالد والوقائع والأحداث ..
وفي هذا المعنى ورد الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم: أن
(1) أخرجه: أحمد (3/ 250) وأبو داود (1/ 675/1134) والنسائي (3/ 199/1555) والحاكم (1/ 294) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي".
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم» ، قلنا: يا رسول الله؟ اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» (1).
3 -
وقوله: "
…
وكان الاهتمام بذلك عند كثير من شيوخ التربية" بمقتضى أن المتصوفة هم الذين قرروا بدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لنفوذهم المعنوي على الجمهور ..
4 -
وقوله: " .. وكان عدد من الناس يحتفلون له في اليوم السابع من المولد لكونه يوم عقيقة مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم كأهل القصر الكبير ومن وافقهم ..
يقتضي أن الاحتفال بيوم 12 من ربيع الأول لم يكن متفقا عليه بالمغرب الأقصى .. فها نحن نرى سكان القصر الكبير الذي كان أحد معاقل المتصوفة، وبقية الجهات التابعة له كانوا يحتفلون باليوم السابع، أي يوم الثامن عشر من ربيع الأول، الأمر الذي يؤكد مدى استيلاء الجهل على الناس، مما جعلهم منقادين لأهوائهم، وإيحاءات شياطينهم .. (2)
- وقال داحضا شبهة تعلق بها أصحاب الاحتفال بالمولد:" غير أنهم أجابوا: أنهم قصدوا بـ "الاحتفال" التعبير عن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي واجبة على كل مسلم؛ وجوبا مقدما على نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ..
(1) أخرجه من حديث أبي سعيد: أحمد (3/ 84،89) والبخاري (13/ 371/7320) ومسلم (4/ 2054/2669).
(2)
المتصوفة وبدعة الاحتفال بمولد النبي (ص.120 - 122).
ورد بأن ما قصدوه خطأ، وأن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هي في الاتباع لا في الابتداع، وأن الاتباع المطلوب شرعا هو اتباع أوامر الله ورسوله، واجتناب نواهي الله ورسوله، وقد قال تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (80)} (1) وقال عز من قائل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (2).
إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعبر عنها تلك المظاهر المزرية، التي تتجلى في المهرجانات التي تقام عادة بهذه المناسبة بين ساحات المدن والقرى الغاصة بحلقات أهل الفساد والبدع، والمتمثلة في قرع الطبول، ونفخ المزامير والأبواق، وشدخ الرؤوس، والضرب على الصدور والزعق، وشق الجيوب، والتشبه بالحيوانات الشاردة أو المفترسة من كل ما يفعله الجهلة الهمج.
كما لا تعبر عنها تلك الاحتفالات التي تقام في الأضرحة وبعض الأربطة التي أسسها الطرقيون، كمساجد للضرار تضايق المساجد المؤسسة على تقوى من الله، فتتلى فيها المدائح، والتلاوات بأصوات رخيمة عذبة وترنمات يتبارى فيها المنشدون بألبستهم الفضفاضة، ومماويلهم وتقاطيعهم الموسيقية ..
كلا .. لا يعبر عن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا ذاك .. وإنما الذي يقرره
(1) النساء الآية (80).
(2)
آل عمران الآية (31).
المسلم الغيور هو القول: بأن تلك المظاهر محادة لله ورسوله، وضرب من الخلف في مقتضيات كتاب الله وما جاء به محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه من محجة بيضاء نقية، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك .. (1)
- وقال: فنحن المسلمين اليوم أحوج ما كنا إلى إدراك العبرة من مولد الرسول عليه السلام لكن لا في نطاق حب الرسول المزعوم الذي يكتسي مظهرا مزريا يتجلى في تلك المهرجانات التي تقام عادة بهذه المناسبة بين ساحات المدن والقرى الغاصة بحلقات أهل الفساد والبدع والضلالات والتي لو بعث الرسول لتبرأ من إسلامهم المزعوم، ولا في نطاق الاحتفالات التي تقام في الأضرحة وبعض الزوايا فتتلى فيه القصص والمدائح النبوية بأصوات رخيمة عذبة يترنح لها عشاق الطرب والتي لا تعدو في الواقع حد المتعة والسلوى.
فهذه لايصح أن تكون تعبيرا عن حب الرسول إذ المسلم الذي لا يعيش الرسول في ضميره لا يغنيه أبدا أن يترنم بعدة قصائد في الأمداح النبوية أو يستمع إليها ليس ذاك هو إكنان حب الرسول الذي ينبغي أن ندرك مغزاه
…
ولكن حب الرسول هو أسمى من تلك القشور، وترك اللباب المهجور، فإن حب الرسول في الرجوع إلى اللباب: إلى كتاب الله واتباع سنته والعمل بروح شريعته، إلى سلوك المرء في تقويم نفسه وإصلاح شأنه في عباداته وعاداته إلى جمع كلمة المسلمين من أقصى الشرق إلى المحيط، وإلغاء الحواجز
(1) المتصوفة وبدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم (163 - 164).