المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ موقفه من المبتدعة: - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - جـ ١٠

[المغراوي]

فهرس الكتاب

- ‌‌‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌ موقفه من الصوفية:

- ‌ موقفه من الجهمية:

- ‌ موقفه من الخوارج:

- ‌ موقفه من المرجئة:

- ‌ موقفه من القدرية:

- ‌محمد الجزولي (1393 ه

- ‌ موقفه من الصوفية:

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من الخوارج:

- ‌ موقفه من المرجئة:

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌ موقفه من المشركين:

- ‌ موقفه من الرافضة:

- ‌صهيب بن محمد الزمزمي بن الصديق الغماري (بعد 1397 ه

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌محمد كنوني المذكوري (1398 ه

- ‌ موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌محمد أسلم الباكستاني (حوالي 1400 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌أحمد الخريصي (بعد 1403 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من بدعة قراءة القرآن على الأموات:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من أهل الكلام:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌محمد جميل غازي (1409 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌عبد الله كنون (1409 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌الخميني الرافضي الخبيث (1409 ه

- ‌2 - موقفه من السنة وكتبها ورواتها:

- ‌3 - موقفه من الصحب الأخيار:

- ‌موقفه من المبتدعة

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌محمد المكي الناصري (1414 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين

- ‌موقفه من الصوفية

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

- ‌محمود مهدي الإستانبولي (حوالي 1421 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌حمود بن عقلاء الشعيبي (1422 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌محمد صفوت نور الدين (1423 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌أحمد بن حجر آل بوطامي (1423 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الصوفية:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌عبد القادر الأرناؤوط (1425 ه

- ‌موقفه من المبتدعة:

- ‌موقفه من المشركين:

- ‌موقفه من الرافضة:

- ‌موقفه من الجهمية:

- ‌موقفه من الخوارج:

- ‌موقفه من المرجئة:

- ‌موقفه من القدرية:

الفصل: ‌ موقفه من المبتدعة:

الاضطراب عن آي الكتاب'.

توفي رحمه الله في مكة المكرمة ضحوة يوم الخميس في اليوم السابع عشر من شهر ذي الحجة من عام ثلاثة وتسعين وثلاثمائة وألف للهجرة، ودفن بها. ورثاه تلميذه الشيخ أحمد بن أحمد الجكني بقوله:

موت الإمام الحبر من جاكاني

رزء ألم بأمة العدناني

يا للمصيبة للبرية إنها

فقدت عظيم مناهل العرفان

شيخا أضاء من العقيدة نيرا

أرساه فوق دعائم البرهان

أعشى سناه كل جهم ملحد

نبذ الكتاب لمنطق اليونان

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

حاو لكل تراجم القرآن

•‌

‌ موقفه من المبتدعة:

هذا الرجل كان أعجوبة في حفظه واستحضاره، حضرناه ولقيناه واجتمعنا به غير ما مرة، وليس هذا هو الغريب فيه، بل قد يشترك معه في هذه الصفة كثير من الناس، ولكن قبوله للحق، واعتناقه له، والدفاع عنه بكل شجاعة وإخلاص، وهذا يندر وجوده في أبناء جنسه من أهل تلك البلاد. فالشيخ جزاه الله خيرا شرفه اللباس السلفي الذي ارتداه وزينه خير تزيين، وأصبحت كتبه تضيء بذلك النور وتفوح بذلك المسك. فهذا: 'أضواء البيان' الذي نفع الله به أهل المشرق والمغرب، ووجد القبول عند الجميع، قلما تمر فيه مناسبة للعقيدة السلفية، إلا وتجد الشيخ كأنه مطر نافع مغيث تستطيبه النفوس، وتتمنى المزيد منه والاستمرار، ويأتي على ذلك الغثاء ويلقيه في مكان سحيق، حتى لا يتأذى المسلمون بشره بعد بيان أن هذا

ص: 2

الضرر يجب إبعاده، ولا يجوز الاقتراب منه. وناهيك بالبحث العظيم الذي سطره في سورة الأعراف عند قوله تعالى:{إِن رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (1) وقد بينت في كتابي: 'المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات' (2) ما لهذا الكتاب من قيمة.

وسأقتصر هنا على ذكر بعض النماذج لدفاع الشيخ عن العقيدة السلفية، جاء في: 'أضواء البيان'.

قال:

تنبيه مهم: يجب على كل مسلم يخاف العرض على ربه يوم القيامة، أن يتأمل فيه ليرى لنفسه المخرج من هذه الورطة العظمى، والطامة الكبرى، التي عمت جل بلاد المسلمين من المعمورة؛ وهي ادعاء الاستغناء عن كتاب الله وسنة رسوله استغناء تاما في جميع الأحكام، من عبادات ومعاملات وحدود وغير ذلك، بالمذاهب المدونة، وبناء هذا على مقدمتين:

إحداهما: أن العمل بالكتاب والسنة لا يجوز إلا للمجتهدين.

والثانية: أن المجتهدين معدومون عدما كليا لا وجود لأحد منهم في الدنيا، وأنه بناء على هاتين المقدمتين، يمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله منعا باتا على جميع أهل الأرض، ويستغنى عنهما بالمذاهب المدونة.

(1) الأعراف الآية (54).

(2)

(2/ 701 - 705).

ص: 3

وزاد كثير منهم على هذا، منع تقليد غير المذاهب الأربعة وأن ذلك يلزم استمراره إلى آخر الزمان. فتأمل يا أخي رحمك الله! كيف يسوغ لمسلم أن يقول بمنع الاهتداء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعدم وجوب تعلمهما والعمل بهما، استغناء عنهما بكلام رجال غير معصومين، ولا خلاف في أنهم يخطئون؛ فإن كان قصدهم أن الكتاب والسنة لا حاجة إلى تعلمهما، وأنهما يغني غيرهما، فهذا بهتان عظيم ومنكر من القول وزور.

وإن كان قصدهم أن تعلمهما صعب لا يقدر عليه، فهو أيضا زعم باطل، لأن تعلم الكتاب والسنة أيسر من تعلم مسائل الآراء والاجتهاد المنتشرة، مع كونها في غاية التعقيد والكثرة، والله جل وعلا يقول في سورة القمر مرات متعددة:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)} ويقول تعالى في الدخان (1): {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)} ويقول في مريم (2): {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)} . فهو كتاب ميسر بتيسير الله لمن وفقه الله للعمل به. والله جل وعلا يقول: {بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (3) ويقول: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ

(1) الدخان الآية (58).

(2)

مريم الآية (97).

(3)

العنكبوت الآية (49).

ص: 4

يُؤْمِنُونَ (52)} (1).

فلا شك أن الذي يتباعد عن هداه يحاول التباعد عن هدى الله ورحمته.

ولا شك أن هذا القرآن العظيم هو النور الذي أنزله الله إلى أرضه ليستضاء به، فيعلم في ضوئه الحق من الباطل، والحسن من القبيح، والنافع من الضار، والرشد من الغي.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174)} (2). وقال تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)} (3). وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} (4) وقال تعالى: {فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي

(1) الأعراف الآية (52).

(2)

النساء الآية (174).

(3)

المائدة الآيتان (15و16).

(4)

الشورى الآية (52).

ص: 5

أَنْزَلْنَا} (1)، وقال تعالى:{فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)} (2).

فإذا علمت أيها المسلم أن هذا القرآن العظيم هو النور الذي أنزله الله ليستضاء به، ويُهتدَى بهداه في أرضه، فكيف ترضى لبصيرتك أن تعمى عن النور؟

فلا تكن خفاشي البصيرة، واحذر أن تكون ممن قيل فيهم:

خفافيش أعماها النهار بضوئه

ووافقها قطع من الليل مظلم

مثل النهار يزيد أبصار الورى

نورا ويُعمي أعين الخفاش

{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} (3). {* أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)} (4). ولا شك أن من عميت بصيرته عن النور تخبط في الظلام، ومن لم يجعل الله له نورا، فما له من نور.

وبهذا تعلم أيها المسلم المنصف، أنه يجب عليك الجد والاجتهاد في تعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالوسائل النافعة المنتجة، والعمل بكل ما علمك الله منهما علما صحيحا.

(1) التغابن الآية (8).

(2)

الأعراف الآية (157).

(3)

البقرة الآية (20).

(4)

الرعد الآية (19).

ص: 6

ولتعلم أن تعلم كتاب الله وسنة رسوله في هذا الزمان، أيسر منه بكثير في القرون الأولى، لسهولة معرفة جميع ما يتعلق بذلك، من ناسخ ومنسوخ، وعام وخاص، ومطلق ومقيد، ومجمل ومبين، وأحوال الرجال، من رواة الحديث، والتمييز بين الصحيح والضعيف، لأن الجميع ضبط وأتقن ودُوِّنَ، فالجميع سهل التناول اليوم.

فكل آية من كتاب الله قد علم ما جاء فيها من النبي صلى الله عليه وسلم ثم من الصحابة والتابعين وكبار المفسرين.

وجميع الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم حفظت ودونت، وعلمت أحوال متونها وأسانيدها وما يتطرق إليها من العلل والضعف.

فجميع الشروط التي اشترطوها في الاجتهاد يسهل تحصيلها جدا على كل من رزقه الله فهما وعلما.

والناسخ والمنسوخ، والخاص والعام، والمطلق والمقيد، ونحو ذلك تسهل معرفته اليوم على كل ناظر في الكتاب والسنة ممن رزقه الله فهما ووفقه لتعلم كتاب الله وسنة رسوله.

واعلم أيها المسلم المنصف، أن من أشنع الباطل وأعظم القول بغير الحق على الله وكتابه، وعلى النبي وسنته المطهرة، ما قاله الشيخ أحمد الصاوي في حاشيته على الجلالين في سورة الكهف وآل عمران، واغتر بقوله في ذلك خلق لا يحصى من المتسمين باسم طلبة العلم، لكونهم لا يميزون بين حق وباطل. فقد قال الصاوي أحمد المذكور في الكلام على قوله تعالى: {وَلَا

ص: 7

تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)} الآية (1). بعد أن ذكر الأقوال في انفصال الاستثناء عن المستثنى منه بزمان، ما نصه: وعامة المذاهب الأربعة على خلاف ذلك كله، فإن شرط حل الأيمان بالمشيئة أن تتصل وأن يقصد بها حل اليمين، ولا يضر الفصل بتنفس أو سعال أو عطاس، ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية. فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك للكفر، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر. اهـ منه بلفظه.

فانظر يا أخي رحمك الله، ما أشنع هذا الكلام وما أبطله، وما أجرأ قائله على الله وكتابه وعلى النبي صلى الله عليه وسلم وسنته وأصحابه، سبحانك هذا بهتان عظيم.

أما قوله بأنه لا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة، ولو كانت أقوالهم مخالفة للكتاب والسنة وأقوال الصحابة، فهو قول باطل بالكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع الأئمة الأربعة أنفسهم، كما سنرى إيضاحه إن شاء الله بما لا مزيد عليه في المسائل الآتية بعد هذه المسألة. فالذي ينصره هو الضال المضل.

وأما قوله: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، فهذا أيضا من أشنع الباطل وأعظمه، وقائله من أعظم الناس انتهاكا لحرمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. سبحانك هذا بهتان عظيم.

(1) الكهف الآية (23).

ص: 8

والتحقيق الذي لا شك فيه، وهو الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعامة علماء المسلمين، أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال من الأحوال بوجه من الوجوه حتى يقوم دليل صحيح شرعي صارف عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح.

والقول بأن العمل بظاهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، لا يصدر البتة عن عالم بكتاب الله وسنة رسوله، وإنما يصدر عمن لا علم له بالكتاب والسنة أصلا، لأنه لجهله بهما يعتقد ظاهرهما كفرا، والواقع في نفس الأمر أن ظاهرهما بعيد مما ظنه أشد من بعد الشمس من اللمس.

ومما يوضح لك ذلك أن آية الكهف هذه، التي ظن الصاوي أن ظاهرها حل الأيمان بالتعليق بالمشيئة المتأخر وزمنها عن اليمين وأن ذلك مخالف للمذاهب الأربعة: وبنى على ذلك أن العمل بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، كله باطل لا أساس له.

وظاهر الآية بعيد مما ظن بل الظن الذي ظنه والزعم الذي زعمه لا تشير الآية إليه أصلا، ولا تدل عليه لا بدلالة المطابقة، ولا التضمن ولا الالتزام. فضلا على أن تكون ظاهرة فيه.

وسبب نزولها يزيد ذلك إيضاحاً، لأن سبب نزول الآية أن الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين فقال لهم سأخبركم غداً، ولم يقل إن شاء الله فعاتبه ربه بعدم تفويض الأمر إليه، وعدم تعليقه بمشيئته جل وعلا، فتأخر عنه الوحي.

ص: 9

ثم علمه الله في الآية الأدب معه في قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (1).

ثم قال لنبيه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} يعني إن قلت سأفعل كذا غداً، ثم نسيت أن تقول إن شاء الله، ثم تذكرت بعد ذلك، فاذكر ربك، أي قل إن شاء الله، أي لتتدارك بذلك الأدب مع الله الذي فاتك عند وقته، بسبب النسيان، وتخرج من عهدة النهي في قوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} .

والتعليق بهذه المشيئة المتأخرة لأجل المعنى المذكور، الذي هو ظاهر الآية الصحيح لا يخالف مذهباً من المذاهب الأربعة ولا غيرهم، وهو التحقيق في مراد ابن عباس بما ينقل عنه من جواز تأخير الاستثناء كما أوضحه كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله.

وقد قدمنا إيضاحه في الكلام على آية الكهف هذه. فيا أتباع الصاوي المقلدين له تقليداً أعمى على جهالة عمياء، أين دل ظاهر آية الكهف هذه، على اليمين بالله، أو بالطلاق أو بالعتق أو بغير ذلك من الأيمان؟

هل النبي صلى الله عليه وسلم حلف لما قال للكفار: سأخبركم غداً؟

وهل قال الله: ولا تقولن لشيء إني حالف سأفعل ذلك غداً؟

ومن أين جئتم باليمين، حتى قلتم إن ظاهر القرآن، هو حل الأيمان

(1) الكهف الآيتان (23و24).

ص: 10

بالمشيئة المتأخرة عنها، وبنيتم على ذلك أن ظاهر الآية مخالف لمذاهب الأئمة الأربعة، وأن العمل بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر؟

ومما يزيد ما ذكرنا إيضاحاً ما قاله الصاوي أيضاً في سورة آل عمران في الكلام على قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (1) فإنه قال على كلام الجلال ما نصه: زيغ أي ميل عن الحق للباطل، قوله: بوقوعهم في الشبهات واللبس، أي كنصارى نجران، ومن حذا حذوهم ممن أخذ بظاهر القرآن، فإن العلماء ذكروا أن من أصول الكفر الأخذ بظواهر الكتاب والسنة. اهـ.

فانظر رحمك الله، ما أشنع هذا الكلام وما أبطله وما أجرأ قائله على انتهاك حرمات الله، وكتابه ونبيه وسنته صلى الله عليه وسلم، وما أدله على أن صاحبه لا يدري ما يتكلم به. فإنه جعل ما قاله نصارى نجران، هو ظاهر كتاب الله، ولذا جعل مثلهم من حذا حذوهم فأخذ بظاهر القرآن.

وذكر أن العلماء قالوا إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، مع أنه لا يدري وجه ادعاء نصارى نجران على ظاهر القرآن أنه كفر، مع أنه مسلم أن ادعاءهم على ظاهر القرآن أنه كفرهم ومن حذا حذوهم ادعاء صحيح، إلا أن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر.

وقد قال قبل هذا: قيل سبب نزولها أن وفد نجران قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ألست

(1) آل عمران الآية (7).

ص: 11

تقول: إن عيسى روح الله وكلمته؟ فقال: «نعم» ، فقالوا حسبنا، أي كفانا ذلك في كونه ابن الله. فنزلت الآية.

فاتضح أن الصاوي يعتقد أن ادعاء نصارى نجران أن ظاهر قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (1) هو أن عيسى ابن الله ادعاء صحيح، وبنى على ذلك أن العلماء قالوا إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر.

وهذا كله من أشنع الباطل وأعظمه، فالآية لا يفهم من ظاهرها البتة، بوجه من الوجوه، ولا بدلالة من الدلالات، أن عيسى ابن الله، وادعاء نصارى نجران ذلك كذب بحت.

فقول الصاوي كنصارى نجران، ومن حذا حذوهم ممن أخذ بظواهر القرآن صريح في أنه يعتقد أن ما ادعاه وفد نجران من كون عيسى ابن الله هو ظاهر القرآن اعتقاد باطل باطل باطل، حاشا القرآن العظيم من أن يكون هذا الكفر البواح ظاهره، بل هو لا يدل عليه البتة فضلا عن أن يكون ظاهره، وقوله:{وَرُوحٌ مِنْهُ} كقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (2) أي كل ذلك من عيسى ومن تسخير السموات والأرض مبدؤه ومنشؤه منه جل وعلا.

فلفظة "من" في الآيتين لابتداء الغاية، وذلك هو ظاهر القرآن وهو

(1) النساء الآية (171).

(2)

الجاثية الآية (13).

ص: 12

الحق، خلافاً لما زعمه الصاوي وحكاه عن نصارى نجران.

وقد اتضح بما ذكرنا أن الذين يقولون: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر لا يعلمون ما هي الظواهر وأنهم يعتقدون شيئاً ظاهر النص. والواقع أن النص لا يدل عليه بحال من الأحوال فضلا عن أن يكون ظاهره.

فبنوا باطلا على باطل، ولا شك أن الباطل لا يبنى عليه إلا الباطل.

ولو تصوروا معاني ظواهر الكتاب والسنة على حقيقتها، لمنعهم ذلك من أن يقولوا ما قالوا.

فتصور الصاوي، أن ظاهر آية الكهف المتقدمة، وهو حل الأيمان، بالتعليق بالمشيئة المتأخر زمنها عن اليمين، وبناؤه على ذلك مخالفة ظاهر الآية لمذاهب الأئمة الأربعة، وأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، مع أن الآية لا تشير أصلا إلى ما اعتقد أنه ظاهرها.

وكذلك اعتقاده أن ظاهر آية آل عمران المذكورة هو ما زعمه نصارى نجران، من أن عيسى ابن الله؛ فإنه كله باطل وليس شيء مما زعم ظاهر القرآن مطلقاً، كما لا يخفى على عاقل.

وقول الصاوي في كلامه المذكور في سورة آل عمران: إن العلماء قالوا: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر. قول باطل لا يشك في بطلانه من عنده أدنى معرفة.

ومن هم العلماء الذين قالوا إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر؟

ص: 13

سموهم لنا، وبينوا لنا من هم؟

والحق الذي لا يشك فيه أن هذا القول لا يقوله عالم، ولا متعلم، لأن ظواهر الكتاب والسنة هي نور الله الذي أنزله على رسوله ليستضاء به في أرضه وتقام به حدوده، وتنفذ به أوامره، وينصف به بين عباده في أرضه.

والنصوص القطعية التي لا احتمال فيها قليلة جداً لا يكاد يوجد منها إلا أمثلة قليلة جداً كقوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (1).

والغالب الذي هو الأكثر، هو كون نصوص الكتاب والسنة ظواهر.

وقد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجب حتى يرد دليل شرعي صارف عنه، إلى المحتمل المرجوح، وعلى هذا كل من تكلم في الأصول.

فتنفير الناس وإبعادها عن كتاب الله، وسنة رسوله، بدعوى أن الأخذ بظواهرهما من أصول الكفر، هو من أشنع الباطل وأعظمه كما ترى.

وأصول الكفر يجب على كل مسلم أن يحذر منها كل الحذر، ويتباعد منها كل التباعد، ويتجنب أسبابها كل الاجتناب، فيلزم على هذا القول المنكر الشنيع وجوب التباعد من الأخذ بظواهر الوحي.

وهذا كما ترى، وبما ذكرنا يتبين أن من أعظم أسباب الضلال، ادعاء أن ظواهر الكتاب والسنة دالة على معان قبيحة، ليست بلائقة.

(1) البقرة الآية (196).

ص: 14