الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
توفي رحمه الله في التاسع من ربيع الأول عام أربع عشرة وأربعمائة وألف للهجرة.
موقفه من المبتدعة:
- قال رحمه الله: قبح الله التقليد الأعمى الذي يؤدي بصاحبه إلى أن يقبل عقله تعارض الآي المحكمة أو السنة الصحيحة وقول مقلَّد، ثم يرجح أخيرا قولا معرضا للخطأ على قول المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، بدعوى أن الإمام ما خالف إلا لدليل قام عنده، فيدعون المحقق الموجود لمشكوك محتمل مفقود، وينسون أو يتناسون قول الله تعالى:{وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (1)، وقوله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2) الآية، وهكذا شأنهم في كل ما يجدونه في المذهب مخالفا للكتاب والسنة، مع أن الأئمة رضي الله عنهم تبرؤوا كلهم من هذا كما تقف على تصريحاتهم بذلك إن شاء الله.
وقد نقل الإمام أبو الحسن السندي الحنفي 1138هـ في حواشيه على سنن ابن ماجة قولة عبد الله بن عمر المشهورة: (أرأيت إن كان أبي نهى عنها -المتعة في الحج- وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمر أبي يتبع أم أمر رسول صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم). وقولة ابنه سالم في مسألة استعمال الطيب قبيل الإحرام وقبل الإفاضة: (سنة
(1) الحشر الآية (7).
(2)
الأحزاب الآية (21).
رسول الله أحق أن تتبع) فخالف رضي الله عنه رأي أبيه وجده لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال السندي رحمه الله ما نصه: وغالب أهل الزمان على خلافاتهم إذا جاءهم حديث يخالف قول إمامهم يقولون: لعل هذا الحديث، قد بلغ الإمام وخالفه بما هو أقوى عنده منه، وقد روى ابن عمر حديث:«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» (1) فقال له بعض ولده: نحن اليوم نمنعهن، فسبه سبا ما سمع مثله، وهجره إلى أن مات. انتهى كلام السندي
…
ومن الدواهي ما قام به بعض المتفقهة في السنين القريبة من إلقائه خطبة الجمعة ببعض زوايا تطوان مؤيدا جواز الصلاة بالزوايا ذات الأضرحة والقبور ولو جمعة؛ بالقرآن والسنة القولية والفعلية، ثم إجماع الصحابة رضي الله عنهم -هكذا قال-، وزعم أيضا -عفا الله عنا وعنه- أن الأحاديث الواردة بالنهي عن الصلاة على القبور ضعيفة، وعلى فرض صحتها وسلامتها فهي محمولة على خوف عبادة الموتى. إلى آخر ما أتى به من هراء وترهات، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)} (2).
وايم الله إن ضرر هذا الفريق من المسمين بالفقهاء والعلماء على المسلمين لعظيم، وللبلية بهم شديدة؛ لأن العامة يغترون بهم ويظنون أنهم على
(1) تقدم ضمن مواقف عبد الله بن عمر سنة (73هـ).
(2)
الكهف الآية (5).
حق فيما سكتوا عنه من البدع والعصيان، فيعتمدون على ذلك فيضلون، ويوم القيامة يحكم الله بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. (1)
- قال في ذم التقليد: ولو اتبعنا سنة رسول الله وهديه الذي أمرنا بالاقتداء به، ووصية إمامنا مالك رضي الله عنه ونصيحته الذهبية .. في قولته المشهورة:"إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي؛ فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه". وما قاله الإمام؛ مثله للأئمة الثلاثة. قال الشافعي رحمه الله: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت"، وقال أيضا:"أجمع المسلمون -أي علماؤهم- على أن من استبان له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد". ولذا قال هو وأبو حنيفة رضي الله عنه: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: "من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة" -أي هلك-.
فالأئمة -كما ترى- كلهم متفقون على وجوب التمسك بالسنة والرجوع إليها، وترك كل قول يخالفها مهما كان القائل عليما؛ فإن شأنه صلى الله عليه وسلم أعظم، وسبيله أقوم. فمخالفة الأئمة رضي الله عنهم في بعض آرائهم وأقوالهم لأجل آية محكمة أو سنة صحيحة لا تعد خروجا عن المذهب؛ بل اتباعا لهم وعملا بما نصحوا ووصوا به أتباعهم من لزوم الرجوع إليها، وبذلك يكونون قد خرجوا من عهدة اتباعهم وتقليدهم على الخطأ؛ فجزاهم
(1) 'إخراج الخبايا في تحريم البناء على القبور بالزوايا' نقلا عن كتاب حول شخصية المؤلف نشرها مصطفى شعشوع (ص.40 - 42).