الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اهتديتم» (1): وأما قول الشعراني في الميزان (1/ 28): "وهذا الحديث، وإن كان فيه مقال عند المحدثين، فهو صحيح عند أهل الكشف"، فباطل وهراء لا يلتفت إليه، ذلك لأن تصحيح الأحاديث من طريق الكشف بدعة صوفية مقيتة، والاعتماد عليها يؤدي إلى تصحيح أحاديث باطلة لا أصل لها، كهذا الحديث، لأن الكشف أحسن أحواله -إن صح- أن يكون كالرأي، وهو يخطىء ويصيب، وهذا إن لم يداخله الهوى، نسأل الله السلامة منه، ومن كل ما لا يرضيه. (2)
موقفه من الجهمية:
- قال رحمه الله في معرض كلامه على حديث: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» (3): فائدة: قوله في هذا الحديث: "في": هو بمعنى "على" كما في قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} (4)، فالحديث من الأدلة الكثيرة على أن الله تعالى فوق المخلوقات كلها، وفي ذلك ألف الحافظ الذهبي كتابه 'العلو للعلي العظيم'، وقد انتهيت من اختصاره قريبا، ووضعت له مقدمة ضافية، وخرجت أحاديثه وآثاره، ونزهته من الأخبار الواهية. وقد يسر الله طبعه،
(1) ابن عبد البر في الجامع (2/ 925) وابن حزم في الإحكام (6/ 82) عن جابر مرفوعا. قال ابن عبد البر: "هذا إسناد لا تقوم به حجة". وقال ابن حزم: "هذه رواية ساقطة". وانظر الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله (58).
(2)
الضعيفة (1/ 144 - 145/ 58).
(3)
أحمد (2/ 160) وأبو داود (5/ 231/4941) والترمذي (4/ 285/1924) وقال: "حسن صحيح". والحاكم (4/ 159) وصححه ووافقه الذهبي.
(4)
الأنعام الآية (11).
والحمد لله. (1)
- وقال رحمه الله: وهذا إنما يجري على قاعدة الخلف وعلماء الكلام في تأويل أحاديث الصفات، خلافا لطريقة السلف رضي الله عنهم، كما خالفوهم في تأويل أحاديث نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا بأن المعنى نزول رحمته. وهذا كله مخالف لما كان عليه السلف من تفسير النصوص على ظاهرها دون تأويل أو تشبيه كما قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)} (2)، فنزوله نزول حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين، وكذلك دنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته، ووقوفهم بعرفة تلبية لدعوته عز وجل. فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو، فكن على علم بذلك حتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم. وتجد تفصيل هذا الإجمال وتحقيق القول فيه في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبخاصة منها مجموعة الفتاوى. فراجع مثلا (ج5/ 464 - 478). وقد أورد الحديث على الصواب فيها (ص.373)، واستدل به على نزوله تعالى بذاته عشية عرفة، وبحديث جابر المشار إليه آنفا. (3)
- وقال رحمه الله: العجب غير الضحك، فهما صفتان لله عز وجل عند أهل السنة خلافا للأشاعرة، فإنهم لا يعتقدونهما، بل يتأولونهما بمعنى الرضا. (4)
(1) الصحيحة (2/ 596/925).
(2)
الشورى الآية (11).
(3)
الصحيحة (6/ 108/2551).
(4)
الصحيحة (6/ 738/2810) بتصرف.
- وقال رحمه الله تعليقا على حديث ضحك الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة (1): واعلم أن هذا الحديث -كغيره من أحاديث الصفات- يجب إمراره على ظاهره دون تعطيل، أو تشبيه، كما هو مذهب السلف، وليس مذهبهم التفويض كما يزعم الكوثري وأمثاله من المعطلة، كما شرحه ابن تيمية في رسالته 'التدمرية' وغيرها، والتفويض بزعمهم إمرار النصوص بدون فهم مع الإيمان بألفاظها، ولازم ذلك نسبة الجهل إلى السلف بأعز شيء لديهم وأقدسه عندهم وهو أسماء الله وصفاته.
ومن عرف هذا علم خطورة ما ينسبونه إليهم. والله المستعان. وراجع لهذا مقدمتي لكتابي 'مختصر العلو للذهبي'، يسر الله طبعه، ثم طبع والحمد لله. (2)
- وقال رحمه الله تعليقا على حديث البطاقة (3): وفي الحديث دليل على أن ميزان الأعمال له كفتان مشاهدتان، وأن الأعمال وإن كانت أعراضا فإنها توزن، والله على كل شيء قدير، وذلك من عقائد أهل السنة، والأحاديث في ذلك متضافرة إن لم تكن متواترة. (4)
- وقال رحمه الله: الميزان يوم القيامة حق ثابت وله كفتان، وهو من عقائد أهل السنة، خلافا للمعتزلة وأتباعهم في العصر الحاضر ممن لا يعتقد ما
(1) تقدم تخريجه من حديث جابر. انظر مواقف الحسين البغوي الإمام المفسر سنة (516هـ).
(2)
الصحيحة (2/ 385/756).
(3)
أحمد (2/ 213) والترمذي (5/ 25/2639) وقال: "حسن غريب". وابن ماجه (2/ 1437/4300) والحاكم (1/ 6) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(4)
الصحيحة (1/ 263/135).
ثبت من العقائد في الأحاديث الصحيحة، بزعم أنها أخبار آحاد لا تفيد اليقين، وقد بينت بطلان هذا الزعم في كتابي 'مع الأستاذ الطنطاوي' يسر الله إتمامه. (1)
- قال رحمه الله تحت حديث: «إن هذه الأمة تبتلى في قبورها» (2): من فوائد الحديث: إثبات عذاب القبر، والأحاديث في ذلك متواترة، فلا مجال للشك فيه بزعم أنها آحاد، ولو سلمنا أنها آحاد، فيجب الأخذ بها، لأن القرآن يشهد لها، قال تعالى:{وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)} (3).
ولو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها، فهي وحدها كافية لإثبات هذه العقيدة، والزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل في الإسلام، لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام -كالأربعة وغيرهم-، بل هو مما جاء به بعض علماء الكلام بدون برهان من الله ولا سلطان، وقد كتبنا فصلا خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا، أرجو أن أوفق لتبييضه ونشره على الناس (4).اهـ (5)
(1) الصحيحة (1/ 260/134).
(2)
أحمد (5/ 190) مختصرا ومسلم (4/ 2199 - 2200/ 2867) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه.
(3)
غافر الآيتان (45و46).
(4)
وقد يسر الله طبعه ونشره. تحت عنوان: 'الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام'.
(5)
الصحيحة (1/ 295 - 296/ 159).
- وقال رحمه الله: لقد وضح من كلام الجويني رحمه الله تعالى السبب الذي حمل الخلف -إلا من شاء الله- على مخالفة السلف في تفسير آية (الاستواء)، وهو أنهم فهموا منه -خطأ كما قلنا- استواء لا يليق إلا بالمخلوق، وهذا تشبيه، فنفوه بتأويلهم إياه بالاستيلاء.
ومن الغريب حقا أن الذي فروا منه بالتأويل، قد وقعوا به فيما هو أشر منه بكثير، ويمكن حصر ذلك بالأمور الآتية:
الأول: التعطيل، وهو إنكار صفة علو الله على خلقه علوا حقيقيا يليق به تعالى. وهو بين في كلام الإمام الجويني.
الثاني: نسبة الشريك لله في خلقه يضاده في أمره، فإن الاستيلاء لغة لا يكون إلا بعد المغالبة كما ستراه في ترجمة الإمام اللغوي ابن الأعرابي، فقد جاء فيها: أن رجلا قال أمامه مفسرا الاستواء معناه: استولى. فقال له الإمام: "اسكت، العرب لا تقول للرجل: استولى على الشيء، حتى يكون له فيه مضاد، فأيهما غلب قيل: استولى. والله تعالى لا مضاد له". وسنده عنه صحيح
…
واحتج به العلامة نفطويه النحوي في "الرد على الجهمية"
…
فنسأل المتأولة: من هو المضاد لله تعالى حتى تمكن الله تعالى من التغلب عليه والاستيلاء على ملكه منه؟
وهذا إلزام لا مخلص لهم منه إلا برفضهم لتأويلهم، ورجوعهم إلى تفسير السلف، ولما تنبه لهذا بعض متكلميهم جاء بباقعة أخرى، وذلك أنه تأول "الاستيلاء" الذي هو عندهم المراد من "الاستواء" بأنه استيلاء مجرد عن معنى المغالبة.
قلت: وهذا مع كونه مخالفا للغة كما سبق عن ابن الأعرابي، فإن أحسن ما يمكن أن يقال فيه: إنه تأويل للتأويل، وليت شعري ما الذي دخل بهم إلى هذه المآزق، أليس كان الأولى بهم أن يقولوا: استعلى استعلاء مجردا عن المشابهة. هذا لو كان الاستعلاء لغة يستلزم المشابهة، فكيف وهي غير لازمة؟ لأن الاستواء في القرآن فضلا عن اللغة قد جاء منسوبا إلى الله تعالى، كما في آيات الاستواء على العرش. وقد مضى بعضها كما جاء منسوبا إلى غيره سبحانه كما قال في سفينة نوح:{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} (1) وفي النبات: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} (2)، فاستواء السفينة غير استواء النبات. وكذلك استواء الإنسان على ظهر الدابة، واستواء الطير على رأس الإنسان واستواؤه على السطح، فكل هذا استواء، ولكن استواء كل شيء بحسبه، تشترك في اللفظ، وتختلف في الحقيقة، فاستواء الله تعالى هو استواء واستعلاء يليق به تعالى ليس كمثله شيء.
وأما الاستيلاء فلم يأت إطلاقه على الله تعالى مطلقا إلا على ألسنة المتكلمين، فتأمل ما صنع الكلام بأهله، لقد زين لهم أن يصفوا الله بشيء هو من طبيعة المخلوق واختصاصه، ولم يرضوا أن يصفوه بالاستعلاء الذي لا يماثله شيء وقد قال به السلف، فلا عجب بعد ذلك أن اجتمعوا على ذم الكلام وأهله. (3)
(1) هود الآية (44).
(2)
الفتح الآية (29).
(3)
مختصر العلو للعلي الغفار (30 - 31).