الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صالح بن علي بن غصون رحمه الله (1)(1419 هـ)
هو الشيخ صالح بن علي بن غصون من قبيلة آل حميدان، وهبة من أهل الرس بالقصيم. ولد عام إحدى وأربعين وثلاثمائة وألف للهجرة، وتوفي والده وله من العمر ثلاث عشرة عاماً، وبعد سنتين كف بصره. سافر إلى الرياض ولازم مجالس سماحة الشيخ محمد ابن إبراهيم، وكذلك أخذ عن فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم الفرائض.
عين قاضياً في سدير، وكانت له دروس علمية. انتقل بعد ذلك إلى محكمة شقراء وتوابعها، ثم انتقل إلى رئاسة محاكم الأحساء، ثم عمل في محكمة التمييز.
عين عضوا في هيئة كبار العلماء يوم تشكلها. وكان له صلة بأصحاب الفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ محمد بن مانع، والشيخ عبد الله ابن حميد رحمهم الله، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، وكان متعاوناً مع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سدير والوشم والأحساء أثناء عمله. وكان له مشاركة في برنامج نور على الدرب في الإذاعة القرآن الكريم.
توفي رحمه الله بعد موسم الحج سنة تسع عشرة وأربعمائة وألف للهجرة.
موقفه من الخوارج:
سئل رحمه الله: في السنتين الماضيتين نسمع بعض الدعاة يدندن حول مسألة وسائل الدعوة وإنكار المنكر ويدخلون فيها المظاهرات، والاغتيالات،
(1) كتاب قتل الغيلة للمترجم.
والمسيرات وربما أدخلها بعضهم في باب الجهاد الإسلامي. نرجوا بيان ما إذا كانت هذه الأمور من الوسائل الشرعية أم تدخل في نطاق البدع المذمومة والوسائل الممنوعة؟
ونرجوا توضيح المعاملة الشرعية لمن يدعو إلى هذه الأعمال، ومن يقول بها ويدعو إليها؟
فأجاب رحمه الله: الحمد لله: معروف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والإرشاد من أصل دين الله عز وجل، ولكن الله جل وعلا قال في محكم كتابه العزيز:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1) ولما أرسل عز وجل موسى وهارون إلى فرعون قال: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} (2) والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بالحكمة وأمر بأن يسلك الداعية الحكمة وأن يتحلى بالصبر، هذا في القرآن العزيز في سورة العصر:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} . فالداعي إلى الله عز وجل والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عليه أن يتحلى بالصبر وعليه أن يحتسب الأجر والثواب وعليه أيضاً أن يتحمل ما قد يسمع أو ما قد يناله في
(1) النحل الآية (125).
(2)
طه الآية (44).
سبيل دعوته، وأما أن الإنسان يسلك مسلك العنف أو أن يسلك مسلك والعياذ بالله أذى الناس أو مسلك التشويش أو مسلك الخلافات والنزاعات وتفريق الكلمة، فهذه أمور شيطانية وهي أصل دعوة الخوارج، هم الذين ينكرون المنكر بالسلاح وينكرون الأمور التي لا يرونها وتخالف معتقداتهم بالقتال وبسفك الدماء وبتكفير الناس وما إلى ذلك من أمور، ففرق بين دعوة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح وبين دعوة الخوارج ومن نهج منهجهم وجرى مجراهم، دعوة الصحابة بالحكمة وبالموعظة وببيان الحق وبالصبر وبالتحلي واحتساب الأجر والثواب، ودعوة الخوارج بقتال الناس وسفك دمائهم وتكفيرهم وتفريق الكلمة وتمزيق صفوف المسلمين، هذه أعمال خبيثة، وأعمال محدثة.
والأولى للذين يدعون إلى هذه الأمور يُجانبونَ ويُبعد عنهم ويساء بهم الظن، هؤلاء فرقوا كلمة المسلمين، الجماعة رحمة والفرقة نقمة وعذاب والعياذ بالله، ولو اجتمع أهل بلد واحد على الخير واجتمعوا على كلمة واحدة لكان لهم مكانة وكانت لهم هيبة.
لكن أهل البلد الآن أحزاب وشيع، تمزقوا واختلفوا ودخل عليهم الأعداء من أنفسهم ومن بعضهم على بعض، هذا مسلكٌ بدعي ومسلك خبيث ومسلك مثلما تقدم، أنه جاء عن طريق الذين شقوا العصا والذين قاتلوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة وأهل بيعة الرضوان، قاتلوه يريدون الإصلاح وهم رأس الفساد ورأس البدعة ورأس الشقاق فهم الذين فرقوا كلمة المسلمين وأضعفوا جانب
المسلمين، وهكذا أيضاً حتى الذي يقول بها ويتبناها ويحسنها فهذا سيئ المعتقد ويجب أن يبتعد عنه.
واعلم والعياذ بالله أن شخصاً ضاراً لأمته ولجلسائه ولمن هو من بينهم. والكلمة الحق أن يكون المسلم عامل بناء وداعيا للخير وملتمسا للخير تماماً ويقول الحق ويدعو بالتي هي أحسن وباللين.
ويحسن الظن بإخوانه ويعلم أن الكمال منالٌ صعب، وأن المعصوم هو النبي صلى الله عليه وسلم وأن لو ذهب هؤلاء لم يأتِ أحسن منهم، فلو ذهب هؤلاء الناس الموجودون سواء منهم الحكام أو المسؤولون أو طلبة العلم أو الشعب، لو ذهب هذا كله، شعب أي بلد. لجاء أسوأ منه فإنه لا يأتي عامٌ إلا والذي بعده شرٌ منه. فالذي يريد من الناس أن يصلوا إلى درجة الكمال أو أن يكونوا معصومين من الأخطاء والسيئات، هذا إنسان ضال، هؤلاء هم الخوارج. هؤلاء هم الذين فرقوا كلمة الناس وآذوهم، هذه مقاصد المناوئين لأهل السنة والجماعة بالبدع من الرافضة والخوارج والمعتزلة وسائر ألوان أهل الشر والبدع.
عبد العزيز بن باز (1)(1420 هـ)
الشيخ الفاضل عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز. ولد في الرياض في شهر ذي الحجة عام ثلاثين وثلاثمائة وألف من
(1) إتحاف النبلاء بسير العلماء (2/ 283 - 285) ومقدمة مجموع الفتاوى للشيخ ابن باز (1/ 9 - 12) وإمام العصر للدكتور الزهراني ومجلة التوحيد (العدد الخامس جمادى الأولى 1415هـ/ص.44 - 46).
الهجرة. فقد بصره بسبب مرض ألم به سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف للهجرة. أخذ عن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ومحمد بن إبراهيم وصالح بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن حسين آل الشيخ وسعد بن حمد بن علي بن محمد بن عتيق، وغيرهم. ولي القضاء فمكث فيه أربعة عشر عاما تقريبا، ثم مدرسا بالكليات والمعاهد العلمية، ثم نائبا لرئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ورئيسا لهيئة كبار العلماء، ومفتيا عاما للمملكة، وغيرها من الوظائف والمناصب الشامخة. كان رحمه الله علما من أعلام الدعوة السلفية، ومصباحا من مصابيح الهدى، تخرج على يده أجلة العلماء، وعرف بحدة الذكاء وسيلان الذهن وسرعة الإجابة، مع رحابة صدر وسماحة خاطر.
قلت: الشيخ الإمام البحر العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز. عرفته بالجامعة الإسلامية لما قدمت طالبا بالمعهد الثانوي، زرته في مكتبه غير ما مرة، وكان على عادته متواضعا يستقبل كل الفئات، الصغيرة والكبيرة، وهو فيما علمت ممن جمع بين العلم والعمل، وكأن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها كلهم من أبنائه ومن فلذات أكباده، يسأل عن كبيرهم واحدا واحدا ويدعو لعمومهم بالتوفيق والهداية، شخص لا يعرف الملل ولا تسمع من فيه الشكاوى، منهاجه الاحتساب في كل خطوات حياته، نحسبه كذلك والله حسيبه، أمواله التي تصل إلى يده كلها تنفق على طلبة العلم والمحتاجين من أهل الإسلام. ورغم ما يصل إلى يده من كثرة الأموال على يد المحسنين من الملوك وكبار الأغنياء، ومع ذلك تجد الشيخ رحمه الله يحتاج إلى من يدفع
له الديون لينفقها في حاجة المسلمين. ليله ونهاره؛ إما في الفتوى وإما في الدرس، وإما في المحاضرة والتوجيه، وإما في الدروس العلمية والقراءة في الكتب السلفية. فما رأيت للشيخ رحمه الله -مع كثرة الالتصاق به في الجامعة الإسلامية وبالرياض وهو يتولى رئاسة الإفتاء والبحوث العلمية- وقتا يستجم فيه ويستريح استراحة يخرج فيها عن دائرة العمل الذي يتقرب به إلى الله، رغم أن الملوك والكبار يأخذون فرصة استجمام يستريحون فيها من عناء الأشغال وأتعاب الدنيا، وأما الشيخ رحمه الله فكأنه يتتبع خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته كلها، لا تجد له لحظة من حياته إلا وهي مصحوبة بعمل يتقرب به إلى الله.
وفي الليلة التي توفي فيها رحمه الله، أصدر فيها فتاوى وشفاعات للمسلمين، فكان رحمه الله نموذجا عمليا وعلميا مع كل الأحوال، فهو ناصح لولاة الأمور، ومساعد لهم على تطبيق شرع الله في تلك البلاد، وهو ناصح للعلماء ومستشير لهم في كل القضايا الكبرى، فكم ترأس من مؤتمر للعلماء في الجامعة الإسلامية وفي جدة وفي الرياض وفي مكة، وكان هذا دأبه رحمه الله، يسير بالأمة الإسلامية نحو الأفضل، وما من مكرمة علمية أو دعوية أو فقهية أو جهادية إلا وتجد للشيخ عبد العزيز رحمه الله يدا بيضاء، وكم انتفع العالم الإسلامي وغير الإسلامي من سماحته رحمه الله. وإن القلم ليعجز عن الوفاء بأوصاف هذا الإمام، وقد جمع الله له رحمه الله من أوصاف الخير ما لم يجمعه لعالم معاصر له. فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، وجزى الله آل سعود الذين كانوا بجانبه في كل طلباته رحمه الله التي يخدم بها
الأمة الإسلامية.
وإن معرفتي بالشيخ في دروسه في البخاري في المسجد النبوي وفي حلقات الطائف وفي دروسه في المسجد الكبير بالرياض، وإني تشرفت بالتتلمذ عليه مدة طويلة، وأعتبر الشيخ من النوادر الذين يقل في العالم الإسلامي أمثالهم، والله تبارك وتعالى ذو الفضل الواسع يخص بفضله من يشاء وكيف يشاء. اللهم أسكنه فسيح الجنان واجعله في أعلى عليين، إنك سميع مجيب.
وقال فيه الشيخ عبد الرزاق عفيفي: يغلب على مؤلفاته وضوح المعنى وسهولة العبارة وحسن الاختيار مع قوة الحجة والاستدلال وغير ذلك مما يدل على النصح وصفاء النفس وسعة الأفق والاطلاع وحدة الذكاء وسيلان الذهن. وقال أيضا: نبغ في كثير من علوم الشريعة، وخاصة الحديث متنا وسندا، والتوحيد على طريق السلف، والفقه على مذهب الحنابلة حتى صار فيها من العلماء المبرزين.
وقال فيه الشيخ عطية محمد سالم: كان علامة في الحديث والفقه والتوحيد، وكان موسوعة في هذه العلوم ومبرزا فيها. وقال أيضا: لا أعتقد مهما تحدثنا عن الشيخ ابن باز أن نوفيه حقه في التعريف به، ولكن كان يرحمه الله علما عالميا، وطودا أشم، وجبلا يتميز بتوحيده وحلمه، وكان لا يتحزب ولا يتعصب في البحث وفي المسائل الخلافية، إنما يبحث بمقتضاه الخاص ويتكلم فيه برأيه.
توفي الشيخ رحمه الله قبل فجر يوم الخميس في اليوم السابع والعشرين