الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، وصلّى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فإنّه لا يخفى على أهل العلم وطلابه مكانة كتاب "الجامع" للإمام الحافظ أبي عيسى محمّد بْن عيسى بْن سورة التّرمذيّ -رحمه الله تعالى- الّذي هو أحد الكتب الستة الأمهات، والذي قد جعله بعض العلّماء "ثالث الأمهات الست"(1) تاليًا لصحيح مسلم مُقَدَّمًا على بقية السنن، وقد نقل أبو علي منصور بن عبد الله الخالدي عن الإمام الترمذي أنه قال:"صنف هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم"(2). اهـ.
* وقال الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي رحمه الله في شروط الأئمة الخمسة:
"سمعت الإمام أبا إسماعيل: عبد الله بن محمّد الأنصاري بهراة، وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه، فقال: كتابه عندي أنفع من كِتَابَي البخاريّ ومسلم؛ لأن كتَابَي البخاريّ ومسلم لا يقف على الفائدةُ منهما إِلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كلّ أحد من الناس"(3). اهـ.
* وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": "كتابه الصحيح أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأقلها تكرارًا، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب، ووجوه الاستدلال، وتَبِيْينِ أنواع
(1) كشف الظنون (1/ 559).
(2)
"جامع الأصول"(4/ 111)، و "تذكرة الحفاظ" ص (634)، و "تهذيب التهذيب"(9/ 389).
(3)
"شروط الأئمة الخمسة" ص (101) من مجموع رسائل بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله.
الحديث من الصحيح والحسن والغريب، وفيه جرحٌ وتعديلٌ، وفي آخره كتاب العلل، قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرُها على من وقف عليها". اهـ.
* قال الشّيخ إبراهيم الباجوري في شرحه على "الشمائل" للترمذي (ص 5):
"وناهيك بجامعه الصحيح الجامع للفوائد الحديثية والفقهية، والمذاهب السلفية والخلفية، فهو كافٍ للمجتهد، مُغْنٍ لِلْمُقَلِّد". اهـ.
وهذا الجامع العظيم يمتاز بميزاتٍ لا توجد في بقية الأمهات، فبالإضافة إلى ما ذكره ابن الأثير من ذكر الإمام التّرمذيّ لمذاهبِ فقهاءِ الأمصارِ وأقوالهم في المسائل الفقهية، وذكره لدلائلهم وما يذكره أيضًا من تصحيح وتحسينٍ وتضعيفٍ وتعليلٍ وجرحٍ وتعديلٍ، فإنّه يمتاز أيضًا بالإشارة إلى الأحاديث التي رُويت في الباب، فبعد أن يَرْوِيَ حديثَ البابِ بسنده يذكر أسماء الصحابة الذين رُويت عنهم أحاديثُ تُنَاسِبُ وتُلائِمُ ذلك الباب، مثالُ ذلك قوله رحمه الله في باب ما جاء في السِّواك -من أبواب الطهارة- بعد أن ذكر بسنده حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، "وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وعلي، وعائشة، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن خالد، وأنس، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وأم حبيبة، وأبي أمامة، وأبي أيوب، وتمام بن عباس، وعبد الله بن حنظلة، وأم سلمة، وواثلة بن الأسقع، وأبي موسى". اهـ.
فقد أشار الإمام الترمذي رحمه الله هنا إلى سبعة عشر حديثًا عن سبعة عشر صحابيًّا ومعرفة هذه الأحاديث المشار إليها والوقوف على أسانيدها ومتونها من أصعب الأمور، كما يعرف ذلك المشتغلون بهذا الفن الشريف.
* قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في مقدمة شرحه للترمذي:
"وهذا أصعب ما جاء في الكتاب على من يريد شرحه، وخاصة في هذه العصور، وقد عَدِمَت بلادُ الإسلام نبوغَ حفاظِ الحديث الذين كانوا مفاخَر العصورِ السَّالفةِ، فمن حاول استيفاء هذا وتخريج كلّ حديث أشار إليه الترمذي أعجزه، وفاته شيءٌ كثيرٌ، وقد حاول الشيخ المباركفوري رحمه الله ذلك في شرحه، فلم يمكنه تخريج كل الأحاديث، وقد فكرت في أن أتبعه فيما صنع، ثم وجدته سيكون عملًا ناقصًا، ووجدتُني سأنسب أحاديث إلى كتبٍ لم أرها فيها بنفسي، وسأكون فيها مقلدًا غيري، فأبيتُ". اهـ.
* في وقال معلقًا في الهامش: "رأيت في ترجمة الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى
سنة (852) أنه ألف كتابًا سماه: "الباب في شرح قول الترمذي وفي الباب"، ولم أره ولا أعلمه موجودًا في مكتبة من المكاتب، ولو وجد هذا الكتاب أغنى عن كثير من العناء، وأفاد أكبر الفائدةِ لِحْفظِ مؤلفه وسَعِة اطلاعه والثقةِ بنقله". انتهى.
* قُلْتُ: اسم كتاب ابن حجر: "العجاب في تخريج ما يقول فيه الترمذي وفي الباب" ولم يُتِمَّه كما ذكر تلميذه الحافظ السخاوي، حيث قال في كتابه "الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر" جـ 2 ص 666، في سياق سرد مؤلفات الحافظ ابن حجر:
"تخريج ما يقول فيه الترمذي وفي الباب، كتب من أوله قَدْرَ سِتَّةِ كراريس، لو كَمُلَ لجاء في مجلد ضخم، سماه: "العجاب في تخريج ما يقول فيه الترمذي وفي الباب"". انتهى كلام السخاوي.
لذلك كله ولمكانة جامع الترمذي، ومكانة مؤلفه، وأهمية موضوع ما يقول فيه الترمذي:"وفي الباب" وكثرة ذلك، قام أخونا العزيز، فضيلة الشيخ/ حسن بن محمد بن حيدر الوائلي، حفظه الله ورعاه، بهذا العمل الجليل:"تخريج ما يقول فيه الترمذي: "وفي الباب"".
والشيخ حسن يحفظ جامع الترمذي كاملًا بالأسانيد (وهذا مما يندر في هذا الزمان)، وله عناية خاصة بجامع الترمذي، فمنذ عرفته مما يقرب من ربع قرن من الزمان وهو لا يكاد يفارق جامع الترمذي، ومن ذلك الوقت وهو يجمع مادة هذا العمل، فكان عملًا عظيمًا، وخدمةً جليلةً لجامع الترمذي خصوصًا، وللحديث النبوي عمومًا.
وقد بذل فضيلة الشّيخ حسن جهدًا جبارًا في ذلك، فخرج كل ما قال فيه الترمذي:"وفي الباب" من مصادره الأصلّية الّتي تروي الحديث بسنده، وبيّن الطرق، وذكر وجوه الاختلاف في الأسانيد وعللها، ولم يفته من تخريج ما ذكره الترمذي إِلَّا أقل من عشرة أحاديث.
هذا، وإنه لا يعلم مقدار الجهد الذي بذله الشيخ حسن في هذا العمل إِلَّا من عرف هذا الفن، واشتغل به.
ولينظر القارئ الكريم مثالًا لذلك ما ذكرتُه أولًا مما قاله الترمذي، في باب، ما جاء في السواك، فقد خرج الشيخ حسن كُلَّ تلك الأحاديث التي أشار إليها الإمام الترمذي عن
أولئك السبعة عشر من الصحابة، وبين طرقها عن كل صحابي، وما وقع في بعضها من الاختلاف، والعلل، وقد وقع مجموع الأحاديث في الكتاب كله حوالي أربعة آلاف حديث.
أسأل الله تعالى أن يجزي أخانا الشيخ حسنًا خير الجزاء على ما قدم، وأن ينفع بعمله هذا الإسلام والمسلمين، وأن يزيدنا وإياه علمًا وتوفيقًا، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه، وأن يتوفانا وهو راضٍ عنا، إنّه ولي ذلك والقادر عليه، آمين اللَّهُمَّ آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
كتبه الفقير إلى عفو الله وغفرانه
عبد الله بن محمد الحاشدي
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الإيمان،
ومركز الدعوة العلمي بصنعاء
بتاريخ العاشر من شهر ذي القعدة عام 1425 هـ