الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: باب (32) ما جاء في الوضوء مرة مرة
قال: وفى الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبى رافع وابن الفاكه
105 -
أما حديث عمر:
فرواه ابن ماجه 1/ 143 وأحمد في المسند 1/ 23 وعبد بن حميد ص 33 والبزار 1/ 415 و 416 وأبو عبيد في الطهور ص 185 والطحاوى في شرح المعانى 1/ 29 والدارقطني في العلل 2/ 144:
من طريق رشدين بن سعد وابن لهيعة عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، وفيه علتان: ضعف رشدين ومن تابعه وهو ابن لهيعة، والثانية: المخالفة الكائنة من الضحاك فقد خالفه من هو أوثق منه حيث جعلوا الحديث من مسند ابن عباس وهم الثورى ومعمر وداود بن قيس وغيرهم وهذه أصح طرق الخبر ورواه عن زيد بن أسلم أيضًا عبد الله بن سنان مخالفًا لجميع من تقدم حيث جعله من مسند ابن عمر كما في ضعفاء العقيلى 2/ 263 وابن على في الكامل 4/ 247 واتفق كل من الدارقطني وأبى حاتم وابن على والعقيلى والبزار على كون الحديث من غير مسند ابن عباس غلط قال الدارقطني: بعد ذكره روايتى الضحاك وعبد الله بن سنان المتقدمتى الذكر ما نصه: "وكلاهما وهم، والصواب عن زيد بن أصلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس كذا رواه الحفاظ عن زيد بن أسلم". اهـ. وقال أبو حاتم بعد أن ذكر الحديث من طريق الضحاك ما نصه: "هذا خطأ إنما زيد عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم". اهـ. وقال البزار: "وهذا الحديث خطأ أحسب أن خطأه أتى من قبل الضحاك بن شرحبيل فرواه عنه رشدين بن سعد وعبد الله بن لهيعة عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر". اهـ. وقال العقيلى بعد سياقه للحديث من طريق عبد الله بن سنان وجعله إياه من مسند ابن عمر
ما نصه: "وقال ابن لهيعة عن الضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر ورواه سفيان الثورى ومعمر وداود بن قيس الفراء وعبد العزيز بن الدراوردى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية أولى". اهـ. وقال ابن على بعد سياقه للحديث من طريق عبد الله بن سنان في ترجمته ما نصه: "ولم يقل عن زيد بن أسلم عن ابن عمر غير عبد الله بن سنان وقد روى هذا عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن عباس وروى عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر". اهـ.
106 -
وأما حديث جابر:
فرواه المصنف في الجامع 1/ 56 وفى علله الكبير ص 36 وابن ماجه 1/ 142 وابن أبى شيبة في المصنف 1/ 19 وابن على في الكامل 1/ 93 و 195 والطبراني في الأوسط 6/ 329 والدارقطني في السنن 1/ 81:
من طريق الحارث بن عمران الجعفرى ووكيع وشريك قال الحارث: عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وقال وكيع وشريك: عن ثابت بن أبى صفية قال: قلت لأبى جعفر: حدثك جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة قال: نعم وهذا السياق للحارث ووكيع وأما سياق شريك ففيه لفظ المرة والثنتين والثلاث قال الترمذي بعد سياقه لرواية شريك ووكيع ما نصه: "وهذا أصح من حديث شريك لأنه قد روى من غير وجه هذا عن ثابت نحو رواية وكيع". اهـ. فرجح الترمذي رواية وكيع واحتج على ذلك بموافقة غيره كأنه يشير بذلك إلى رواية الحارث التى خرجها الطبراني وابن على وهذا الترجيح لا يلزم منه صحة الحديث من مسند جابر إنما ذلك الترجيح راجع إلى المقارنة المتنية المساقة من قبل الرواة ومما لا شك فيه أن وكيعًا في الجملة أقوى من شريك بغض النظر عمن تابعه في السياق المتنى مع أن شيخ وكيع وشريك واحد هو ثابت بن أبى صفية المشهور بكنيته أبو حمزة الثمالى ضعيف جدًّا وأما متابعة جعفر بن محمد له فلا يصح السند إليه قال الطبراني في الأوسط:"لم يرو هذا الحديث عن جعفر إلا الحارث بن عمران". اهـ. وقال ابن عدى: "وهذا الحديث لا أعلم رواه عن جعفر غير الحارث هذا وللحارث عن جعفر بهذا الإسناد غير حديث لا يتابع عليه الثقات". اهـ. ثم ساق له عدة روايات وقال في نهاية ذلك: "والضعف بيّن على رواياته". اهـ. وفى التقريب حكى أن ابن حبان رماه بالوضع وعلى أىَّ الحديث ضعيف.
107 -
وأما حديث بريدة:
فرواه الرويانى في المسند 1/ 65 وابن على في الكامل 6/ 232 وتمام في فوائده كما في ترتيبه 2/ 128 والبيهقي في السنن 1/ 271:
من طريق محمد بن يوسف الفريابى وعلى بن قادم كلاهما عن الثورى عن علقمة بن
مرثد عن ابن بريدة وهو سليمان عن أبيه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومسح على الخفين وصلى الصلوات كلها بوضوء واحد فقال له عمر: صنعت شيئًا ما كنت تصنعه فقال: عمدًا فعلته يا عمر" والسياق للبيهقي من طريق ابن قادم والحديث في الصحيح وغيره بهذا السياق ماعدا لفظة "الوضوء مرة مرة" كذا حكم الترمذي على أن هذه اللفظة زادها ابن قادم حيث قال في الجامع بعد أن ساقه من طريق ابن مهدى بدون الزيادة المتقدمة ما نصه: "وروى هذا الحديث على بن قادم عن الثورى وزاد فيه: توضأ مرة مرة". اهـ. الجامع 1/ 89 وقال محقق مسند الرويانى على رواية ابن قادم ما نصه: "قلت: والحديث منكر بهذا الإسناد فإن على بن قادم ضعيف. وفيه خالفه محمد بن يوسف الفريابى في إسناده على قوله توضأ مرة مرة فرواه عن سفيان بهذا اللفظ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما" إلى آخر قوله ويؤاخذ في نفيه المطلق من كون الفريابى لم يرو هذه اللفظة عن الثورى بغض النظر عن ثبوتها كما يأتي وهذا أشد من كلام الترمذي وكأن الاستدراك كائن عليهما وإن كانت هذه اللفظة اشتهر بها ابن قادم قال ابن على بعد سياقه لها من طريق الفريابى ما نصه: "وهذا يعرف بعلى بن قادم عن الثورى بهذا الإسناد وقد رواه الفريابى والفريابى له عن الثورى إفرادات وله حديث كثير عن الثورى وقد قدم الفريابى في سفيان الثورى على جماعة مثل عبد الرزاق ونظرائه وقالوا: الفريابى أعلم بالثورى منهم ورحل إليه أحمد بن حنبل فلما قرب من قيسارية نعى إليه فعدل إلى حمص وكانت رحلته إليه قاصدًا وأما الذى رواه عن ابن عيينة الذى رماه ابن معين به "نبات الشعر في الأنف" فينما هو حديث من قول مجاهد وهذا الذى رواه عن مجاهد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم والفريابي فيما تبين هو صدوق لا بأس به". اهـ. فقوله: والفريابى له عن الثورى إفرادات وله حديث كثير عن الثورى يفهم من كلامه هذا صحة رواية الفريابى لهذه اللفظة عن الثورى ومتابعته لابن قادم وعدم تفرد ابن قادم لها إلا أنه لا يوافق على كونه المقدم في الثورى على أصحابه المشهورين مثل القطان وابن مهدى ووكيع وابن المبارك بل قد نقم عليه إفرادات وضعف في الثورى من أجلها وما احتج به من رحلة الإمام أحمد إليه لا يدل ذلك على كونه المقدم في الثورى بل ربما كان ذلك كان أحمد قبل سبر مرواياته عنه إذ في العلل له 1/ 36 ما نصه: "ما كنت أرى الفريابى على كثرة خطئه تعلم، أن الأخذ كان عند سفيان شديدًا". اهـ. يعنى بذلك أن المشهور عن أهل
الكوفة التأخر في الطلب وعدم تحديث الصغار وفى 2/ 100 و 101 قول ابنه ما نصه: (سمعت أبى سئل عن هذه الأحاديث من كتاب ابن زنجويه عن الفريابى مما أخطأ فيها الفريابى) إلخ ثم ساق له أخطاء وقعت له عن سفيان نحو صفحتين وفى شرح علل المصنف لابن رجب ما نصه: "وقال العجلي: قال بعض البغداديين: أخطاء الفريابى في خمسين ومائة حديث من حديث سفيان". اهـ. وفيه أيضًا وقال ابن معين: "أبو داود الحفرى والفريابى وقبيصة وأبو حذيفة حديثهم بعضه قريب من بعض في الضعف". اهـ. فانفراد من تقدم عن الثورى من بين جميع أصحابه بهذه الزيادة مع ما قيل في الفريابى علمًا بأن المشهور بها من قاله ابن على وهو ضعيف مما يوجب التثبت في ثبوتها من مسند بريدة والله الموفق.
108 -
وأما حديث أبى رافع:
فرواه البزار كما في زوائده 1/ 143 والرويانى في مسنده 1/ 478 و 479 والبخاري في التاريخ 5/ 138 والطبراني في الكبير 1/ 317 والأوسط 1/ 278 والطحاوى في شرح المعانى 1/ 30 وأحكام القرآن 1/ 75 والدارقطني في السنن 1/ 81 والعلل 7/ 10 و 11 وأبو عبيد في الطهور ص 180 و 181:
من طريق الدراوردى عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبى عمرو عن عبد الله بن عبيد الله بن أبى رافع عن أبى رافع قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ فغسل يديه ووجهه ثلاثًا ويديه ثلاثًا ومسح برأسه وغسل رجليه ورأيته غسل مرة مرة" والسياق للرويانى ونقل المصنف في علله الكبير عن البخاري قوله: "قال محمد: وحديث أبى رافع في هذا الباب فيه اضطراب". اهـ. وانظر ص 37 وقد أبان رحمة الله تغشاه ذلك في تاريخه ونسب هذا إلى الدراوردى حيث قال: "وقال عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبى عمرو عن عبد الله بن عبيد الله عن أبيه عن جده في الوضوء ثلاثًا وقال مرة عبيد الله عن أبيه ومرة ابن أبى رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال مرة عبيد الله ويعقوب بن خالد عن أبى رافع". اهـ. إلا أن الدارقطني زاد في العلل وجهًا سادسًا على هذه الوجوه هو الدراوردى عن محمد بن عمارة ويعقوب بن المسيب عن أبى رافع. اهـ.
وقد خالف البخاري حيث نسب هذا الخلاف إلى الرواة عن الدراوردى فذكر أن من
قال: بالوجه الأول عن الدراوردى سعيد بن سليمان وسليمان الشاذكونى ونعيم بن حماد وذكر أن أبا همام رواه كذلك إلا أنه أسقط عمرو بن أبى عمرو من الأسناد وذكر أن من قال: عن يعقوب بن خالد عن أبى رافع وهو الوجه الأخير عند البخاري هو سعيد بن منصور وضرار بن صرد وخلف بن هشام وذكر أن من قال: بالوجه الذى لم يذكره البخاري سعدويه إلا أن الدارقطني فاته بعض الوجوه التى ذكرها البخاري فلم يذكر الوجه الثانى الذى فيه إسقاط عبد الله في العلل وهو على شرطه علما بانه ذكر هذا الوجه في السنن من طريق الدراوردى كما أنه لم يستوعب عامة المرويات الكائنة من الرواة عن الدراوردى فالوجه الذى حكاه عن خلف بن هشام قد روى عنه أنه يرويه عن الدراوردى على وجه آخر وهذا الوجه في الواقع ينبغى أن يكون وجهًا سابعًا لم يذكره لا البخاري ولا الدارقطني هو عن عمرو بن أبى عمرو عن عبد الله بن عبيد الله بن أبى رافع عن أبى رافع وهذه الطريق ورد ذكرها في الطهور لأبى عبيد إلا أن هذا الوجه فيه نظر وذكرها في الطهور لأبى عبيد غلط عائد ذلك إلى مخرج الكتاب حيث ذكر أنه وقع سقط في كتاب الطهور في الأصل المخطوط وأنه استدرك ذلك السقط من الأوسط للطبراني والطبراني لم يخرج رواية خلف بل خرج رواية سعيد بن سليمان فخلط المخرج بين رواية سعيد وخلف وأنت تعلم أنهما اختلفا في السياق الإسنادى فما كان حقه أن يقع فيما وقع فيه لكن ذلك راجع إلى عدم الفحص في اختلاف الأسانيد كما أن ثم خطأ آخر لمخرجى الأوسط إخراج دار الحرمين حيث إن الطبراني في الأوسط خرجه من طريق سعيد بن سليمان ووقع في الأصل من النسخة التى اعتمدوا عليها وكذا النسخة التى اعتمد عليها الطحان في إخراجه للكتاب أيضًا ما نصه: "حديثًا عمر بن أبى عمر عن عبد الله بن أبى رافع عن أبى رافع". اهـ.
أما الطحان فغمض عينيه وأما الآخرون فليتهم تبعوه فكان أقل الأحوال أن يقال أعور بين عميان ولكنهم جعلوا الخطأ صوابًا والصواب خطأ وبيانه أنهم نقلوا عن الهيثمى في المجمع أنه عزا الحديث إلى هنا وفيه عن عبد الله بن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه عن أبى رافع وعقبوا ذلك بقولهم: "وهو خطأ" واعتمدوا على وجه الخطأ بما يلى:
بإخراج الطبراني الحديث في الكبير وفيه إسقاط عبد الله وكذا الدارقطني في السنن.
والأمر الثانى: ما وقع عندهم من النسخة للأوسط وكلا ذلك مردود فإن الطبراني
خرجه في الكبير من غير طريق سعيد بن سليمان عن الدراوردى فكيف سووا بين ما تقدم من وقوع الاختلاف الكائن من الرواة كما تقدم عن الدارقطني وكذا الدارقطني رواه من غير طريقه.
الثالث: أن ما اعتمدوا فيه على هذه النسخة للأوسط غلط محض، يؤكد ذلك ما ذكروه من نسخة الهيثمى، والمعلوم أنه لا يعلم أن سعيد بن سليمان لم يرو عنه إلا الوجه الذى حكاه الدارقطني في العلل وقد خرجه كذلك من طريقه الطحاوى على الوجه الذى حكاه الدارقطني في شرح المعانى إلا أنهم أصابوا في تصحيحهم لما ورد في النسخة عمر بن أبى عمر فجعلوه بالواو فقط وما ذكره الدارقطني من رواية نعيم بن حماد موافقًا لسعيد والشاذكونى من السياق السابق ذكر روايته أبو عبيد في الطهور إلا أن فيها تغاير كما في علل الدارقطني إذ لم تعين رواية نعيم شيخ عمرو بن أبى عمرو إذ فيها ما نصه:"نعيم بن حماد عن عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبى عمرو عن رجل قال: قال عبد العزيز: نسيت اسمه عن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه". اهـ.
إلا أن يقال وذلك كذلك إن عمرًا حين يرويه عن عبيد الله ويجعل بينه وبين عمروٍ واسطة ليس الواسطة إلا من ذكره الدارقطني من البيان إذا بأن لك الخلاف السابق فأعلم أنهم اختلفوا في توجيهه إلى من يوجه واختلفوا أيضًا في أيها تقدم فذهب البخاري إلى أن هذا الخلاف كائن من راوٍ واحد هو الدراوردى وبذلك يصح ما قاله من وجدان الاضطراب فيه وأما أبو زرعة والدارقطني فوجها الخلاف إلى الرواة عنه فلذلك رجحا بعض الطرق على بعض إلا أنهما اختلفا في تقديم بعضها على بعض فقال الدارقطني: ما نصه أشبههما بالصواب حديث عمرو بن أبى عمرو عن عبد الله بن عبيد الله هو عبادل عن أبيه عن جده. اهـ.
فرجح رواية سعيد بن سليمان ومن تابعه وأبى ذلك أبو زرعة بل حكم على رواية سعيد بالخطأ ففي العلل 1/ 65 تصويب رواية أبى الوليد الطيالسى عن الدراوردى وفيها إسقاط عبد الله بين عمرو وعبيد الله وأسلم الأقوال ما قاله البخاري علمًا بأن في حفظ الدراوردى شيئًا فلذا وقع له في هذا الحديث من الخلاف ما تقدم.
تنبيهات:
الأول:
وقع في مسند الرويانى ما نصه: (نا العباس نا عثمان بن محمد نا يعقوب بن عبد الله المخزومى عن عبيد الله بن أبى رافع عن أبيه عن جده) فذكر الحديث وهذا ينبغى أن يكون سندًا آخر للحديث إلا أن الظاهر أنه غلط وقع فيه علمًا بأن الأئمة السابقين قد حكوا أن مداره على الدراوردى وكما قال: ذلك أيضًا الطبراني في الأوسط تفرد به الدراوردى.
الثانى:
ما وقع في الأوسط للطبراني من الغلط تحقيق الطحان إذ فيه "عمر بن أبى عمر" صوابه بالواو.
الثالث:
قول صاحب التعليق المغنى على حديث أبى رافع "إسناده صحيح" غير صحيح لما تقدم.
109 -
وأما حديث ابن الفاكه:
فذكر ابن حزم في رسالته المسماة بـ "أسماء الصحابة والرواة" أنه من أصحاب الوحدان ممن ليس له إلا حديث واحد إلا أنه وقع في الرسالة المذكورة بلفظ الف اكه والظاهر منه أنه سقط منه كلمة "ابن" فقد ذكره الذهبى كما هو المألوف هنا في تجريده لأسماء الصحابة وذكر في الإصابة 2/ 410 أن أسمه عبد الرحمن وجوز كونه ابن أبى قراد إلا أنه ذكر أن له أكثر من حديث بعد أن نقل عن البغوى أن ليس له إلا ما وقع هنا من الأفراد ثم رأيت أن ما جوز الحافظ تبع في ذلك البخاري فقد صرح به في تاريخه إذ ذكر ما تقدم وكونه ابن الفاكه وكونه قَيسيًّا إلا أن هذا الوجه فيه نظر يأتى الكلام عليه مع ذكره لحديثه المذكور هنا وعلى هذا كان حق الخطيب أن يذكره في موضح أوهام الجمع والتفريق إذ هو على شرطه فقد ذكر من هو أشهر من هذا.
وحديثه رواه أحمد 3/ 443 و 4/ 224 و 237 ورواه أبو عبيد في كتاب الطهور ص 181 وابن الجعد في المسند ص 459 والبخاري في التاريخ 5/ 244 وابن على في الكامل 5/ 376 والبغوى في معجمه 4/ 450:
كلهم من طريق على بن الفضل عن أبى جعفر عن عمارة بن خزيمة عن ابن الفاكه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة" وهذا سياق على بن الفضل قال ابن على: "ولا أعلم رواه عن أبى جعفر غير على بن الفضل". اهـ. وهذا الجزم من ابن على يوافق عليه إن قلنا أن ابن الفاكه هو غير ابن أبى قراد أما إن قلنا إنهما واحد كما تقدم عن البخاري فلا يوافق على ذلك فقد روى الحديث عن أبى جعفر شعبة والقطان ورواية شعبة عند البخاري في التاريخ وكذا رواية القطان وهى أيضًا من طريق القطان عند النسائي وابن ماجه إلا أنهما خرجا الحديث مختصرًا مقتصرين على حكم دخول الخلاء وقد تقدم ذكر المصنف له في قوله وفى الباب في باب رقم 16 وتقدم تخريجه وتحسين الحافظ له وقد وقع بين رواية القطان وشعبة اختلاف إسنادى في موضعين حيث قال القطان عن أبى جعفر حدثنى عمارة بن خزيمة عن عبد الرحمن بن أبى قراد وقال شعبة عن أبى جعفر عن عمارة بن عثمان بن حنيف قال: حدثنى القيسى. اهـ.
ورواية القيسى فقط عند النسائي 1/ 67 وابن المنذر في الأوسط 1/ 374 وهذان الموضعان مؤثران في الواقع إذ عمارة بن خزيمة غير عمارة بن عثمان فهما اثنان والمشهور في الرواية عن ابن الفاكه أو ابن أبى قراد هو ابن خزيمة لا ابن عثمان كما قال: شعبة.
والموضع الثانى:
الاختلاف في راوى المتن، إن قلنا: إن ابن أبى قراد ليس قَيْسيًّا وهذا حسب ما وجدته في ترجمته من الإصابة وأنه أنصارى سلمى لكن هذا الاختلاف قد أزاح إشكاله أبو زرعة الرازى حيث قدم رواية القطان على شعبة كما ذكر ذلك الحافظ في التهذيب 12/ 330 وانظر العلل لابن أبى حاتم 1/ 57 ومما لا يشك فيه أن شعبة كان يقدم القطان على نفسه وقد اختلف شعبة مع جلساء له في حديث فرضوا في الحكم إليه فحكم بالخطأ عليه فسلم له في قصة معلومة لذا قال: ومن يطيق نقدك يا أحول وهو المقدم في شيوخه إذا بأن ذلك وأن الحديث واحد ما يتعلق بالباب وما يتعلق بالخلاء فإنه بهذا يظهر أن ابن أبى قراد هو ابن الفاكه وإذا تقرر هذا فما قاله ابن على من تفرد على بن الفضل عن أبى جعفر في حديثه غير سديد والله أعلم.