الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة التاسعة
في أن لفظ الشارع إذا دار بين أن يفيد معنى، وبين أن يفيد معنيين، فهل هو مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما، أم هو ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين
.
اختلفوا فيه:
فذهب الأكثرون: إلى أنه ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين.
وذهب الأقلون: منهم الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى إلى أنه مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما.
والنزاع إنما هو في "ما لم" يظهر أنه حقيقة في المعنيين، أو في المعنى الواحد بل يحتملهما، فمن لم يجعله مجملا يجعله حقيقة في المعنيين مجازا في المعنى الواحد.
واللفظ الدائر بين الحقيقة والمجاز ليس بمجمل، بالنسبة إلى كل واحد منهما، بل هو ظاهر بالنسبة إلى الحقيقة، ومن جعله مجملا لا يجعله حقيقة في أحدهما عينا، بل يحتمل عنده احتمال سواء أن يكون حقيقة في المعنى الواحد مجازا في المعنيين، وبالعكس، وأن يكون حقيقة فيهما ولا ترجح بسبب إفادة المعنيين.
احتج الأكثرون بوجوه:
أحدها: أن حمله على المعنيين أكثر فائدة من حمله على معنى واحد وكان أولى قياسا على الحمل على التأسيس، فإن/ (291/ ب) اللفظ إذا دار بين أن يفيد فائدة التأسيس، وبين أن يفيد التأكيد كان الحمل على التأسيس أولى، وقياسا على الحمل على التباين، فإن اللفظ إذا دار بين أن يفيد معنى لفظ آخر، وبين أن يفيد معنى غير مدلول عليه للفظ آخر، كان الحمل على الثاني أولى، والجامع زيادة الفائدة، ثم هذا ليس من القياس المتنازع فيه في اللغات على ما عرفت ذلك في اللغات حتى يدفع بأنه غير جائز.
وثانيها: أن المقصود من الكلام إنما هو الإعلام والإفادة، وكل ما فيه الفائدة
أكثر كان أقرب إلى المقصود بالوضع، وكان الحمل على ما هو أكثر فائدة أولى لقربه من المقصود.
وثالثها: المفيد للمعنى الواحد، كالمهل بالنسبة إلى المفيد للمعنيين، لعدم إفادته معنى يفيده الثاني، والمفيد راجح على المهمل والمشابه للراجح راجح على المشابه للمرجوح فالمفيد للمعنيين راجح، فكان الحمل عليه أولى.
احتجوا: بأن المفيد للمعنيين راجح من وجه، وهو أنه أكثر إفادة والمفيد للمعنى الواحد راجح من وجه آخر وهو أن المفيد للمعنى الواحد أغلب في ألفاظ الشارع وغيره، والغلبة توجب الرجحان فيتعارضان فيتحقق الإجمال.
وجوابه: أن الحمل على إفادة المعنيين أولى لما فيه من رفع الإجمال الذي هو خلاف الأصل، وهذا المقصود وإن كان حاصلا في الحمل على المعنى الواحد، لكنه خلاف الإجماع، إذ القائل: قائلان، قائل يقول بالحمل على المعنيين، وقائل يقول بالإجماع لتردده، بين أن يكون محمولا على إفادة المعنى الواحد، وبين أن يكون محمولا على إفادة المعنيين، فإما أن يتعين الحمل على معنى واحد فقول لم يقل به أحد.