الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثامن
الكلام في النص والظاهر والتأويل
وهو مرتب على مقدمة ومسائل:
أما
المقدمة: ففي تفسير هذه الألفاظ الثلاثة
.
واعلم أنا وإن كنا قد ذكرنا معاني هذه الألفاظ الثلاثة في اللغات فإنما نذكرها هاهنا مرة أخرى لمزيد فوائد لم نذكرها ثمة، ولما جرت عادة الأصوليين بذكرها في هذا المقام.
أما النص فهو في اللغة: عبارة عن الظهور، يقال: نصت الظبية رأسها إذا رفعت.
وأما في الاصطلاح / (312/أ) فيطلق على معان ثلاثة:
أحدها: أنه يطلق على ما لا يحتمل من الألفاظ غير معنى واحد.
وهذا هو الأشهر وهو الذي ذكرناه في اللغات.
وحده على هذا قيل: إنه اللفظ الذي يفيد معنى ولا يحتمل غيره أصلا ولو على بعد كألفاظ العدد.
"فاللفظ" وقع احترازا عن الفعل، ودليل العقل، فإن كان كل واحد منهما لا يسمى نصا، ولو فرض القطع بدلالتهما بحيث لا يحتمل غير ما دل عليه.
فإن قلت: إنه غير جامع، لأن مفهوم الموافقة نص فيما يفيده وليس هو بلفظ.
قلت: إن من يقول: إنما سميتموه بمفهوم الموافقة فإن دلالته لفظية فقط سقط عنه هذا السؤال.
ومن لم يقل بذلك بل يقول: إن دلالته بحسب المفهوم من الفحوى فيحتمل أن يمنع منه، ويحتمل أن يسلم.
وهو الذي دل عليه كلام إمام الحرمين، لكنه يقول: إنه وإن كان ليس بلفظ، لكنه مستفاد من فحوى اللفظ، فهو إذا آيل إلى اللفظ.
وهذا بخلاف الفعل، فإنه وإن كان لا يدل على ما يدل عليه بواسطة اللفظ، لكنه غير مستفاد من اللفظ ولا من مدلوله بطريق الالتزام، بل هو مستقل في نفسه لا تعلق له باللفظ، وإنما يحتاج إلى اللفظ ليدل على كونه حجة، لا أنه في وجوده محتاج إليه كالمفهوم، فلا يلزم من كون الفحوى نصا، أن يكون الفعل نصاً أيضاً.
واعلم أن في هذا الجواب شيئا لا يخفى عليك: فالأولى أن "يغير العبارة" على تقدير أن يكون مفهوم الموافقة نصا. ونذكر عبارة تتناول اللفظ والفحوى نحو أن يقال: كل خطاب واحد- وما يستفاد منه- يفيد معنى لا يحتمل غيره أصلا لا على قرب ولا على بعد.
وقد خرج بقيد "الواحد" المجمل مع المبين فإنهما وإن أفادا معنى ولا يحتملا غيره، لكنهما ليسا بخطاب واحد، فلهذا لا يسمى نصا.
وثانيها: أنه يطلق على ما يفيد من الألفاظ معنى، مع أنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا. وحده على هذا حد الظاهر، وسنذكره وكثيرا ما يطلق الشافعي رضي الله عنه النص ويريد به هذا المعنى.
وثالثها: أنه يطلق على ما يفيد من الألفاظ معنى، مع أنه لا يحتمل غيره احتمالا يعضده دليل، وذلك، إما بأن لا يحتمل غيره أصلا، أو وإن احتمل لكنه ليس يعضده دليل.
وحده على هذا لا يخفى عليك.
والمعنى الثاني أعم "من" المعنى الثالث" من وجه وهو أعم من الأول وبين الثاني وبين الأول مباينة.
وأما الظاهر: في اللغة فهو عبارة عن الواضح المنكشف، يقال: ظهر الأمر إذا اتضح وانكشف / (312/ب).
وأما في الاصطلاح: فيطلق على معنيين:
أحدهما: أنه يطلق على ما يفيد من الألفاظ معنى مع أنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا.
وهذا "هو" الذي ذكرناه في اللغات وهو المشهور.
وحده على هذا: أنه اللفظ الذي يفيد معنى مع أنه يفيد غير إفادة مرجوحة.
فقولنا" يفيد معنى، كالجنس يتناول الحقائق الثلاثة منفردة كانت أو مشتركة، والمجاز راجحا كان أو مرجوحا.
وقولنا: إفادة مرجوحة، يخرج عنه الحقائق المشتركة والمجازات الغير الراجحة، وتبقى الحقائق المنفردة والمجازات الراجحة مندرجة تحت التعريف
إذ اللفظ ظاهر بالنسبة إلى المجاز الراجح دون الحقيقة المرجوحة.
وبهذا يعرف أن ما قيل في تعريفه: وهو أن اللفظ الظاهر: ما دل على معنى بالوضع الأصلي أو العرفي مع أنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا. غير جامع، لأنه يخرج عنه المجاز الراجح، لأنه لا يدل على ما يدل عليه بأحد الوضعين المذكورين.
وكذلك تخرج عنه الحقيقة الشرعية فإن الظاهر من قوله: أو العرفي إنما هو العرف العام أو الخاص دون عرف الشرع حتى يقال: أنه مندرج تحت قوله: أو العرفي.
وثانيهما: أنه يطلق على ما يفيد من الألفاظ معنى سواء أفاد معه غيره إفادة مرجوحة أو لم يفده.
فهذا أعم من كل ما تقدم من معنى النص والظاهر.
وحده على هذا: أنه اللفظ الذي يفيد معنى سواء أفاد معه معنى آخر إفادة مرجوحة أو لم يفده.
وأما التأويل: فهو في اللغة: عبارة عن الترجيع يقال: فلام يؤول الرؤيا أي يرده إلى ما ترجع إليه، ويقال: آل إليه الأمر أي رجع، وسيؤول إليك الأمر "أي" سيرجع ومنه قوله تعالى:} ابتغاء تأويله {أي] ما [يؤول إليه.
وأما في الاصطلاح: فقد قال الشيخ الغزالي: وذكره الإمام أيضا: أنه عبارة عن احتمال يعضده دليل، يصير به أغلب على الظن، من المعنى الذي دل عليه الظاهر.
وهذا لو صح: فإنه جعله عبارة عن نفس احتمال يعضده دليل وليس كذلك، فإنما هو تعريف للتأويل الصحيح الظني دون مطلق التأويل المتناول للصحيح والفاسد والظني والقطعي، لأنه اعتبر فيه الاعتضاد بدليل يصير به أغلب على الظن، والتأويل الفاسد ليس فيه الاعتضاد بدليل، والقطعي ليس فيه غلبة الظن بل القطع والجزم "به"، فالأولى أن يذكر على وجه يتناول
الكل ويندفع عنه التجوز الذي فيه.
فتقول: التأويل: عبارة عن صرف اللفظ عما دل عليه / (313/أ) بظاهره إلى ما يحتمله.
فقولنا: صرف اللفظ، خير من قوله: إنه عبارة عن احتمال، إذ التأويل ليس نفس الاحتمال، بل هو لازمه. وخير أيضا من قول من قال: إنه عبارة عن حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر منه مع] احتماله له. لأن الحمل على غير مدلوله الظاهر [مع احتمال اللفظ له قد يكون ولا تأويل، وذلك عندما يحمل عليهما، ثم لا يظن أن هذا القدح إنما ينقدح أن لو جوز استعمال اللفظ في معنيين مختلفين، أما إذا لم يجوز فلا، لأن القدح على
التقديرين منقدح، وهذا لأن التأويل لو كان عبارة عن حمل اللفظ على غير مدلوله الظاهر، فحيث يكون الحمل صحيحا كان التأويل صحيحا، وحيث يكون فاسدا يكون التأويل فاسدا، فجواز ذلك إنما "لو" يؤثر في صحة التأويل لا في تحقق ماهيته، فكان ينبغي أن يكون التأويل فاسدا إذ ذاك "إذ" الحد لمطلق التأويل المتناول للصحيح والفاسد باعتراف قائله.
وقولنا: بظاهره، وقع احترازا عن المشترك فإنه وإن صرف عن أحد مدلوليه إلى الآخر، فإنه لا يسمى تأويلا لما أنه ليس بظاهر فيه.
وقولنا: إلى ما يحتمله احترازا عما إذا صرف إلى ما لا يحتمله، نحو أن يصرف النص إلى غير مدلوله، أو الظاهر إلى ما لا يحتمله، فإن صرفه إليه لا يسمى تأويلا لما أنه غير محتمل.
فإن أردت حد التأويل الصحيح فزده في أخره.
وقولنا: لدليل يعضده. ومما سبق يعرف أن المجمل والنص لا يتطرق إليهما التأويل، ثم اعلم أنه ليس كل احتمال يعضده دليل فهو تأويل صحيح مقبول، بل ذلك يختلف باختلاف ظهور المؤول، فإن كان دلالة المؤول على المؤول إليه مع الدليل الخارجي تزيد على دلالته على ما هو ظاهر فيه قبل وإلا فلا. وقد جرت عادة الأصوليين تذكر ضروبا من التأويلات في هذا المقام ليتميز