الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: نقل الشيخ الغزالي- رحمه الله تعالى- عن بعض الأصوليين أنه غير قادح فيه، لأن الحديث يستقل حجة فلا يترك بمجرد الاحتمال، بل لا يسقط الاستدلال به ما لم ينقل وقوع نكاح ابن غيلان قبل حصر عدد النساء.
وضعفه: بأن الحديث ليس بحجة على الاستقلال، ما لم يثبت وقوع نكاح ابن غيلان بعد حصر عدد النساء، فإن على تقدير أن يكون واقعا قبل حصر عدد النساء لا يكون حجة، وإذا احتمل واحتمل، وليس أحدهما أولى من الآخر، لا تقوم الحجة به إذ الحجة لا تقوم بمجرد الاحتمال. وهو حق.
المسألة الثانية
تمسك الشافعي- رضي الله عنه في أن نكاح المرأة نفسها باطل
بقوله عليه السلام": أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل". إلى أن قال ذلك ثلاثا على ما هو المشهور في الرواية.
ووجه التمسك به هو أن البطلان مصرح به مؤكد بالتكرار والتعميم ظاهر جدا، فإنه أتى أولا: بصيغة "أي" في معرض الشرط والجزاء، وهي من أعم ألفاظ العموم في الشرط والجزاء، وألفاظ الشرط والجزاء أقوى دلالة على التعميم من غيرها، ولذلك قد اعترف بعمومها جماعة ممن توقف في غيرها من ألفاظ العموم، ثم إنه أكده ثانيا، بما المزيدة المؤكدة للعموم، ثم إنه رتب الحكم عليه ثالثا: في معرض الجزاء بفاء الجزاء المشعرة بالتعليل المقتضى لثبوت المعلول، إنما تثبت العلة هذا مع ما أنه ذكره ابتداء تمهيدا لقاعدة لا في معرض السؤال عن شيء حتى يظن تخصيصه به، وإذا ثبت التعميم والبطلان حصل المقصود.
وقد أوله الخصم بتأويلات ثلاثة أيضا.
أحدها: قال: المراد من المرأة الصغيرة، وضعفه بما سبق من قرائن
العموم، وبما أنه لا يطلق عليها المرأة، وبأن نكاحها نفسها بغير إذن وليها ليس باطلا عندكم، بل هو موقوف على إجازة الولي فإن جاز صح، وقد قال: في الحديث فنكاحها باطل / (315/ب) وأكده ثلاثا.
فإن قلت: إطلاق البطلان على نكاحها، إنما هو على وجه التجوز، لأنه يؤول إلى البطلان بسبب اعتراض الولي، وعدم إجازته غالبا لقصور نظرهن في حفظ مصالح النكاح.
قلت: لا نسلم تسويغ ذلك، وهذا لأن التعبير عن الشيء باسم ما يؤول إليه، إنما يسوغ إذا كان ما يؤول إليه كائن لا محالة، كقوله تعالى:} إنك ميت {، وكتسمية العصير بالخمر، فإنه لو ترك فإنه يؤول إليه لا محالة، وأما ما ليس كذلك فلا نسلم تسويغه. ولئن سلم جواز إطلاقه بناء على الغالب، لكن لا نسلم إفضاءه إلى البطلان غالبا لا بد لهذا من دليل.
سلمنا: ذلك لكنه خلاف الأصل، لا يجوز المصير إليه بدون قرينة تعارض العموم وما معه من القرائن التي ذكرناها وهي مفقودة، والأصل عدمها
والقياس بتقدير سلامته عن المعارض لو عارض فإنه لا يعارض إلا عموم اللفظ، فأما ما معه من القرائن القوية فلا.
وثانيها: قال المراد من المرأة الأمة. وضعفه بما سبق من القرائن المعممة، وبأن نكاحها موقوف، وبأنه قال عليه السلام في الحديث:"فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها" فإن مهر الأمة ليس لها بل لسيدها.
وثالثها: قال المراد من المرأة المكاتبة. وهو أيضا ضعيف، بل أضعف، لأن المكاتبة بالنسبة إلى عموم النساء نادرة جدا، فإطلاق المرأة وما معها من القرائن المعممة وإرادة المكاتبة منها دخول في باب الألغاز والتلبيس، وهو غير جائز في فصيح الكلام، فكيف في كلام الشارع؟ والتأويل المقبول هو: الذي يساغ من ذي الجد أن يريد بذلك لا ما يعد هزلا ولغزا.
وقياس التخصيص على الاستثناء، لو سلم الحكم في الاستثناء، وجواز القياس في اللغة غير مفيد لما بينهما من الفرق.
وأيضا فأن بتقدير صحة الاستثناء ينتفي التلبيس لأن ما هو المراد في