الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحيح عن الفاسد حتى يقاس عليها غيرها ويتدرب فيه المبتدئ ويتمرن الناظر فيه ويتثقف فلنذكر نحن] فيه [أيضا ضروبا منها اقتداء بهم وكيلا يخلو كتابنا عن هذه الفائدة هذا تمام الكلام في المقدمة.
وأما
المسائل
ففي ذكر التأويلات.
المسألة الأولى
ذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة، فإن له أن يختار أربعا منهن سواء عقد عليهن معا، او على التفريق سواء اختار الأوائل منهن أو الأواخر
، وكذلك لو أسلم على أختين فإن له أن يختار إحداهما، كيف كان العقد، أولاهما "كانت" أو أخراهما.
وقال أبو حنيفة- رضي الله عنه: إن وقع العقد على التفريق واختار الأوائل منهن صح وإلا فلا.
احتج الشافعي رضي / (313/ب) الله عنه في ذلك، بما روى عنه عليه السلام أنه قال لابن غيلان وقد أسلم على عشر نسوة: "أمسك أربعاً وفارق
سائرهن" وبما روي عنه عليه السلام أنه قال: لفيروز الديلمي وقد أسلم على أختين "أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى" ووجه الاحتجاج به من وجهين:
أحدهما: وهو ما ذكرناه من أن ترك الاستفصال في حكاية الحال ينزل منزلة العموم من المقال.
وثانيهما: أن ظاهر قوله: أمسك أربعا، يقتضي جواز أمسك أي أربع:
كان فتخصيص جواز إمساك الأربع الأول دون غيرهم خلاف الظاهر.
وأما الحديث الثاني: فتزيد دلالته من حيث إنه فوض الإمساك إلى مشيئة الزوج وهو صريح في إثبات التخيير وهو مناقض للتعيين.
وأما الخصم فقد أوله بتأويلات ثلاثة:
أحدها: أن المراد بالإمساك النكاح فمعنى قوله: "أمسك أربعا وفارق سائرهن" أي انكح أربعا منهن ولا تنكح سائرهن.
وثانيها: لعل النكاح وقع على التفريق فأمر بإمساك الأولى منهن.
وثالثها: أنه وإن كان وقع العقد عليهن معا، لكن لعله قبل حصر عدد النساء وقبل تحريك الجمع بين الأختين، وحينئذ يكون العقد على وفق الشرع لا على خلافه.
واعلم أن هذه التأويلات ضعيفة.
أما الأول: فهو أن إطلاق الإمساك وإرادة ابتداء النكاح منه، وإن كان خلاف الظاهر إذ الظاهر منه استدامة النكاح لا التجديد لكنه ليس ببدع من الإطلاق والاستعمال أيضا، لو قيل بأن المجاز لم يتوقف على السماع البينة، لأنه من باب إطلاق اسم المسبب وإرادة السبب وهو مجاز مشهور لكنه
قد حصل من القرائن ما يضعف إرادته منه. ويعضد إرادة ظاهر الإمساك منه، وهي من وجوه:
أحدها: أنه فوض الإمساك والفراق إلى الزوج، ولو كان المراد منهما الإنكاح وعدمه لما كان كذلك، إذ الإنكاح متوقف على رضا الزوجة والفراق بحاصل بنفس الإسلام عندهم.
وثانيها: أنا نعلم أن السائل والحاضرين من الصحابة لم يفهموا منه إلا ظاهره، وهو الاستدامة] و [لو كان المراد منه الابتداء لما أخلاه عن القرينة إذ هو وقت الحاجة والإحالة إلى القياس غير جائز إذ السائل ليس أهلا لذلك، لحداثة عهده بالإسلام.
وثالثها: أنه لو كان المراد منه ابتداء النكاح لذكر له شرائط النكاح وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، والاعتماد على معرفته بالبيان السابق غير جائز لما سبق.
ورابعها: أن الظاهر من حال السائل امتثال / (314/أ) أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإمساك. ولم ينقل أحد من الرواة أنه جدد النكاح، ولو كان ذلك لنقل، ولا يعارض بأنه لم ينقل استدامة النكاح ولا الفراق، ولو كان ذلك لنقل، لأن ذلك على وفق الاستصحاب وليس على خلافه، بخلاف تجديد النكاح فإنه خلاف الاستصحاب وخلاف ظاهر الإمساك المأمور به، فكانت الدواعي
تتوفر على نقله.
وخامسها: انه إنما سأل عن الإمساك والفراق بمعنى استدامة النكاح وانقطاعه، لا بمعنى تجديد النكاح وعدمه، فلو حمل الإمساك في الجواب على ما ذكروه لزم أن يكون الجواب غير مطابق للسؤال وهو خلاف الأصل.
وسادسها: أن قوله: "أمسك" و"فارق" أمر هو يقتضي الوجوب أو الندب، أو القدر المشترك بينهما ظاهرا، والتزوج من العشر، أو من الأختين ليس بواجب ولا ندب والمفارقة بمعنى عدم الإنكاح ليس بفعل حتى يكون مأمورا بها فلا يكون كل واحد منهما مأمورا به.
ولقائل أن يقول: هذا معارض بمثله فإن الإمساك بمعنى الاستدامة والاستصحاب ليس بواجب ولا ندب أيضا.
ولا يدفع هذا بمنع عدم وجوبه وندبيته بناء على أن أصل النكاح قد يكون واجبا وقد يكون نديا، فاستدامته في تلك الحال بعينها أوجب وأندب لما فيه من استجلاب القلوب وتأليفها للإسلام وعدم التنفير عنه وكف الإيذاء، لأنه لا يلزم من وجوب أصل النكاح أو ندبيته في حالة وجوب الاستدامة أو ندبيتها في تلك الحالة، لاحتمال أن يسرحها ويتزوج بأخرى، والواجب ليس إلا للامتناع عن الوقوع في الزنا وهو يحصل بأخرى، ولأن وجوب الاستدامة أو ندبيتها يقتضي وجوب استدامة نكاح امرأة بعينها وهي غير واجبة بحال.
وسابعها: أن الزوج ربما أراد أن لا ينكحهن بسبب ما نحو ميله عنهن، فكيف خص فيهن التزويج، بل كان ينبغي أن يقول عليه السلام أنكح أربعاً
ممن شئت من نساء العالم.
وأما التأويل الثاني: فهو أيضا ضعيف.
أما أولا: فلأن قوله لزوج الأختين: "امسك أيتهما شئت وفارق الأخرى" ينفي ذلك بصراحته.
واما ثانيا: فلما روى أنه قال لواحد وقد أسلم على خمس نسوة: "اختر أربعا منهن وفارق واحدة منهن" قال الزوج: (فعمدت إلى أقدمهن عندي ففارقتها) لو كان المراد منه الأول لما فعل الزوج ما فعل ولما قدم عليه، إذ الظاهر بلوغ هذا الخبر إلى الرسول والصحابة.
وأما الثالث: فهو أيضا ضعيف، لأن الظاهر "أن" حصر / (314/ب) عدد النساء وتحريم الجمع بين الأختين كان ثابتا أيضا في ابتداء الإسلام، وإلا
لما أطبق الجميع على عدم الزيادة على الأربع، وعلى عدم الجمع بين الأختين عادة لا سيما أنهم هم الناكحون، ويدل على الإطباق أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه فعل ذلك، وبتقدير أن لم ينقل ذلك لوجب أن ينقل مفارقته عند نزول الحصر، كما نقل التحول إلى الكعبة في الصلاة عند نزوله آية التوجه إليها، وكما نقل كسر جرار الخمر عند تحريمها،
وغيرهما من الأحكام، فإن الظاهر استمرار النكاح إلى وقت نزول آية الحصر.
وقوله تعالى:} وأن تجعلوا بين الأختين إلا ما قد سلف {لا يدل على جوازه في ابتداء الإسلام، لاحتمال أن يكون المراد منه قبل الإسلام زمان الجاهلية، ثم هذا الاحتمال مؤكد بما روى عن أئمة التفسير أنهم قالوا: أن المراد من قوله تعالى:} إلا ما قد سلف {زمان الجاهلية قبل بعثه عليه السلام.
فإن قلت: فقوله تعالى في آخر الآية:} إن الله كان غفورا رحيما {يدل على أنه كان في صدر الإسلام جائز وإلا فذكر المغفرة عقيب فعل
المعصية إغراء بالمعصية.
قلت: لا نسلم أنه يدل عليه وذكر المغفرة عقيب فعل المعصية إنما يكون إغراء بالمعصية أن لو كان مطلقا، فأما إذا كان مقرونا بأمر ممتنع حصوله في المستقبل كما فيما نحن فيه فلا.
ولئن سلم دلالته على ما ذكروه من هذا الوجه، لكنه يدل على ثبوت التحريم من وجه آخر، وهو أنه لو كان جائزا لما احتيج إلى قوله:} وكان الله غفورا رحيما {لأنه معلوم من القاعدة، والأصل حمله على فائدة جديدة. ولو سلم أنه قبل حصر عدد النساء لكن لا شك في أن إسلامهم بعد الحصر، وإلا لما أمر بإمساك الأربع ومفارقة الباقيات. وعند هذا نقول: إن اعتبرتم في صحة أنكحة الكفار حصول الشرائط وعدم مقارنة المنافي له في ابتداء عقده فقط، وجب أن لا يحكموا بصحة أنكحتهم إذا زوجوا بلا شهود أو في العدة، وحينئذ يجب أن لا يقروا عليها بعد الإسلام.
وإن اعتبرتم حصولها في ابتداء العقد وفي حالة الإسلام معا، أو في حالة الإسلام فقط، وجب أن لا يجوز لهم اختيار الأربع بعد الإسلام
الواقع بعد حصر عدد النساء إذا تزوجوا أكثر من الأربع معا، ولو فرض التزوج قبل عدد النساء كما "لو" تزوجوا بعد حصر النساء على تقدير اشتراط تجرد ابتداء عقدة النكاح عنه فإن المنافي مقارن له في الصورتين في وقت يعتبر تجرده عنه سلمنا بسلامته عن هذه المناقضة، لكن / (315/أ) مقتضى ما ذكروه بطلان نكاح الكل بعد ورود الحصر في عدد النساء لا جواز اختيار الأربع، فإنه إذا طرأ ما ينافي عقد النكاح اندفع النكاح من أصله، كما لو تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأة فإنه يثبت بينهما الأخوة إذ ذاك ويندفع النكاح من أصله وفاقا.
ولو قيل: بأن القياس يقتضي ذلك لكنه ثبت جواز الاختيار إذ ذاك رخصة وترغيبا في] الإسلام. فلنقل مثله فيما إذا كان التزويج بعد ثبوت حصر عدد النساء، فإن المحذور [ليس إلا مخالفة القياس، وهي لازمة على التقديرين.
فإن قلت: فلو صح رفع الحجر على الزيادة على الأربع في ابتداء الإسلام. هل كان هذا قادحا في التمسك بالحديث مطلقاً؟.