الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الخامسة
[في جواز التدرج في البيان]
القائلون بجواز تاخير البيان إلى وقت الحاجة، اختلفوا في جواز التدريج في البيان.
فذهب المعظم منهم إلى جوازه، لأن الأدلة التي تدل على جواز تأخير كل بيان إلى وقت الحاجة، تدل على جواز تأخير بعضه إليه قطعا، فعدم الجواز لو ثبت فإنما ثبت لدليل آخر يدل على انتفائه، وذلك قول بالتعارض وإنه خلاف الأصل، فالقول بعدم جواز تأخير البعض المستلزم لذلك أيضا خلاف الأصل، ولأنه إذا جاز تأخير كل البيان مع أن الجهالة فيه أكثر، فلأن "يجوز" تأخير بعضه مع أن الجهالة فيه أقل بطريق الأولى، وما يذكرونه من المانع سنجيب عنه، والأصل عدم مانع آخر، ولأنه وقع ذلك وهو دليل الجواز وزيادة، روى أنه لما نزل قوله تعالى:} ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا {سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطاعة فقال: "الزاد والراحلة"، ولم يتعرض في هذا الحديث لأمن الطريق والسلامة عن طلب
......................................................................................
الخفارة، بل علم اعتبارهما بدليل آخر.
وكذلك بيان أكثر العمومات، إنما وقع على التدريج بحسب وقوع الوقائع على ما تشهد روايات الأحاديث الدالة على الأحكام، نحو قوله عليه السلام:"خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه] أو ريحه [" فإنه ورد لما سئل عن ماء بئر بضاعة.
وقوله: "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا" ورد وقتا آخر، وكل واحد منهما يصلح أن يكون بيانا لقوله تعالى:} وأنزلنا من السماء ماء طهورا {وقوله: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة" وقوله: "القاتل لا يرث" وقوله: "لا توارث بين ملتين مختلفتين" وقوله: "الرقيق لا يرث" ما ورد كل هذا معا، بل على التدريج مع أن الكل بيان في وجوب قطع السرقة، ما ورد معا.
وكذلك ما يدل على خروج أهل الذمة والصبيان والنسوان من عموم قوله تعالى:} وقاتلوا المشركين {ما ورد معا، بل كل ذلك على التدريج.
وفي الجملة العلم بجواز التدريج في البيان كالعلم بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب بعد الاستقراء، فإنكاره مع الاعتراف بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب غير سائغ.
وذهب الأقلون منهم: إلى أنه لا يجوز.