المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الرابعةمن التأويلات البعيدة تأويل يخالف ظاهر اللفظ، وما أشعر به اللفظ من التعليل - نهاية الوصول في دراية الأصول - جـ ٥

[الصفي الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌المسألة الثانية[تخصيص العموم بمذهب الراوي الصحابي]

- ‌المسألة الثالثةفي أن خصوص السبب لا يخصص عموم اللفظ

- ‌المسألة الرابعة[في تخصيص العام بذكر بعضه]

- ‌المسألة الخامسة[في جواز التخصيص بالعادة]

- ‌المسألة السادسة[قصد المدح والذم لا يوجب التخصيص]

- ‌المسألة السابعةإذا عقب اللفظ العام باستثناء، أو تقييد بصفة، أو حكم خاص لا يتأتى في كل مدلوله بل في بعضه، فهل يوجب ذلك تخصيصه أم لا

- ‌النوع السادس"الكلام في المطلق والمقيد

- ‌المسألة الثانيةفي حمل المطلق على المقيد

- ‌المسألة الثالثةالشارع إذا أطلق الحكم مرة، ثم ذكره مرة أخرى وقيده تقييدًا، ثم ذكره مرة أخرى وقيده تقييدًا مضادًا لقيد المرة الأولى، كيف يكون حكمه

- ‌النوع السابع"الكلام في المجمل والمبين

- ‌ المقدمة: ففي تفسير المجمل والمبين والبيان:

- ‌النوع الأول"في المجمل وما يتعلق به

- ‌المسألة الأولىفي أقسام المجمل

- ‌المسألة الثانيةيجوز ورود المجمل في كتاب الله تعالى و [سنة] رسول "الله صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الثالثة[لا إجمال في التحريم والتحليل المضافين إلى الأعيان]

- ‌المسألة الرابعةذهب بعض الحنفية إلى أن قوله تعالى: {وامسحوا برؤوسكم} مجمل

- ‌المسألة الخامسةاختلفوا في قوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" و"لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" و"لا نكاح إلا بولي

- ‌المسألة السادسةذهب جماهير الأصوليين إلى أنه لا إجمال في قوله عليه السلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وأمثاله

- ‌المسألة السابعةالحق أنه لا إجمال في قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وهو مذهب جماهير الأصوليين

- ‌المسألة الثامنةقد سبق في اللغات أنه يجب تنزيل لفظ الشارع على الحقيقة الشرعية أولا، ثم العرفية/ (289/ ب) اللغوية

- ‌المسألة التاسعةفي أن لفظ الشارع إذا دار بين أن يفيد معنى، وبين أن يفيد معنيين، فهل هو مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما، أم هو ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين

- ‌المسألة العاشرةذهب الأكثرون، إلى أن لفظ الشارع إذا دار بين أن يكون محمولا على حكم شرعي متجدد، وبين أن يكون محمولا على التقرير على الحكم الأصلي العقلي، أو الاسم اللغوي، كان حمله على الحكم الشرعي المتجدد أولى

- ‌المسألة الحادية عشرةروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه تردد في إجمال قوله تعالى: {وأحل الله البيع} وتعميمه

- ‌المسألة الثانية عشرةاختلفوا في أنه هل بقي مجمل في كتاب الله تعالى "و" بعد وفاة الرسول عليه السلام أم لا

- ‌الفصل الثانيفي المبين وما يتعلق به

- ‌المسألة الأولى[جواز كون الفعل بيانا]

- ‌المسألة الثانيةفي أن القول مقدم على الفعل في البيان

- ‌المسألة الثالثة] جواز البيان بالأدنى [

- ‌المسألة الرابعة] تأخير البيان [

- ‌المسألة الخامسة[في جواز التدرج في البيان]

- ‌المسألة السادسة[في جواز تأخير تبليغ الوحي للرسول]

- ‌المسألة السابعةاختلف القائلون بعدم جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب: في جواز إسماع الله المكلف العام من غير إسماعه ما يخصصه

- ‌النوع الثامنالكلام في النص والظاهر والتأويل

- ‌ المقدمة: ففي تفسير هذه الألفاظ الثلاثة

- ‌ المسائل

- ‌المسألة الأولىذهب الشافعي رضي الله عنه إلى أن الكافر إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة، فإن له أن يختار أربعا منهن سواء عقد عليهن معا، او على التفريق سواء اختار الأوائل منهن أو الأواخر

- ‌المسألة الثانيةتمسك الشافعي- رضي الله عنه في أن نكاح المرأة نفسها باطل

- ‌المسألة الثالثةتمسك الشافعي رضي الله عنه في عدم جواز الإبدال في باب الزكاة

- ‌المسألة الرابعةمن التأويلات البعيدة تأويل يخالف ظاهر اللفظ، وما أشعر به اللفظ من التعليل

- ‌المسألة السادسةاعلم أن ضعف التأويل يعرف: تارة بقوة ظهور اللفظ فيما هو فيه ظاهر، وتارة لضعف دليله، وتارة بهما بأن يكون اللفظ المستعمل "ضعيف" الدلالة على العموم، ودليل التأويل أيضا "ضعيف

- ‌المسألة السابعةمن التأويلات البعيدة، تأويل يقتضي حمل كلام الله تعالى، أو كلام رسوله على شواذ اللغة والإعراب ونوادرهما

- ‌النوع التاسعالكلام في المفهوم

- ‌المسألة الأولىفي تحقيق معنى المفهوم وتقسيمه

- ‌المسألة الثانيةفي أن دلالة النص على الحكم في مفهوم الموافقة. هل هي لفظية، أم قياسية

- ‌المسألة الثالثةفي مفهوم الصفة

- ‌المسألة الرابعةاختلفوا في الحكم المعلق على شيء بكلمة "إن" هل هو عدم عند عدم ذلك الشيء أم لا

- ‌المسألة الخامسة[في حجية مفهوم الغاية]

- ‌المسألة السادسةفي أن تقييد الحكم بعدد مخصوص، هل يدل على نفي ذلك الحكم عن غيره من الإعداد أم لا

- ‌المسألة السابعةفي أن تقييد الحكم، أو الخبر، بالاسم: علمًا، كان أو اسم جنس لا يدل على نفي الحكم عما عداه. خلافًا لأبي بكر الدقاق والحنابلة

- ‌المسألة الثامنة[في مفهوم "إنما

- ‌المسألة التاسعةاختلفوا في مفهوم نحو قوله: لا عالم في المدينة إلا زيد، فجماهير منكري المفهوم ذهبوا إلى إثباته، وأصرت الحنفية على إنكاره أيضًا:

- ‌المسألة العاشرة"اختلفوا في مفهوم نحو قوله عليه السلام "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم

- ‌النوع العاشر:"الكلام" في دلالة أفعال الرسول عليه السلاموسكوته وتقريره

- ‌المسألة الأولىفي عصمة الأنبياء

- ‌المسألة الثانية/…(337/أ)في أن مجرد فعل الرسول عليه السلام، هل يدل على حكم في حقنا أم لا

- ‌المسألة الثالثةاختلفوا فيما إذا عرف وجه فعل الرسول عليه السلام من الوجوب، والندب، والإباحة، ولم يعرف أنه بيان لخطاب سابق، ولا أنه من خواصه، هل يجب علينا التأسي به: أي هل كنا متعبدين به، فإن كان واجبًا فعلى وجه الوجوب، وإن كان ندبًا فعلى وجه الندبية

- ‌المسألة الرابعةفي بيان الطرق التي يعرف كون الفعل واجبًا، أو ندبًا، أو مباحًا

- ‌المسألة الخامسةفي سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار فعل فعل بين يديه، أو في عصره مع علمه به، هل ينزل منزلة فعله في كونه مباحًا أم لا

- ‌المسألة السادسةفي التعارض الحاصل بين الفعلين، [أو بين الفعل والقول

الفصل: ‌المسألة الرابعةمن التأويلات البعيدة تأويل يخالف ظاهر اللفظ، وما أشعر به اللفظ من التعليل

وأما الدلالة اللفظية: فلأن الإطعام من الأفعال التي يتعدى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما إذ يجوز أن يقول: أطعمت زيدا ولا يقول: ما أطعمته، ويجوز أن يقول: أطعمت الطعام، ولا يقول: ما أطعمته، والأصل في هذا النوع من الفعل إذا ذكر أحد مفعوليه أن يذكر ما هو الأهم في غرض المتكلم، فذكر عدد المساكين يشعر بزيادة اعتبار الشارع به إشعارا/ (317/ب) ظاهرا، فتركه عن درجة الاعتبار وجعله كالمسكوت عنه، و"اعتبار المسكوت عنه، وجعله كالمذكور خلاف ظاهر الكلام وفصاحته ودخوله في هجنته وركاكته، وكلام الله تعالى يصان عنه.

‌المسألة الرابعة

من التأويلات البعيدة تأويل يخالف ظاهر اللفظ، وما أشعر به اللفظ من التعليل

، نحو تأويل أبي حنيفة- رضي الله عنه قوله تعالى:} ولذي القربى {فإنه صرفه عن العموم حيث اعتبر الحاجة فيهم، في جواز صرف ما يصرف من الغنيمة إليهم المضاف بلام التمليك إليهم من غير اعتبار الحاجة فيهم، وألغى ما أشعر به اللفظ من تعطيل وجوب الإعطاء بالقرابة لشرفها وتعظيمها وجلالة قدرها، ولذلك حرك عليهم الصدقة التي هي الطهرة المأخوذة على وجه الذل. لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعليته

ص: 2004

مع خلوه عن المناسبة على ما ستعرف ذلك- إن شاء الله تعالى-، فكيف مع المناسبة، فأعطى الفقير منهم دون الغني. وهذا التأويل مع ما فيه من مخالفة ظاهر العموم والتعليل الذي أشعر به اللفظ إشعارا ظاهرا فيه اعتبار زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ عنده لا يجوز إثباته بخبر الواحد فكيف بالقياس وكونهم مذكورين مع اليتامى والمساكين مع قرينة إعطاء المال ليس قرينة دالة على اعتبار الفقير فيهم، وإلا لكان ما كان يأخذه الرسول- عليه السلام في حال حياته من هذا الخمس مشروطا أيضا بالحاجة، ضرورة وجود هذه القرينة بعينها في حقه عليه السلام. ولا قائل به وأيضا: لو كان مثل هذه القرينة مانعا من أن يكون اعتبار الفقير فيهم زيادة على النص، لكان تيسير الفاتحة مانعا من أن يكون وجوب قراءته في الصلاة زيادة على قوله تعالى:} فاقرؤا ما تيسر من القرآن {حتى لا يمنع قبول ما ورد في وجوب قراءته في الصلاة من أخبار الآحاد، هذا كله لو اعتبر القرابة بشرط الحاجة والفقير في صرف ما يصرف إليهم من الخمس، فأما إذا لم يعتبرها ويجعلها كالعجم الطماطم، وهو الظاهر من مذهبه إذ الخمس عنده

ص: 2005

ينقسم على ثلاثة أسهم فيعطى ذوي القربى من سهم المساكين لفقرهم لا لقرابتهم فلا وجه له اصطلاح وليس هو من التأويل في شيء، بل هو تعطيل للنص.

فإن قلت: إنما ذكروا لئلا يحرموا عن هذا كما حرموا عن الصدقة.

قلت: هذا باطل لوجوه:

أحدهما: أن فيه إبطال دلالة "اللام"، إذ هي ظاهرة في التمليك إذا أضيفت به إلى من يصلح للملك.

وثانيها: أن فيه إبطال دلالة "واو" العطف، فإنها تقتضي الاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه فيما عطف عليه، وقد عطف على الاستحقاق، إذ كان / (318/أ) الرسول- عليه السلام يستحق سهمه المضاف إليه، فوجب أن يثبت الاستحقاق لذوي القربى أيضا تسوية بينهما فيما عطف عليه.

وأيضا فإنه عطف عليه اليتامى والمساكين، فلو كان حكمه جواز الصرف لكان حكم ما عطف عليه أيضا كذلك لما سبق.

وثالثها: أن ما ذكروه إنما يحتاج إليه أو يحسن ذكره، لو كان يظن أو يتخيل حصول موجب تحريم الصدقة في الخمس، أما إذا لم يظن ذلك ولا يتخيل فلا وهو غير متخيل فيه، إذ الموجب له هو كون الصدقة غسالة الناس وأوساخهم.

ص: 2006

ورابعها وخامسها: ما تقدم من الوجهين.

وسادسها: لو كان ذكرهم إنما هو لدفع ما ذكروه من الظن الفاسد والتخيل الباطل، لوجب أن يذكروا على وجه لا يوجب ظنا فاسدا آخر أقوى منه، فكان ينبغي أن لا يذكروه على الاستقلال، بل كان ينبغي أن يذكر عند ذكر المساكين ما ينبه على هذا المقصود. لا يقال: ما ذكرتم في ذي القربى فهو لازم عليكم في اليتامى فإنكم تعتبرون الحاجة فيهم في جواز] صرف [سهمهم إليهم. لأنا نقول: لا نسلم "أنا نعتبر ذلك، وهذا لأن الأظهر من قول الشافعي- رضي الله عنه: أنه لا يعتبر ذلك.

قلنا: أن يمتع ذلك بناء عليه. ولئن سلم الحكم فيه، فليس بلازم علينا من جملة ما ذكرنا إلا تخصيص عموم اليتامى على ما لا يخفى ذلك عليك، وتخصيص العموم للقرينة جائز، والقرينة المخصصة له هي ذكره مع قرينة إعطاء المال، فإن ذلك مشعر بالحاجة فيهم، ولأنه ليس فيهم معنى يناسب الإعطاء "غير" الحاجة، بخلاف ذوي القربى فإن جلالة قدر القرابة يناسب الإعطاء لهم. ومن هذا الجنس تأويلهم في قوله- عليه السلام:"لا يقتل مؤمن بكافر" حيث قالوا: المراد منه الكافر الحربي، فإنه

ص: 2007

خلاف ظاهر العموم، إذ النكرة في سياق النفي من أدل ألفاظ العموم، وخلاف ما أشعر به اللفظ من التعليل، فإنه يشعر إشعارا ظاهرا على أن العلة لذلك هو مطلق الكفر لما سبق، وكن الخاص معطوفا عليه لا يصلح أن يكون قرينة مخصصة له لما سبق في العموم.

المسألة الخامسة

من التأويلات البعيدة، تأويل بعض أصحابنا: قوله عليه السلام: "من ملك ذا رحم محرم عتق عليه" فإنه أوله عن عمومه وخصصه بالأصول

ص: 2008

والفصول.

وهو بعيد جداً.

أما أولا: فلما تقدم أن ألفاظ الشرط والجزاء أقوى الدلالة على العموم، لا سيما إذا وردت ابتداء لتأسيس قاعدة، لا في حكاية حال وجواب عن سؤال، حتى يعتقد تخصيصه به.

وأما ثانيا: فلأن إرادة الآباء والأبناء من هذا اللفظ من غير قرينة ألغاز وتلبيس ألا ترى أن (318/ب) الرجل لو قال: لعبده: من بقيته من رحمي محرمي فأكرمه، ثم قال: أردت بذلك الآباء والأبناء عد ملغزا أو ملبسا.

وأما ثالثا: فلأنه سلك فيه مسلك الحدود، من حيث أنه بدأ بالأعم

ص: 2009

وختم بالأخص، وذلك يدل على] أنه قصد به [الضبط، واختصاص الحكم] بما [ذكر من القيود، وإلا لم يكن ذكر القيد مفيدا، لأن فائدته ليس إلا ذلك.

وأما رابعا: فلأن الأصول والفصول يختصان بخاصية قرب القرابة وشرف النسب، وذلك يقتضي التنصيص عليهما احتراما لهما.

وأما خامسا: فلأن اللفظ أشعر بعلية الرحم مع المحرمية وتعظيمه وحرمته لما سبق غير مرة، فتنزيله على الأصول والفصول ترك لهذه الدلالة وهو باطل.

والشافعي رضي الله عنه لم يقل بمقتضى الحديث لا لأنه يؤكده ويخصصه بناء على القياس على وجوب النفقة بسبب البعضية لا غير أو لغيره بل لأن الحديث لم يصح عنده، لأنه موقوف على الحسن بن

ص: 2010

عمارة.

ومن جنس هذا التأويل تأويل الحنفية قوله عليه السلام: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" وقد أولوه بتأويلات ثلاثة:

أحدهما: بالحمل على القضاء والنذر.

وهو بعيد، لأن النكرة في سياق النفي من أدل ألفاظ العموم على العموم، وقد قاله عليه السلام: ابتداء لتأسيس القاعدة، لا في جواب سائل حتى يعتقد تخصيصه به، فحمله على القضاء النادر الذي هو فرع الأداء، والنذر النادر الذي هو فرع الفرائض، وإخراج الصوم الأصلي الذي هو الغالب والمتبادر إلى الفهم من إطلاق لفظ الصوم وهو الفرض المعتاد والتطوع بعيد جدا، وإن كان بعده ليس كبعد حمل حديث النكاح على المكاتبة، إذ المكاتبة بالنسبة إلى النساء أندر من القضاء والنذر بالنسبة إلى الصوم.

وثانيها: وهو ما عزى إلى الطحاوي أنه محمول على نية صوم الغد

ص: 2011

"قبل الغروب" من يومه، وكان يتبجح بهذا التأويل، لأنه أبقى "لا صيام" على عمومه.

وهو أيضا بعيد، بل أبعد من الأول.

ويدل على وجوه:

أحدها: أن سياق الخبر يدل على النهي من تأخير النية عن الليل والحث على تقديمها على بياض النهار الذي يصومه، وهذا المفهوم منه جاري مجرى الفحوى الذي لا ينكره دون إنصاف من المخلصين، فحمل الخبر على النهي

ص: 2012

عن تقديم النية والحث على تأخيرها مضاد مقصود الكلام الذي سيق لأجله، فكان باطلا.

وثانيهما: أن حمل النهي على المعتاد أولى من حمله على ما لا يعتاد، بل لا يكاد يوجد، فضرورة أن النهي المعتاد أمس، وتأخير النية عن الليل معتاد بسبب الذهول / (319/أ) والغفلة عنها، وأما التقديم "فنادر" لا يفعله أحد، لأنه ينسب إذ ذاك إلى جنون وقلة عقل وهو وازع له عنه فلم يجز حمله عليه.

وثالثها: أنا وإن سلمنا أنه ليس بنادر، بل هو معتاد كاعتياد التأخير، لكن نقول: قوله: عليه السلام: "لا صيام لمن يبيت الصيام من الليل" يقتضي النهي عن أن لا يقع مبينا وذلك قد يكون بالتقديم، وقد يكون بالتأخير وليس في اللفظ ما يقتضي تخصيصه بأحدهما، فوجب أن يحمل عليهما معا دفعا للإجمال، وتكثيرا للفائدة، فحمله على النهي عن التقديم فقط باطل ..

ورابعها: قالوا إنه محمول على نفي الكمال.

وهذا تفريع على أن حرف النهي إذا دخل على الاسم الشرعي يقتضي نفي حقيقته الشرعية، فأما إذا لم نقل بذلك سواء قيل بأنه مجمل فيهما أو هو حقيقة في نفي الكمال فليس هو من التأويل في شيء.

ص: 2013

وهذا التأويل قريب.

وتضعيفه بأن يقال: انه مستعمل في القضاء والنذر لنفي الصحة وفاقا، فلو استعمل في غيرهما لنفي الكمال، لزم استعمال اللفظ الواحد في الحقيقة والمجاز معا، وهو غير جائز، وبتقدير أن يكون جائزا لكنه خلاف استعمال الفصيح.

فإن قلت: هذا إنما يلزم لو كان القضاء والنذر مرادين منه.

وهو ممنوع وهذا لأن ما ذكرتم من أنهما نادران يدل على أنهما غير مرادين.

قلت: أما الدليل على أنهما مرادان فهو أن اللفظ عام وخروجهما عنه تخصيص له وهو خلاف الأصل، ولان الحكم على مقتضاه ثابت فيه والأصل "عدم" دليل آخر.

وأما ما ذكرنا في الليل إنما يدل على امتناع اقتصار إرادتهما لا على امتناع إرادتهما مطلقا، وإلا لزم أن لا يكون العام عاما، وأيضا فإن كونهما غير مرادين منه قول لم يقل به أحد فكان باطلاً.

ص: 2014