الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يتعرض "له" المنطوق بالإثبات لم يكن مخالفًا له على الحقيقة، بل تسميته بذلك مجاز من باب إطلاق اسم الجزء على الكل.
"وأما الأقلون فقد احتجوا: بأن الوصف المذكور في الحكم علة الحكم،" فإذا انتفى العلة انتفى الحكم إذ الأصل اتحاد العلة.
وجوابه: منع أن الوصف المذكور علة الحكم، وهذا لأنه يحتمل أن يكون شرطًا له.
سلمناه: لكن في الجنس المذكور لا مطلقًا، لكن في الوصف المناسب لا في غيره والبحث فيه وفي غيره.
المسألة الرابعة
اختلفوا في الحكم المعلق على شيء بكلمة "إن" هل هو عدم عند عدم ذلك الشيء أم لا
؟.
فذهب القائلون بمفهوم الصفة بأسرهم، وجماعة من منكريه نحو ابن سريج والكرخي وأبي الحسين البصري: إلى أنه عدم عند عدمه وهو اختيار الإمام.
وذهب: الباقون: نحو القاضي أبي بكر، والغزالي، وأكثر المعتزلة: إلى أنه ليس كذلك.
لنا وجوه:
أحدها: ما روي أن يعلى بن أمية، قال لعمر بن الخطاب، ما لنا نقصر وقد أمنا وقد قال تعالى:{فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} فقال عمر رضي الله عنه تعجبت مما عجبت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك: فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته".
ووجه الاستدلال به ظاهر، فإن يعلى بن أمية فهم منه عدم جواز القصر عند الأمن، وكذلك فهم عمر رضي الله عنهما ذلك وتعجب منه وفهمها حجة، وكذلك تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر على هذا الفهم أدل دليل عليه.
فإن قلت: لا نسلم أنهما فهما ذلك، ولا نسلم إنما سألا ما سألا بناء على ما ذكرتم، ولا نسلم تقرير الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر على ما ذكرتم من الفهم، ولا تقرير عمر ليعلى بن أمية عليه، وهذا لأنه يحتمل أن يكون السبب في ذلك كله: هو أن الأصل في الصلاة هو الإتمام، وأن حال الخوف مستثنى من ذلك، فوجب أن يبقى ما عدا حال الخوف على الأصل، فلما لم يبق الحكم على الأصل تعجبا/ (329/أ) وسألا ما سألا وقررا على ما يعجبا منه.
قلت: لو كان الأمر "على ما" ذكرت لم يكن لتلاوة آية القصر عند السؤال معنى ولا التعجب من مخالفة حكمها، لأنه ليس في جواز القصر في غير حالة الخوف مخالفة لها، بل كان المناسب ذكر ما يدل على وجوب الإتمام، فإن في جواز القصر في غير حالة الخوف له من غير دليل، وهو محل التعجب والسؤال، ولما لم يكن الأمر كذلك علما أن التعجب إنما كان بسبب مخالفة مفهوم الشرط.
وقد أجيب عن السؤال المذكور بوجه آخر: وهو يمتنع أن الأصل في الصلاة هو الإتمام، بل الأصل عدم الإتمام والإتمام طارئ عليه يدل عليه ما
روي عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيدت صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر) وإذا كان كذلك فليس في جواز القصر في غير حالة الخوف مخالفة الأصل فلم يصلح أن يكون ذلك سببًا للتعجب.
وهو ضعيف.
أما أولًا: فلأن معظم القائلين بمفهوم الشرط، نحو الشافعي وأصحابه لم يقولوا بهذا الأصل، بل هو باطل عندهم، فلم يمكنهم تصحيحه به، لأن
تخريج المذهب الصحيح على الباطل باطل، نعم: لو أجيب به على سبيل الإلزام على بعض الحنفية القائلين بمفهوم الشرط وبهذا الأصل كان صحيحًا.
وأما ثانيًا: فإنا وإن سلمنا أن ذلك هو الأصل، لكن لا شك في نسخ ذلك الأصل بعد الزيادة، ويستحيل القول باحتمال نزور الآية قبل الزيادة، وإلا لقصرت الصلاة إلى ركعة واحدة، أو يتعطل اللفظ، لأن قوله:{فليس عليكم جناح أن تقصروا} .
دال من وجهين: على أن الإتمام هو الأصل قبل نزول الآية، لأن سلب الجناح عن عدم الإتمام دليل على أنه رخصه، ولو كان ذلك هو الأصل لكان عزيمة، وكذلك لفظ القصر دال عليه، لأن الصلاة المشروعة ابتدأ ركعتين لا تسمى مقصورة ولا فعلها قصرًا، فيتعين أن يقال أنها نزلت بعد الزيادة ونسخ ذلك الأصل، وحينئذ يصلح أن يكون ما ذكروه منشأ للتعجب.
وثانيها: أن كلمة "إن" مسماة بحرف الشرط عند أهل العربية، وهو ظاهر فإن كتب النحو بأسرها ناطقة بهذا، والأصل في الاستعمال الحقيقة، والنقل خلاف الأصل، لأن من الظاهر أنها ليست مسماة بهذا الاسم باعتبار "أن" نفسها أو معناها شرط، بل باعتبار إن ما دخل عليه لفظًا أو معنى لما بعده كذلك والشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه، لأنه معنى عام في جميع/
(329/أ) موارد استعماله فوجب جعله حقيقة فيه دفعا للاشتراك والتجوز.
وإنما قلنا: ذلك لأنهم يقولون: الحياة شرط العلم والقدرة والإرادة، والوضوء شرط صحة الصلاة، والحول شرط وجوب الزكاة، والاستطاعة شرط وجوب الحج.
ويقولون: أيضًا أشراط الساعة: أي علاماتها.
والمعنى العام الذي يشمل هذه الموارد كلها، هو أنه يلزم من انتفاء الشرط انتفاء ما هو شرط له، لأنه يلزم من انتفاء الحياة انتفاء العلم والقدرة والإرادة، ويلزم من انتفاء الوضوء والحول والاستطاعة وعلامات الساعة، انتفاء صحة الصلاة ووجوب الزكاة والحج وانتفاء الساعة.
أما أنه يلزم من وجود الشرط وجود ما هو شرط له أو مجموع الأمرين أعني أنه يلزم من الوجود الوجود ومن العدم العدم، فليس بمعنى عام في جميع موارد استعماله إذ لا يلزم من وجود "الوضوء" والحول صحة الصلاة، ووجوب الزكاة، فعند هذا ظهر أنه يلزم من انتفاء ما دخل عليه "إن" انتفاء ما هو مشروط به وهو المطلوب.
فإن قلت: سلمنا: أن ما دخلت عليه كلمة "إن" شرط لما بعده، وأن الشرط ما يلزم من انتفائه انتفاء ما هو مشروط به، لكن إذا لم يوجد ما يقوم
مقامه، أما إذا وجد ما يقوم مقامه فلا.
وهذا لأنه يقال الوضوء شرط صحة الصلاة، ومع هذا لا يلزم من انتفاءه انتفاء صحة الصلاة إذا قام غيره مقامه كالتيمم، وحينئذ لا يلزم من عدم ما دخلت عليه كلمة "إن" عدم ما هو مشروط به، إلا إذا ثبت أنه لم يوجد ما يقوم مقامه.
فلم قلت: أنه لم يوجد ما يقوم مقامه، وإذا لم يثبت ذلك لم يحصل مقصودكم من إثبات هذا الأصل، وهو الاستدلال بانتفاء ما دخل عليه "كلمة" إن على انتفاء ما هو مشروط به.
قلت: نحن نساعدكم أنه لا يلزم من "كلمة من" انتفاء ما هو مشروط به إلا إذا ثبت أن ذلك الشرط شرط بعينه، أما إذا لم يثبت ذلك فلا لكن نقول: قد ثبت بما ذكرنا وسلمتم
أيضًا أن ما دخل عليه كلمة "إن" شرط لما بعده والأصل عدم شرط آخر يقوم مقامه فيلزم من انتفائه انتفاء المشروط ظاهر، وحينئذ يحصل ما هو المقصود من إثبات هذا الأصل.
وثالثها: لا شك أن الرجل إذا قام: أكرم زيدًا إن كان فاسقًا، فإنه يستقبح ويستهجن في العرف ولو قال: أكرم زيدًا وإن كان فاسقًا، فإنه لا
يستقبح ولا يستهجن فاستقباح القول الأول، إما أن يكون لأنه أمر بالإكرام مع منافيه الذي هو/ (330/أ) الفسق، أو لأنه أمر بالإكرام مع الفسق الذي هو منافيه مع قيد "أنه غير متعرض" لغير حالة الفسق لا بالإكرام ولا بعدمه على ما هو رأي الخصم فيه، وفي أمثاله، أو أمر بالإكرام في حالة الفسق وبعدمه في غير حالة الفسق التي فيها الأمر بالإكرام أجدر، والأمران الأولان باطلان فتعين الثالث.
أما الأول: منهما فلأنه لو قبح ذلك لفتح القول الثاني، لأنه فيه الأمر بالإكرام في حالة الفسق أيضًا.
أما الثاني: فلكونه عدميا إذ المركب من العدمي والقبيح وجودي، ولعدم مناسبته للاستقباح [كان خبره غير مناسب] لأنه التصريح بعدم إكرام الصالح هو القبيح لا عدم التعرض لإكرامه وعدمه، ألا ترى أن الرجل لو أمر بعدم إكرام الصالح لقبح منه ذلك، ولو لم يتعرض لإكرامه ولا لعدم إكرامه ويسكت عن القسمين لم يقبح منه ذلك وجزء العلة يجب أن يكون مناسبًا وإذا بطل الأمران تعين الثالث.
لا يقال: إنه وحده وإن [كان] لا يقبح لكن لا نسلم أنه مع الأمر بإكرام الفاسق لا يصح، وهذا فإن الشيء قد لا يقبح ابتداء لكن يقبح عند ذكر غيره، لأنا نقول لو قبح إذ ذاك فإنما يقبح، لأن تخصيص ذكر حالة الفسق بالإكرام ينبئ عن أن حالة غير الفسق بخلاف حالة الفسق عنده وذلك من قبيل المفهوم الذي لا يقول به الخصم، وهو أضعف من مفهوم الشرط فلم يجز أن يكون ذلك مستند القبح عندهم، ولو أورد بطريق الإلزام فدفعه
بإجماع اللاقائل بالفصل، وإذا بطل الأمران الأولان تعين الثالث وهو المطلوب.
ورابعها: أن قول الرجل: أكرم الرجل إن كان صالحًا، يقابل في العرف قوله: أكرم الرجل إن كان فاسبقًا، لهذا لو قال: الرجل القول الأول فمن أراد مخالفته ومضادته وعكس ما قاله "و" قال: القول الثاني، فلو لم يكن الحكم المعلق بكلمة "إن" عدم عند عدم المعلق عليه لما كان كذلك، وإذا أفاد ذلك في العرف وجب أن يكون كذلك في أصل اللغة، وإلا لزم النقل وأنه خلاف الأصل.
احتجوا بوجوه:
أحدها: النفي وهو نحو قوله تعالى: {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} .
وقوله: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة} وقوله: {إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا} وقوله: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا} .
والحكم في جميع هذه الآيات المتلوة غير منتف عند انتفاء ما علق عليه
بكلمة "إن" إذ الأمر بالشكر حاصل سواء حصلت العبادة أو لم تحصل، وكذلك الرهن جائز في الحضر ومع وجود الكاتب، وكذلك القصر جائز سواء حصل الخوف/ (330/ب) أو لم يحصل، وكذلك تحريم الإكراه على البغاء سواء حصل إرادة التحصين أو لم يحصل، فإن كان هذا مقتضى الكلام والاستعمال فقد حصل المقصود، وهو أن المعلق بكلمة "إن" لا يلزم أن يكون عدمًا عند عدم المعلق عليه وإن لم يكن ذلك مقتضاه، بل حصل ذلك لدليل آخر [فحينئذ] يلزم التعارض، وأنه خلاف الأصل فما يستلزمه يكون أيضًا كذلك.
وجوابه من وجهين:
أحدهما: وهو الوجه الجملي: وهو أن التعارض وإن كان خلاف الأصل، لكنه يصار إليه عند قيام الدلالة عليه، وما ذكرنا من الأدلة مع التخلف فيما ذكرتم من الصور دال عليه، إذ التخلف لا لدليل قادح في تلك الأدلة فوجب المصير إليه.
وثانيهما: وهو الوجه التفصيلي: أما عن الآية الأولى فلا نسلم أن الحكم غير منتف فيها عند انتفاء المعلق عليه، وهذا لأنه يجوز أن يكون معنى العبادة في الآية هو التوحيد فمعنى قوله:{إن كنتم إياه تعبدون} أي توحدون، كما في قوله تعالى:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أي ليوحدون.
فعلى هذا إن لم تحصل العبادة المعلق عليها الحكم حصل الشرك والكفر، وعند ذلك لا يكون الأمر بالشكر حاصلًا بمعنى طلب الفعل وفاقًا.
ولئن سلمنا: أن المعنى من العبادة المذكور في الآية ما هو المتعارف "منها"، لكن لا نسلم أن الحكم غير منتف عند انتفائها.
وهذا لأن الشكر عندنا على ما بينا في مسألة شكر النعم: عبارة عن القول: اللساني والفعل الجوارحي والمعرفة الجناني.
ولا شك أن ذلك المجموع لا يبقى عند انتفاء أعمال الجوارح، فعند ذلك يستحيل وجود الشكر، والمستحيل غير مأمور به.
سلمنا: أن الشكر ليس عبارة عن هذا المجموع، لكن نقول: لم لا يجوز أن يكون الشكر المأمور به في الآية هو الشكر الكامل، وحينئذ يكون الحكم منتف عند انتفاء المعلق عليه، إذ لا شك أن الشكر الكامل يستحيل وجوده إذ ذاك، والمستحيل غير مأمور به.
فإن قلت: المأمور به في الآية هو مطلق الشكر وتقييده بالشكر الكامل، خلاف الأصل.
قلت: يجب الحمل عليه لئلا يلزم التعارض فإنه أشد محذورًا من الإضمار.
وأما عن الآية الثانية والثالثة: فهو أن التعليق بكلمة "إن" عندنا إنما يدل على العدم عند عدم المعلق عليه، إن لو لم يمكن الباعث على التعليق شدة الحاجة، كما هو في الآية الثانية فإن الحاجة إنما تمس إلى أخذ الرهن في حالة
السفر وعدم وجدان الكاتب أو غلبة الوقوع على ذلك النسق، كما هو/ (331/أ) في الآية الثالثة فإن خوف افتتان الكفرة كان حاصلًا في غالب أسفار المسلمين في ذلك الزمان.
أما إذا كان الباعث أحد ما ذكرنا من الأمرين فلا نسلم أنه يدل عليه، وهذا وإن لم يكن منصوصًا للأصحاب، لكن لا بأس به أخذًا مما قالوه: في مفهوم الصفة: كيف وجدت ذلك في كلام إمام الحرمين منصوصًا عليه "وهذا يبطل الاستدلال بالآية ويضعفه فهم الصحابة وتقرير الرسول فإنه إذا لم يكن للآية مفهوم لم يكن للتعجب معنى فالأولى أن يجاب عنه بأن ظاهر الشرط يقتضي العدم لكن لا يمتنع مخالفة المنفصل".
وأما عن الآية الرابعة: فهو أنا لا نسلم أن الإكراه على البغاء محرم حالة عدم إرادة التحصن، وهذا لأن تحريم الإكراه "على البغاء" فرع تصور ماهية الإكراه على البغاء، وحالة عدم إرادة التحصين يمنع تصور ماهية الإكراه على البغاء لأنه حينئذ يتحقق إرادة البغاء والإكراه لا يتصور على المراد فيمتنع تحريم الإكراه على البغاء، حينئذ لامتناع ماهيته.
فإن قلت: لا نسلم أنه عند عدم إرادة التحصين يتحقق إرادة البغاء حتى يمتنع الإكراه عليه، وهذا لأنه يجوز أن لا تريده أيضًا: إذ يجوز خلو الإرادة عن الضدين، نعم: إنما يلزم امتناع الإكراه على البغاء إذ ذاك، من حيث تفسير الإكراه لا من حيث إنه مراد إذ ذاك حتمًا، وذلك لأن الإكراه لو كان عبارة، عن أن يحمل الإنسان على فعل ما يريد أن يفعله لزم امتناعه عند عدم إرادة التحصن، لأن إذ ذاك إما أن يريد البغاء، أو لا يريده، إما بأن لا يكون محظورًا بالبال، أو وإن كان محظورًا فيه، لكن لا يريده، لأنه يجوز خلو الإرادة عن الضدين، وعلى التقديرين يستحيل الإكراه على البغاء على ذلك التفسير، لكنه ممنوع.
ولم لا يجوز أن يكون الإكراه؟ عبارة: عن أن يحمل الإنسان على فعل ما لم يرد فعله.
وحينئذ لا يلزم من عدم إرادة التحصن امتناع الإكراه على البغاء على ما ذكرنا من التفسير، لجواز أن لا يكون مرادًا أيضًا: لما سبق فيمكن الإكراه عليه.
قلت: الدليل على أن عند عدم إرادة التحصن يتحقق إرادة البغاء هو أن قوله تعالى: {إن أردن تحصنا} دل على أن المراد حالة الداعي إلى قضاء الشهوة لأن من لا داعية له إلى قضاء الشهوة كالعنين وغيره لا يقال: له تحصن، ولأنه ليس فيه تكليف وهو ينبي عن التكليف كالتحكم والتعلم، ومفهوم الكلام الجواب يتقيد بحالة منطوقة، فيكون معنى مفهومه، فإن لم يردن التحصن حالة الداعي إلى قضاء/ (331/ب) الشهوة لا يكون الإكراه منهيًا عنه، والأمر كذلك؛ لأن عند ذلك يردن البغاء قطعًا وإلا لم يكن الداعية داعية والإكراه على المراد غير تصور فلا يكون منهيًا عنه وبه خرج، الجواب عن الثاني أيضًا: لأنه مبني على أنه لا يلزم أن يكون البغاء مرادًا إذ ذاك وقد أبطلناه.
سلمنا: صحته لكن نقول الإكراه عبارة عن أن يحمل الإنسان على فعل ما يريد أن لا يفعله، لا على فعل ما لا يريد أن يفعله.
لأن المتبادر إلى الذهن من إطلاق الفعل المكره عليه، أنه مكروه للمكره "أي" الفاعل، والأصل في الإطلاق الحقيقة، ولا يكون مكروها له إلا وأن يريد أن لا يفعله إذ الكراهة ضد الإرادة فتعتبر فيها إرادة عدم الفعل لا عدم إرادة الفعل، ولأن الذي يستوي فعله وتركه عند الإنسان يفعله الإنسان
بأدنى باعث من خارج من غير أبا النفس عنه ومن غير مشقة فلا يتصور فيه الإكراه.
وثانيها: الحكم وهو أن الرجل إذا قال: لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، فهذا لا ينفي وقوع الإطلاق بدون دخول الدار وفاقًا، حتى لو نجز أو علق بشيء آخر وقع.
وجوابه: أنا لا نسلم أنه لا ينفي والاستدلال على ذلك بوقوع المنجز أو المعلق بتعليق آخر غير صحيح، لأن ذلك عندنا غير المعلق بدخول الدار ويدل عليه أن المعلق بدخول الدار يقع بعد التنجيز، إن كان واحدًا، أو أثنين، أو ثلاثًا، على رأي ولو كان عينه استحال ذلك، كما لو كان الدخول بعد الدخول.
سلمنا: أنه عينه لكن المفهوم إنما يدل لو لم يعارضه المنطوق، وهذا الشرط منتف عند التصريح بالتنجيز.
وثالثها: أن ما علق عليه الحكم بكلمة "إن" إن لم يكن شرطًا للحكم، أو كان شرطًا له، لكن ليس من لوازم الشرط انتفاء الحكم عند انتفائه، فقد حصل المقصود، وإن كان من لوازمه ذلك فحينئذ يلزم عدم جواز القصر في السفر حالة عدم خوف افتتان الكفار، وهو محال مخالف للإجماع، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.
وجوابه: ما سبق في جواب الآية.