الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو فرض هذا الاستدلال في غيرها حيث لا يتأتى ذلك الجواب.
فجوابه أنه من لوازمه عند عدم المعارض وليس من لوازمه عند وجوده، ولو قيل بأنه خلاف الأصل.
فجوابه أيضًا قد سبق.
المسألة الخامسة
[في حجية مفهوم الغاية]
مد الحكم إلى غاية بصريح الكلام نحو قوله: صوموا صومًا آخره الليل. أو بصيغة "إلى" أو "حتى" نحو قوله تعالى: {ثم أتموا الصيام/ (332/أ) إلى الليل} . وقوله: {حتى يطهرن} . هل يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية؟
اختلفوا فيه: فذهب كل من قال بمفهوم الشرط، وبعض المنكرين له نحو القاضي أبي بكر، والقاضي عبد الجبار: إلى أنه يدل على النفي.
وذهب الباقون: إلى أنه لا يدل عليه.
لنا وجوه:
أحدها: أن ما بعد الغاية نحو قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} ونحو قوله تعالى: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} ليس كلامًا تامًا بأنه لو ابتدأ وقال: {حتى يطهرن} و {حتى تنكح زوجًا غيره} وسكت لم يحسن السكوت عليه، فلابد فيه من إضمار وذلك "إما" ضد ما قبله، أو غيره.
والثاني: باطل، لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه عينا، ولا في العقل، فإما أن يضمر الكل وهو باطل. أما أولًا: فبالاتفاق.
وأما ثانيًا: فلأنه تكثير الإضمار من غير حاجة، أو يضمر واحد من غير تعيين، وهو أيضًا باطل، لأنه إجمال مخل بالمقصود، فيتعين الأول، وهو
المقصود، فيكون تقدير الكلام فيما ذكرنا من المثالين، ولا تقربوهن حتى يطهرن فاقربوهن وحتى تنكح زوجًا غيره فتحل، وإذا ثبت ذلك في هذه الصورة ثبت في غيرها لعدم القائل بالفصل.
فإن قلت: لا نسلم أنه ليس في العقل ما يدل على تعيين إضمار غير ضد الكلام، وهذا لأن إضمار كونه مسكوتًا عنه إذ ذاك مما يدل عليه العقل، وذلك لأن العقل دل على أنه لا حكم قبل الخطاب، فإذا ورد الخطاب مثبتًا للحكم إلى حصول وصف، أو إلى زمان، أو إلى مكان، وجب أن يبقى ما بعد ذلك الزمان والمكان على حكم الأصل، فيكون مسكوتًا عنه، فإضماره مما دل عليه العقل.
قلت: هب أن إضمار كونه مسكوتًا عنه مما دل عليه العقل بالطريق الذي ذكرتم، لكن نقول: إن إضمار "ضد" الحكم المذكور أولى.
أما أولًا: فلأنه أكثر فائدة، وأما ثانيًا: فلأنه مشعور به من جهة اللفظ والإضمار حكم لفظي، فيكون إضماره أولى.
وأما ثالثًا: فلأن الذهن مبادر إلى فهمه عند الإطلاق، كما سيأتي.
وثانيها: أن غاية الشيء، نهاية الشيء، ونهاية الشيء منقطعة وإنما يكون ما بعد الغاية منقطعًا، إن لو لم يكن الحكم ثابتًا فيه، فإن بتقدير أن يكون الحكم ثابتًا فيه، لم يكن منقطع الحكم فلم يتحقق مفهوم الغاية، وهو خلاف ظاهر التسمية، ولا يدفع بأن الحكم لو ثبت فإنما يثبت بخطاب آخر لا بالأول لأنه ليس غاية مقيدة، بل هي غاية للحكم على الإطلاق.
وثالثها: أن الرجل إذا قال: "لا تعط" زيدًا درهما حتى/ (332/ب)"يقوم" واضرب عمرًا حتى يتوب، فهم منه الأمر بالإعطاء عند القيام وترك الضرب عند التوبة ولهذا يستقبح الاستفهام عنهما "بعدهما ولو لم يفهما لم قبح الاستفهام عنهما".
فإن قلت: الملازمة ممنوعة، وهذا لأنه يجوز أن يكون قبح الاستفهام لأجل أنه مسكوت عنه غير متعرض للنفي والإثبات فقبح، كما قبل الأمر بالإعطاء والضرب، فإنه إذا قال: ابتداء هل أعطي زيدًا درهما "إذا قام" وهل ترك الضرب عن عمر؟ إذا تاب قبح ذلك.
قلت: الدليل على أن قبح الاستفهام، إنما كان لأجل أنهما فهما من الكلام، لا لأجل ما ذكرتم، هو أن الاستفهام عن الشيء قد يحسن لوجود ما يوهم وجوده، والتقييد بالغاية إن لم يكن مقتضيًا لضد الحكم السابق فلاشك أنه موهم له، فكان ينبغي أن يحسن بخلاف ما قبل الأمر، فإنه لم يوجد هناك ما يوهم الإعطاء والضرب وتركه حتى يحسن الاستفهام عنهما ولما لم يحسن دل على أنه إنما قبح لأنه مقتضى للحصول وأنه غير متردد فيه.
احتجوا بوجهين:
أحدهما: أنه لو دل تقييد الحكم بالغاية المحدودة على نفي الحكم عما بعد الغاية، فإنما يدل لأنه لابد للتقييد من فائدة، وإلا لكان التقييد بالغاية عبثًا إذ
من المعلوم أنه لا يدل اللفظ المقيد بالغاية بصراحته، والأصل عدم غيرهما لكن لا يدل من تلك الجهة، لأن له فائدة أخرى وهي تعريف بقاها بعد الغاية على ما كان عليه قبل الخطاب، فإنه لو أطلق اللفظ ولم يقيده بالغاية لثبت الحكم فيما قبل الغاية وبعدها فقيد ليعرف بقاؤه على ما كان عليه من قبل.
وجوابه: أن ما ذكرتم، وإن كانت فائدة، لكنها ليست فائدة لفظية، لأن بقاء حكم ما بعد الغاية على ما كان عليه قبل الخطاب، إنما يعرف بالعقل واللفظ على ما ذكروه إنما يفيد قطع الحكم لا غير، وحمل اللفظ على الفائدة اللفظية أولى، ولأن ما ذكرناه أكثر فائدة على ما ذكرتم، فكان الحمل عليه أولى.
وثانيهما: أنا أجمعنا على أنه يجوز أن يثبت ما بعد الغاية مثل حكم ما قبلها، فعند ذلك يقول التقييد بالغاية لو اقتضى عدم الحكم فيما بعدها لزم التعارض، وأنه خلاف الأصل، وإن لم يقتض فهو المطلوب.
وجوابه: ما سبق من أنه يصار إليه عند قيام الدلالة عليه.