الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة العاشرة
ذهب الأكثرون، إلى أن لفظ الشارع إذا دار بين أن يكون محمولا على حكم شرعي متجدد، وبين أن يكون محمولا على التقرير على الحكم الأصلي العقلي، أو الاسم اللغوي، كان حمله على الحكم الشرعي المتجدد أولى
.
وذهب الأقلون: منهم الشيخ الغزالي رحمه الله تعالى: إلى أنه محتمل لهما مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما.
مثال الأول: قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} الآية، فإنه يقتضي نفي التحريم عما عدا المذكورات في الآية، ونفيه عنه يحتمل أن يكون بأن ينفى على حكم الأصل، ويحتمل أن يكون بأن يثبت الحل فيه وهو حكم شرعي متجدد والتقرير على الأصل، وإن كان حكما شرعيا/ (291/ أ) لكنه غير متجدد.
مثال الثاني: كقوله عليه السلام: "الطواف بالبيت صلاة" فإنه يحتمل
أن يكون المراد منه أنه كالصلاة حكما في الافتقار إلى الطهارة عن الحدث والخبث، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه مسمى بالصلاة بناء على أن فيه الدعاء الذي هو مسمى بالصلاة اللغوية، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه مسمى بالصلاة شرعا "لم يكن مسمى بها لغة، وفي هذا أيضاً
يرجع إلى الحمل على الحكم الشرعي" لأنه إنما يراد تسميته بها شرعا ليترتب عليه أحكامها المنوطة بالاسم، كقوله عليه السلام: "الأذنان من الرأس".
فإنه يحتمل أن يكون المراد منه أنه في الحكم كالجزء من الرأس حتى يمسح
بما مسح به الرأس ولا يحتاج إلى ماء جديد، وكذا في غيره من الأحكام، إلا ما خصه الدليل.
ويحتمل أن يكون المراد أن اسم الرأس مشتمل عليه وأنه جزؤه، وكذا قوله عليه السلام:"الاثنان فما فوقهما جماعة" فإنه يحتمل أن يكون
المراد منه أن الاثنين كالجماعة في الحكم في انعقاد صلاة الجماعة، وإحراز فضيلتها وفي جواز السفر، فإنه روى عنه عليه السلام:"أنه كان ينهى عن السفر إلا في جماعة"، ويحتمل أن يكون المراد منه أنه مسمى بالجماعة إذا عرفت هذا.
فنقول: الدليل على أن حمله على الحكم الشرعي أولى، هو أن حمله على الحكم الشرعي حمل له على ما [هو] بيانه به عليه السلام أمس وأخص، لأنه عليه السلام مبعوث لبيان الأحكام الشرعية التي لا تعرف إلا منه، دون التسمية اللغوية التي يستقل بمعرفتها كل واحد من أهل اللسان، وعلى ما نحن إلى معرفته أحوج، ولا شك أن حمل اللفظ على ما يتعلق به غرض المتكلم تعلقا ظاهرا ويحتاج إليه السامع احتياجا بينا ماسا أولى مما ليس كذلك، ولأن حمله على الحكم الشرعي لا يتضمن تعريف المعرف بالنسبة إلى أحد، وحمله على التسمية يتضمن ذلك بالنسبة إلى أهل اللسان، ولا شك أنه خلاف الأصل فما يتضمنه أيضًا، كذلك فإن "غلب" الحمل على الحكم الشرعي، وإن كان يترجح مما ذكرتم لكن الحمل على التسمية في مثل قوله عليه السلام:"الطواف بالبيت صلاة" و"الاثنان فما فوقهما جماعة" يترجح بوجهين:
أحدهما: أنه لا يحتاج إلا الإضمار، لأن قولنا: "الطواف بالبيت
صلاة" جاري مجرى قولنا: الإنسان حيوان، وهو ليس بمستعمل على طريق الإضمار، فكذا ما نحن فيه ولو سلم أنه/ (291/ ب) يحتاج إليه لكنه قليل، إذ التقدير فيه على تقدير الإضمار الطواف مسمى بالصلاة بخلاف الحمل على الحكم الشرعي، فإنه يحتاج إلى إضمار كثير، لأن تقديره حينئذ يصير حكم الطواف حكم الصلاة في كذا أو في كل شيء إلا ما خصه الدليل.
وجوابه: أنا نسلم أن قوله: "الطواف بالبيت صلاة"، جار مجرى قوله: الحيوان إنسان، لكن لا نسلم أنه ليس يتضمن الإضمار، وهذا لأن قولنا: الحيوان إنسان، ليس المراد منه أن لفظ الحيوان لفظ الإنسان، بل مدلوله مدلوله، وحينئذ يحتمل أن يكون المراد منه أن ما حقيقته الحيوان حقيقته الإنسان، ويحتمل أن يكون المراد منه، إنما وصف بأنه حيوان، "وصف بأنه إنسان" وهو خارج عن ماهيته، وصف بأنه إنسان وهو خارج عن ماهيته ويحتمل أن يكون المراد منه أن ما صدق عليه الحيوان سواء كان ذلك حقيقته أو لم يكن بل يكون وصفه صدق عليه الإنسان سواء كان ذلك حقيقته أو لم يكن، بل يكون وصفه، وإذا كان محتملا لهذه التقديرات، وعلى كل تقدير يلزم الإضمار، كان استعماله بطريق الإضمار لا محالة.
قوله: الإضمار على تقدير الحمل على التسمية أقل.
قلنا: ممنوع، وهذا لأن تقدير حينئذ ليس ما ذكرتم، لأن الطواف نفسه
ليس مسمى بالصلاة، بل مسمى الطواف مسمى بالصلاة، وإذا كان كذلك كان حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه لازما على التقديرين.
وثانيهما: أن الحمل على التسمية والحكم الأصلي، لا يستلزم النقل عن شيء، بخلاف الحمل على الحكم الشرعي المتجدد، فإنه يستلزم النقل عن الحكم الأصلي، وهو خلاف الأصل.
وجوابه: أنه إن كان كذلك، لكنه معارض بوجه آخر، وهو أن حمله على الحكم الشرعي يقتضي إلحاق الفرد بالأعم والأغلب، إذ الغالب في كلام الشارع إنما هو بيان الأحكام الشرعية دون بيان التسمية، والنفي الأصلي وحمله على التسمية أو النفي الأصلي يقتضي إلحاقه بالشاذ والنادر، ولا شك أن إلحاق الفرد بالأعم والأغلب أولى.
وبهذا أيضا خرج، الجواب عن قولهم: إنه عليه السلام كما كان ينطق بالحكم الشرعي، فكذا كان ينطق أيضا بالحكم الأصلي العقلي، كقوله عليه السلام:"ليس في الكسعة ولا في النخسة ولا في الجبهة صدقة"،
وكقوله "ليس في الحلي صدقة"، وكقوله: "ليس فيما دون خمسة أوسق
.......................................................................
صدقة" وبالتسمية أيضا كقوله: "كل (292/ أ) مسكر خمر" لأنه نادر والغالب إنما هو الحكم الشرعي المتجدد.