الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع التاسع
الكلام في المفهوم
وفيه مسائل:
المسألة الأولى
في تحقيق معنى المفهوم وتقسيمه
وتحقيق القول فيه يستدعي تقسيما نذكره، وهو أن ما يدل عليه اللفظ/ (321/أ) إما أن يدل بحسب الوضع والمطابقة أولا.
فإن كان الثاني: فإما أن يدل عليه] في [محل النطق أولا.
فإن كان الأول "فإما أن يقصد أولا. فإن قصد" فإما أن يتوقف وجود محل النطق عليه سواء كان التوقف بحسب العقل كما في: اصعد السطح أو] بحسب [الشرع، كما في: اعتق عبدك "عنى"، أو لا يتوقف وجوده عليه بل إنما يتوقف صدق المتكلم به عليه كما في قوله عليه
السلام: "رفع عن أمتي الخطأ
…
الحديث"، أو لا يتوقف] الصدق [عليه" أيضا وحينئذ" إن اقترن محل النطق بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل كان لغوا كقوله: واقعت في نهار رمضان، فقال عليه الكفارة، وكحديث الخثمعية.
وإما أن لا يقصد فهو كقوله عليه السلام في حق النساء: "أنهن ناقصات عقل ودين" الحديث. فإنه يدل على أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما، وكذلك يدل على أن أقل الطهر كذلك، إذ لو كان أكثر منه لذكره عند قصد المبالغة في نقصان دينهن لكنه ما قصد بيان هذا المعنى.
وإما أن لا يدل في محل النطق، بل في غيره"، فإما أن يكون موافقاً
"لحكم" المنطوق، أو مخالفا له، فهذه أقسام سبعة.
"أولها: ما يدل بالوضع".
وثانيها: ما يدل بغيره، لكن في محل النطق وهما مسميان بدلالة المنطوق، لكن يختص الأول منهما بالصريح، والثاني بغير الصريح.
وثالثها: وهو ما يدل في محل النطق: وهو مقصود يتوقف عليه الوجود أو الصدق وهو المسمى بدلالة الاقتضاء.
ورابعها: وهو ما اقترن محل النطق بحكم لو لم يكن للتعليل كان لغوا وهو المسمى بدلالة التنبيه والإيماء.
وخامسها: وهو أن لا يقصد وهو في محل النطق ويسمى دلالة الإشارة] نحو قوله عليه السلام في حق النساء ": إنهن ناقصات عل ودين" فقيل: يا رسول الله ما نقصان دينهن؟ فقال رسول الله عليه السلام: "تبقى إحداهن شطر دهرها لا تصوم ولا تصلي" فإنه يدل على أن أكثر
الحيض وأقل الطهر خمسة عشر يوما، إذ لو كان أكثر من ذلك لذكره عند قصد المبالغة في نقصان دينهن، لكنه بطريق الإشارة، أي بطريق التبعية من غير أن يقع قصد إلى بيانه، فالكلام في المثال الأول الذي أوردناه ما سبق لبيان
أكثر الحيض وأقل الطهر وإنما سبق لبيان نقصان الدين لا غير.
و"قد" ذكرت له الحنفية "لها" مثالا آخر وهو قوله تعالى:} للفقراء المهاجرين {الآية، فإنه يدل على أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء بطريق الإشارة إليه، أي بطريق التبعية من غير قصد إلى بيانه، إذ الآية سيقت لبيان استحقاقهم سهما من الغنيمة، لا لبيان أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالاستيلاء، لكن] وقعت [الإشارة إليه من حيث إن الله تعالى سماهم فقراء مع إضافة الأموال إليهم، والفقير اسم لعديم المال، لا لمن لا تصل يده إليه مع كونه مالكا له، فلو كانت أموالهم باقية على ملكهم] لكانت [التسمية المذكورة مجازا وهو خلاف الأصل.
وهو ضعيف، لأن التسمية وإن دلت على ما ذكروه، لكن إضافة الأموال إليهم يدل على بقاء ملكهم، إذ الأصل في الإضافة الملك فليس حملهم الإضافة على التجوز وإجراء التسمية المذكورة على الحقيقة أولى من العكس.
وسادسها: "وهو ما يدل في غير محل النطق ولكن وافق حكمه
حكمه وهو"] المسمى [بمفهوم الموافقة، كقوله تعالى:} فلا تقل لهما أف {فإنه يدل على تحريم الضرب وسائر أنواع الأذى بطريق الأولى.
وسابعها: "أن لا يوافق حكمه حكمه وهو المسمى" بمفهوم المخالفة كقوله عليه السلام: "زكوا عن سائمة الغنم"، فإنه يدل على عدم وجوب الزكاة عن المعلومات عند القائل به.
وكلام إمام الحرمين: يدل بصراحته على أن كل ما ليس منطوقا به (أي ليس بطريق الوضع) فهو مسمى بالمفهوم، وهو خلاف ما يفهم من المفهوم عند الإطلاق، بحسب الاصطلاح، ولعله يزعم: أنه وأن كان اسما عاما لجميع أنواع "غير" المنطوق، لكنه غلب في ذنيك النوعين أعني مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة.
وعند هذا "التقسيم" لا يخفى عليك حد المفهوم، بحيث يشمل النوعين وهو: أنه عبارة عما فهم من اللفظ في غير محل النطق مع أنه مقصود من.
والمنطوق وإن كان مفهوما أيضا من اللفظ لكنه لما اختص بالدلالة المنطقية اختص بالاسم المنطوق، وهذا على رأي إمام الحرمين سديد، وأما على ما ذكرنا فلا.
ثم هو على ما عرفت ينقسم إلى مفهوم الموافقة، وإلى مفهوم المخالفة.
أما مفهوم الموافقة: فهو الذي دل اللفظ من جهة المعنى على أن حكمه موافق لحكم المنطوق.
لكن بشرط] أن [يكون حكمه أولى من حكمه، أو مساويا له على اختلاف قول فيه "وسيأتي ذكره".
ويسمى "بفحوى الخطاب" و "لحن الخطاب" أي معنى الخطاب، قال الله تعالى:} ولتعرفنهم في لحن القول {أي معناه.
والشافعي رضي الله عنه يسميه بالقياس الجلي أيضا، والحنفية تسميه بدلالة النص، ثم منهم من لا يمتنع من تسميته قياسا جليا أيضا، ومنهم من منع من ذلك نحو الشيخ أبي زيد الديوسي وغيره.
وهل من شرطه أن يكون الحكم فيه ثابتا بطريق الأولى من المنطوق، أو لا يشترط ذلك، بل يشترط أن لا يكون دونه، حتى لو كان في رتبته كان من هذا القبيل فيه اختلاف قول، إذ كلام الأكثرين يدل على الأول".
وكلام الشيخ الغزالي رحمه الله صريح باشتراط الأمر الثاني، دون الأول، فلا يحسن على رأيه "أن" يجعل مفهوم الموافقة من باب التنبيه بالأدنى (322/أ) على الأعلى، بل قد يكون منه ذلك، وإنما يحسن ذلك على رأي الأولين.
وتسمية الشافعي رضي الله عنه إياه بالقياس الجلي، يشعر بالرأي الثاني، فإنه ليس من شرط القياس الجلي أن يكون الحكم في المقيس أولى من المقيس عليه، بل لا يشترط فيه إلا أن يكون علة الحكم سابقة إلى الفهم عند سماع الحكم، فلا يحسن أن يقال على رأي الأولين: إن مفهوم الموافقة هو القياس الجلي، بل هو "عندهم" أخص منه، ولو سمى به لكان من باب تسمية الخاص بالعام، وعليه ينزلون تسمية الشافعي رحمه الله إياه بالقياس الجلي.
ثم اعلم أنه ينقسم إلى قطعي: وهو الذي دل النص على حكمه بفحواه، وسياق الكلام، ومعرفة المقصود منه في محل النطق، نحو قوله تعالى:} فلا تقل لهما أف {فإنه إنما يدل على تحريم الضرب والشتم،
لأنه عرف قطعا أن المقصود منه احترام الوالدين وتعظيمهما وإلا فمجرد النهي عن التأفيف لا يدل] عليه [على سبيل القطع، ألا ترى أنه يحسن من السلطان المستولي على سلطان آخر منازع له في ملكه، أن يأمر أعوانه بقتله وينهاهم عن ضربه وتأفيفه إذا كان المقصود من قتله دفع منازعته في الملك، ومزاحمته إياه فيه وهو غير حاصل من الضرب، والتأفيف.
فلو كان ذلك بمجرد دلالة اللفظ لما حسن ذلك، كما إذا أمرهم بتأفيفه وعرف أن مقصود منه إهانته ثم يناهم عن الشتم والضرب، وهذا القسم مما لا يعرف خلافا في حجيته، بل أطبق الكل على حجيته، حتى المنكرون للقياس، وإنما اختلفوا في أن دلالته لفظية أم قياسية على ما سيأتي ذكره.
وإلى ظنى: هو الذي لم يعرف المقصود من الكلام قطعا، وإن كان المسكوت عنه أولى بالحكم المنطوق، لكنه في الظاهر، لاحتمال معنى آخر هناك لم يدل على سياق الكلام ولا غيره على الغاية قطعا، نحو قوله تعالى:} ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة {.