الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا النوع من البيان يستحيل أيضا على الله تعالى.
وتارة بأن يفعل فعلا يعلم أنه قصد بذلك بيان ما أمر به من الأفعال على الإجمال، وغنما يعلم ذلك بما سبق من الطرق الدالة على كون الفعل بيانا.
المسألة الثانية
في أن القول مقدم على الفعل في البيان
.
اعلم أن القول والفعل إما أن يتوافقا في البيان أو يتنافيا في ذلك وعلى التقديرين، إما أن يعلم التاريخ بينهما أو لا يعلم ذلك فهذه أقسام ستة:
أحدها: أن يكون القول مقدما على الفعل الموافق له في البيان.
فهاهنا البيان مضاف إلى القول لتقدمه في إفادة التعريف المعني عن تعريف آخر، وحمل الثاني على التأكيد.
وقيل: إن كان الفعل أضعف دلالة على البيان من ذلك القول، فإن
الفعل قد يكون أقوى دلالة على البيان من القول، وإن كان مفتقرا إليه في الجملة، لا في كل موضوع، وذلك حيث علم بالضرورة بسبب قرائن الأحوال أنه قصد به البيان، والألفاظ المستعملة في القول تكون دلالتها على الوصف ضعيفة لم يجز أحالة إصداره إلى تأكيد البيان لاستحالة تأكيد الشيء بما هو دونه في الدلالة، بل حمل على أنه فعل لغرض آخر، نحو قصد الامتثال "وغيره" وإن كان أقوى أو مساويا حمل على التأكيد، إذ الحمل عليه أكثر فائدة.
وفيه نظر: لأنا لا نسلم أنه لا يجوز تأكيد الشيء بما هو دونه في الدلالة، وهذا لأنه لا معنى للتأكيد إلا تقوية المفهوم الأول، والشيء قد يتقوى بما هو دونه إذا انضم إليه، ألا ترى أن المتعارضين إذا انضم إلى أحدهما ما هو أضعف دلالة منه فإنه يترجح على صاحبه.
وثانيها: أن يعلم تقدم الفعل على القول، فهاهنا / (294/ب) أيضا البيان مضاف إلي الفعل لما سبق، وأما القول بكون الثاني تأكيدا أم لا فكما سبق.
ثالثها: أن لا يعلم التاريخ بينهما، فهاهنا حكم على الجملة بأن الأول منهما بيان، والثاني تأكيد.
وقيل: وإن كانا متساويين كان الأمر كما ذكرتم، وإن كانا مختلفين.
فالأشبه أن المرجوح هو المتقدم، لأنا لو فرضنا عكسه لضاع الإتيان بالمرجوح، إذ لا يمكن الحمل على التأكيد لما سبق، ومنصب الشارع يصان عن الإتيان بما لا يفيد.
وهذا الذي ذكره غير لازم، لأنه لا يلزم من أن لا يكون تأكيدا أن لا يكون فعله مفيدا أصلا لما عرفت، نعم: الحمل على التأكيد أولى، لأنه أكثر فائدة.
ورابعها: أن يتقدم القول الفعل وهما متنافيان فيه.
فهاهنا البيان إنما هو بالقول، وحمل الفعل على الندب، إن كان القول دل على الوجوب مثلا، او غيره فيما يليق به من المحامل، ولا يحمل على الحكم الذي دل عليه القول، لئلا يلزم التخصيص أو النسخ إمام عموما أو خصوصا أعني في حقه خاصة.
وخامسها: أن يتقدم الفعل القول، فهاهنا البيان مضاف إلى الفعل أيضا، ثم إن أمكن تنزيل اللفظ على مجمل لا يلزم منه التنافي فعل، وإن لم يمكن، فإما أن يكون عاما متناولا له، ولأمته، أو لأمته فقط، أو يكون
خاصا به، فإن كان خاصا به جعل ناسخا لحكم الفعل في حقه عليه السلام لا غير.
أما الأول: فللضرورة فإنا لو لم نحمل عليه لزم إهماله ولا يخفى أن أعمال الدليل ولو بطريق النسخ خير من إهماله.
وأما الثاني: فلأنه لا يعارض الفعل في مقتضاه في حق غيره عليه السلام.
وإن كان متناولا لأمته فقط جعل الفعل بيانا في حقه فقط، والقول في حق أمته.
وهذا وإن كان على خلاف الغالب، إذ الغالب المشاركة في الأحكام وتخصيصه ببعض الأحكام نادر، لكنه أولى من النسخ والإهمال اللازم على تقدير أن لا يجعل كذلك، وإن كان متناولا له ولأمته فالحكم ما سبق في الثاني، لأنه لا يلزم على هذا إلا التخصيص وهو خير من النسخ والإهمال "اللازم" على تقدير التعميم.
وقال أبو الحسين البصري: المتقدم هو البيان في القسمين.
فإن أراد به: أنه بيان في حق الكل فهو ضعيف، لأنه يلزمه تعطيل
القول.
وسادسها: أن لا يعلم التاريخ بينهما، نحو ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من قرن الحج إلى العمرة فليطف لهما طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا" وروى عنه / (295/أ)] عليه [السلام: "أنه قرن فطاف لهما طوافين وسعى سعيين" فهاهنا القول هو المتقدم في كونه بيانا، وقدر أنه ورد قبل الفعل.