الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول صلى الله عليه وسلم يتزوج خديجة:
وتشير روايات كثيرة إلى تفاصيل تتعلق بزواج الرسول صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين خديجة التي كانت ثريّة تضارب بأموالها، وتحدد هذه الروايات بداية التعارف عن طريق عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في تجارة خديجة!
ولا حاجة بنا إلى تحقيق القول في تلك الروايات (1)، فالثابت يقيناً أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وهي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، يقول ابن حجر (2): تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي، وهي من أقرب نسائه إليه في النسب، ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها -إلا أم حبيبة- وتزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور، زوجه إياها أبوها خويلد، ذكره البيهقي في حديث الزهري، بإسناده عن عمار بن ياسر، وقيل: عمها عمرو بن أسد، ذكره الكلبي، وقيل: أخوها عمرو بن خويلد، ذكره ابن إسحاق، وكانت قبله عند أبي هالة بن النباش بن زرارة التميمي، حليف بني عبد الدار، واختلف في اسم أبي هالة، فقيل: مالك، قاله الزبير، وقيل: زرارة، حكاه ابن منده، وقيل: هند، جزم به العسكري، وقيل: اسمه النباش، جزم به أبو عبيد، وابنه هند روى عنه الحسن بن علي فقال:"حدثني خالي" لأنه أخو فاطمة لأمها، ولهند هذا ولد اسمه هند، ذكره الدولابي وغيره، فعلى قول العسكري هو ممن اشترك مع أبيه وجده في الاسم، ومات أبو هالة في الجاهلية!
(1) انظر: عيون الأثر: 1: 47 وما بعدها، وشرح المواهب: 1: 200، والطبقات: 1: 131 وما بعدها، ومصنف عبد الرزاق: 5: 319 - 321.
(2)
فتح الباري: 7: 167، الريان ط. ثانية 1409 هـ - 1988 م.
وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائذ الرومي!
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة قد سافر في مالها مقارضاً إلى الشام!
قال الزبير: وكانت خديجة تدعى في الجاهليّة (الطاهرة)، وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر رمضان، وقيل بثمان، وقيل بسبع، فأقامت معه صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة على الصحيح، وقال ابن عبد البر، أربعاً وعشرين، وأربعة أشهر!
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج خديجة رضي الله عنها بعد أن بلغ الخامسة والعشرين، فإنه لم يعرف عنه أنه فكر في الزواج من قبل هذه السن (1)؛ لأنه كان عفًّا كريماً، لم يقع منه في طفولته، ما يشين الكرامة .. وهو ليس حصوراً، كما دلت على ذلك حياته من بعد، وما كان خاملاً في قومه، بل هو الذي إذا خطب لا تُرَدُّ خطبته، وكان فيه خُلُق قويم يجعل القلوب تهفو إليه، وفيه جمال يجعل الأنَظار تتعلق به، وتشرئب الأعناق إليه!
نعم، إنه لم يكن غنيًّا، ولكنه تعود منذ نعومة أظفاره أن يكون عاملاً، فرعى الغنم، ثم اتّجر، وإذا كان الاتجار لم يأت بمال موفور يرفعه إلى الثراء، فقد كان فيه الاكتفاء، فلماذا إذن تأخر في الزواج؟
إن الذي نلمسه من تاريخ حياته في ابتدائها، حتى صار شابًّا ممتلئ الشباب أنه ما كان يعير شهوات البدن اهتماماً، فليس للنساء موضع في تفكيره .. وما كان محمد في أي دور من أدوار حياته يهتم بما يهتم به الشباب في هذه الفترة من حياتهم، لا عن ضعف في النفس، ولكن عن قوة فيها، وهمة عالية تتجه
(1) خاتم النبيّين: 1: 188 بتصرف.
إلى معالي الأمور، وعزيمة صادقة، وإرادة قوية، لا تجعل للهوى سلطاناً عليها، بل تجعل كل العواطف تحت سلطانها والغايات العليا هي التي تجذبها!
وهنا نبصر بسط الرزق والزواج المبارك، بعد حياة رعي الغنم والعمل في التجارة، وكيف كانت المنحة بعد المحنة، وكيف كان التوافق، فهي امرأة شريفة، ذات ثراء، وهو رجل كامل عامل قوي أمين، أغناها بأمانته، وكفلها برجولته، ووجه مالها إلى الخير، بحسن نيّته، وطيب طويّته!
وقد كان يعمل لها في المال من قبل بأجر، تطيب به نفسها، ويكسب مالها على يديه أضعاف أضعاف ما عند الآخرين .. ولو استمر يعمل في مالها ومال غيرها، لأدرّ عليه الكثير الكثير .. ولو كان يبتغي المال وأعراض هذه الدنيا، لنال الشباب والمال معاً!
ولكنه صلى الله عليه وسلم رأى أن يعمل في مالها بغير أجر، وأن يضاعفه بغير ثمن، وأن تكون أم ولده، لطيب عرفها، وشرف نسبها، وقد تخيّر لنطفته، فاختار أكمل امرأة في قريش، وأعلاها في المكرمات كعباً، وقد اختارها الله تعالى لتكون له ردءاً في شدائده، تواسيه بالكلمة والعطف والحنان، في وقت اشتد فيه البلاء، وعظم الابتلاء، فأعنته المخالفون، وكان عزيزاً عليه أن يُعنتهم، فكان في حاجة ماسّة إلى من يأوي إليه، كما هو في حاجة ماسة إلى من يذود عنه!
وإذا كانت امرأة نوح وامرأة لوط قد تخاذلتا عن معاونة النبيّيْن الصالحيْن، فإن خديجة أعلت شأن النساء قاطبة، فكانت الزوج الملهمة المواسية، الودود العطوف الولود، حين يلقى قريشاً وصدودها، وعداوتها وجفوتها، يجد في بيتها برداً وسلاماً!