الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأخذ يبحث عن معالم الدّين الحق، فتأمل وأطال التفكير في الكون، والنصوص والعقائد التي يدين بها، وأعاد قراءة الأناجيل من جديد، محاولاً جهده أن يراها تتسم بسمة الحق، فيؤمن بابن الله، وبالكاثوليكيّة، فرأى فيها ما يتنافى مع الصورة المثلى للإنسان الكامل، فضلاً عن الصورة التي تريد المسيحيّة أن توحي بها (1)!
وأداه بحثه في الأناجيل، وقيمتها التاريخيّة إلى قوله:
(لا شك أن الله أوحى الإنجيل إلى عيسى بلغته ولغة قومه، ولا شك -أيضاً- أن هذا الإنجيل قد ضاع واندثر، ولم يبق له أثر، أو أنه باد، أو أنه قد أُبيد، ولهذا قد جعلوا مكانة (توليفات) أربعاً، مشكوكاً في صحتها، وفي نسبتها التاريخيّة، كما أنها مكتوبة باللغة اليونانيّة، وهي لغة لا تتفق طبيعتها مع لغة عيسى الأصليّة التي هي لغة سامية، لذلك كانت صلة السماء بهذه الأناجيل اليونانيّة أضعف بكثير من صلتها بتوراة اليهود) (2)!
ورأى في النهاية في وضوح: (أن الديانة الكاثوليكيّة لا تتحمل البحث والمناقشة؛ فقد أظهرت الأدلة العديدة -سواء أكانت أخلاقيّة أم تاريخيّة أم علميّة أم لغويّة، أم سيكولوجيّة، أم دينيّة- أن الكاثوليكيّة ملأى بالأغلاط الواضحة)!
ولم يمكنه أن يقول ما قال (أوغسظين) مما يعتبر شعار كل مسيحي:
(إنني أؤمن بذلك؛ لأن ذلك غير معقول)(3)!
(1) انظر مقدمة المرجع السابق: 10.
(2)
المرجع السابق: 11 نقلاً عن: أشعة خاصة بنور الإسلام.
(3)
المرجع السابق.
وثار شعوره الديني على أوضاع مبهمة، وألفاظ غامضة، ومشكلات لا تحل، وانتهى به المطاف، بعد بحث وجدل ومناظرات وتأملات، إلى رفض المسيحيّة، وبلغت حيرته حينئذ أشدها، ولكن اليأس لم يتطرق إلى نفسه قط، وإذا لم يجد الهداية في المسيحيّة، فليس معنى ذلك أنه لم يجدها مطلقاً، فالحقيقة عزيزة المجال، ولكنها موجودة!
ورأى (دينيه) أن يتجه إلى العقل، يستمد منه الهداية إلى الطريق المستقيم، ولكنه انتهى إلى أن العقل عاجز في ميدان ما وراء الطبيعة، وفي الواقع:
(يسعى كثير من ذوي العقول المستنيرة -بعد أن أفاقوا من غفلتهم، وبعد أن رأوا إخفاق مذهب استقلال العقل بالمعرفة- لتعرف طريق الهداية، وأن مذهب الحس الذي يتهافتون عليه خلف حامل لوائه المسيو (برجسون) الشهير، هو عبارة عن رد فعل واضح لمذهب استقلال العقل بالمعرفة، أو هو -وهو الأصح- رد فعل لعجز هذا المذهب)!
فقد جدّد هذا المفكر -في قلوب الناس النَهمين إلى الإيمان- آمالاً كان يظهر أنها ضاعت ضياعاً نهائيًّا، فهو يأذن لهم بأن يأملوا في خلود الروح، ويقول لهم:(إن الدنيا ليست مشتبكاً عظيماً لقوى عمياء، وإن العقل ليس هو الطريقة الوحيدة للمعرفة)(1)!
أخفقت المسيحيّة في إرضاء ضميره الديني، وأخفق العقل في قيادته إلى النور، وتلفت حوله ونظر: ماذا فعل أمثاله ممن شكّوا في المسيحيّة، وشكّوا في العقل، وهداه الله لـ (الدّين القيّم)(2)!
(1) المرجع السابق: 12.
(2)
انظر المرجع السابق: 12 وما بعدها.