الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسي يذكره عندما يلاقي الشدائد في الدعوة إلى الحق، ومناوأة الباطل، وتكاتف المشركين عليه، وتعرضه للأذى، والتجائه إلى الله!
أم أيمن:
وإن الذي حمله، وحل محل أمه في حضانته أم أيمن، وإذا كانت لم تعطه حنان الأم، وعزة العطف، فقد كلأته وحمته!
وإن ارتباط حياته الطاهرة بأم أيمن تزويد من الله تعالى به بزاد إنساني، ليشعره بأن الناس كلهم لآدم، وأن كل الفضل فيمن يُحسن في عمله، لا فيمن يفاخر بنسبه وكفى، وإنها لحكمة عالية أن تكون الحاضنة التي لا يستغني عنها الرسول صلى الله عليه وسلم حبشيّة؛ لأنه تربية ربانيّة على المساواة الإنسانيّة، وأنه لا شرف إلا بالعمل والعاطفة، لذلك لم يكن غريباً أن تعطيه حب الأمومة، وإن كان دون حب أمّه آمنة، وأن تصل به إلى جده محوطاً بعناية الله ثم بعطفها!
وهكذا كان قدر الله رصداً لوفاة عبد الله قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم!
ووفاة آمنة وهي في طريق عودتها بالنبي صلى الله عليه وسلم من تلك الزيارة إلى (مكة) البلد الحرام!
وهكذا كان الرسول يتيم الأبوين، ليستخلصه الله بالتربية، ويصطنعه بالتأديب، حتى تكون نشأته ربانيّة خالصة، ويكون تأديبه إلهيًّا خالصاً، فتتم له النعمة، وتعظم من الله عليه المنّة!
وأي يتم أبلغ في النفس أثراً وأعمق في القلب ألماً من يتم يتلاحق فيه الأبوان قبل أن تشتد لصروف الحياة قناة اليد؟!
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)} :
وهنا نبصر رحمة الله بخاتم رسله في آيات متعبّدة متلوة آناء الليل وأطراف النهار: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)} (الضحى)!
وماذا عسى أن يفعله عبد الله لابنه لو بقي حياً؟ (1)!
أكان يربّيه ليهب له النبوة؟
ما كان له ذلك؛ لأن الأب عنصر واحد من عناصر شتى، تتحكّم في مستقبل الطفل، وتحفر له في الحياة مجراه!
ولو كانت النبوة بالاكتساب ما قرّبتها حياة الوالد شبراً، فكيف وهي اصطفاء؟!
كان يعقوب حيًّا يرزق، له شيخوخته وتجربته وحكمته، بل له نبوّته، وقد نظر يوماً فلم يجد يوسف قريباً منه، إنه فقده في أخطر فترات العمر، فترة الصبا اللدن واليفاعة الغضة، ومع فساد البيئات التي احتوت يوسف فقد كان باطنه ينضح بالتقى والعفاف، كما يتقد المصباح في أعماء الليل المدلهم، فلما التقى الابن بوالده بعد لأي، رأى يعقوب ابنه نبيًّا صدّيقاً .. لقد ولّى عبد الله، وترك ابنه يتيماً، وكذلك آمنة، وكان اليتم الذي تلاحق -كما أسلفنا- بيد أن هذا اليتم المتلاحق كان يعد من اللحظة الأولى لأمر جلل، أمر يصبح به الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيّين وإمام المصطفين الأخيار، وما الأب والجد، ما
(1) فقه السيرة: الغزالي: 59 بتصرف.