الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية للدارمي، قال كعب:(نجده مكتوباً محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، وأمته الحمادون، يكبرون الله عز وجل على كل نجد، ويحمدونه في كل منزلة، ويتأزرون على أنصافهم، ويتوضؤون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل، ومولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وملكه بالشام)(1)!
قال ابن حجر (2): والملة العوجاء: أي ملة العرب، ووصفها بالعوج لما دخل فيها من عبادة الأصنام، والمراد بإقامتها: أن يخرج أهلها من الكفر إلى الإيمان!
والأميون: هم العرب (3)!
7 - أشهر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
-:
وحسبنا بعد ذلك أن نقرأ قول الحق تبارك وتعالى:
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ
= في الدر المنثور: 3: 131، والبيهقي في "الدلائل": 1: 373 وما بعدها، وانظر: ابن سعد: الطبقات: 1: 360، والأصبهاني في "الدلائل"(128).
(1)
الدارمي: 1: 4 - 5.
(2)
فتح الباري: 4: 343 ط. الرياض.
(3)
المرجع السابق: 8: 586.
يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)} [الصف]!
وإيذاء بني إسرائيل لموسى -وهو منقذهم من فرعون وملئه، ورسولهم وقائدهم ومعلمهم- إيذاء وتطاول، ومتعدد الأولوان (1)، وجهاده في تقويم اعوجاجهم جهاد مضن عسير شاق!
وهناك صور شتى متنوعة من صور هذا الإيذاء وذلك العناء، حيث كانوا يتسخّطون على موسى عليه السلام وهو يحاول مع فرعون إنقاذهم، ويتعرض لبطشه وجبروته، وهم آمنون بِذِلَّتهم لهّ فكانوا يقولون له لائمين متبرمين:
{أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف: 129]!
كأنهم لا يرون في رسالته خيراً، أو كأنما يحملونه تبعة هذا الأذى الأخير!
وما كاد ينقذهم من ذل فرعون باسم الله الذي أنقذهم من فرعون وأغرقه وهم ينظرون، حتى مالوا إلى عبادة فرعون وقومه:{فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} الأعراف: 138)!
وما كاد يذهب لميقات ربه على الجبل، ليتلقى الألواح، حتى أضلهم السامري:{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88)} [طه]!
ثم جعلوا يتسخّطون على طعامهم في الصحراء: المن والسلوى، فقالوا:
(1) في ظلال القرآن: 6: 3555 بتصرف.
وفي حادث البقرة التي كلفوا ذبحها ظلوا يماحكون ويتعللون ويسيئون الأدب مع نبيهم وربهم، وهم يقولون:{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة: 68]!
{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة: 69]!
{ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [البقرة: 70]!
{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)} [البقرة]!
وأمام الأرض المقدسة التي بشرهم الله بدخولها وقفوا متخاذلين يصعِّرون خدهم في الوقت ذاته لموسى:
فلما كرر عليهم التحضيض والتشجيع تبجّحوا وكفروا:
ذلك إلى إعنات موسى بالأسئلة والاقتراحات والعصيان والتمرد، مما يطول الحديث فيه!
وتذكر الآيات التي بدأنا بها هاهنا قول موسى لهم في عتاب ومودة:
{يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} !
وهم يعلمون عن يقين، إنما هي لهجة العتاب والتذكير!
وكانت النهاية أنهم زاغوا بعد ما بذلت لهم كل أسباب الاستقامة!
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} !
وبهذا انتهت قوامتهم على دين الله، فلم يعودوا يصلحون لهذا الأمر، وهم على هذا الزيغ والضلال!
ثم جاء عيسى ابن مريم .. جاء ليقول لبني إسرائيل:
في هذه الصيغة التي تصور حلقات الرسالة المترابطة يسلم بعضها إلى بعض .. وهي متماسكة في حقيقتها، واحدة في اتجاهها، ممتدة من السماء إلى الأرض، حلقة بعد حلقة في السلسلة الطويلة المتصلة، وهي الصورة اللائقة بمنهج الحق، فهو منهج واحد في أصله، متعدد في صوره .. وفق استعداد البشريّة وحاجاتها وطاقاتها .. ووفق تجاربها ورصيدها من المعرفة، حتى تبلغ مرحلة الرشد العقلي والشعوري، فتجيء الحلقة الأخيرة في الصورة الأخيرة كاملة شاملة، تخاطب العقل الراشد، في ضوء تلك التجارب، وتطلق هذا العقل يعمل في حدوده، داخل نطاق المنهج المرسوم للإنسان في جملته، المتفق مع طاقاته واستعداداته:
وتطالعنا البشارة: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} !
يروي الشيخان وغيرهما عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي
الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدميّ، وأنا العاقب" (1)!
وفي رواية لمسلم وغيره عن أبي عبيدة، عن أبي موسى الأشعري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه بأسماء. فقال (2): "أنا محمد، وأنا أحمد، والمقفّى، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة"!
قال ابن القيّم: الفرق بين محمد وأحمد من وجهين:
(أحدهما: أن (محمداً) هو المحمود حمداً بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه. و (أحمد) أفعل تفضيل من الحمد، يدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره!
فمحمد زيادة في حمد في الكميّة، وأحمد زيادة في الكيفيّة، فيحمد أكثر حمد، وأفضل حمد حمده البشر!
والوجه الثاني: أن (محمداً) هو المحمود حمداً متكرّراً -كما تقدم-
(1) البخاري: 61 - المناقب (3532)، وانظر (4896)، ومسلم (2354)، وأحمد: 4: 80، 84، والطيالسي (924)، وعبد الرزاق (19657)، والحميدي (555)، وابن سعد: 1: 105، وابن أبي شيبة: 11: 457، والترمذي (2840)، والشمائل (360)، وأبو يعلى (7395)، والطحاوي: شرح المشكل (1150)، والطبراني: الكبير (1520 - 1530)، والآجري: الشريعة: 462، وأبو نعيم:"الدلائل"(19)، والبيهقي:"الدلائل": 1: 152 - 154، والبغوي (3629، 3630)، وابن أبي عاصم: الآحاد والمثاني (473)، وابن عبد البر: التمهيد: 9: 153، والفاكهي: أخبار مكة (1871)، وابن حبان (6313).
(2)
مسلم: 43 - الفضائل (2355)، والبيهقي: 1: 156 - 157، وابن أبي شيبة: 11: 457، وابن سعد: 1: 104 - 105، وأحمد: 4: 395، 404، 407، والطحاوي: شرح مشكل الآثار: 2: 51، والطبراني: الصغير (217)، والحاكم: 2: 604، وابن حبان (6314).
و (أحمد) الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره. فدل أحد الاسمين -وهو (أحمد) - على كونه محموداً. ودل الاسم الثاني -وهو (أحمد) - على كونه أحمد الحامدين لربه. وهذا هو القياس؛ فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من فعل الفاعل، لا من فعل المفعول، ذهاباً إلى أنهما إنما يصاغان من الفعل اللازم لا المتعدي، ونازعهم آخرون وجوزوا بناءهما من الفعل الواقع على المفعول، لقول العرب:(ما أشغله بالشيء)!
إلى أن قال: والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم سُمِّي (محمَّداً) و (أحمد)؛ لأنه يحمد أكثر مما يحمد غيره، وأفضل مما يحمد غيره، فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا هو المختار. وذلك أبلغ في مدحه، وأتم معنى. ولو أريد به اسم الفاعل لسمي (الحماد) وهو كثير الحمد، كما سمي (محمداً)، وهو المحمود كثيراً، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق حمداً لربه. فلو كان اسمه باعتبار الفاعل، لكان الأولى أن يسمى (حمادًا)، كما أن اسم أمته (الحمادون). وأيضاً فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى (محمّداً) و (أحمد)، فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السموات والأرض. فلكثرة خصائله التي تفوت عد العادين سمي باسمن من أسماء الحمد، يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة) (1)!
تلك أشهر أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك، جمعها الحافظان: أبو بكر البيهقي، وأبو القاسم بن عساكر، وأفرد الناس في
(1) تفسير القاسمي: 16: 5789 - 5790.