الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا نبصر الحياة في سرائها وضرائها، في كريهتها ومنشطها، في ضيقها ورخائها .. ونبصر من عاش مع الضعفاء شاعراً بضعفهم وبإحساسهم، لا يسير وراء الأماني والأحلام!
ثم جاء المال، فكان الشاكر الذي يفيض بالخير على غيره، ويعلم حق المال في مورده ومصرفه معاً، فلا يكسب إلا من طيب، ولا ينفق إلا في طيب، وهو في كسبه وإنفاقه لا يكون إلا نافعاً، فكسبه طيّب، وصرفه طيّب!
وهكذا نبصر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة أنه ضرب للناس أعلى مثل للعامل الصابر، والغني الشاكر الذي عاش كالضعفاء في غناه، فكان غني النفس في الحالتين!
الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل في بناء الكعبة:
والناظر إلى موضع الكعبة المشرفة من مكة المكرمة، يراها في مطمئن من الأرض (1)، تحيط بها الجبال من كل جانب، مما جعلها في الأزمنة الغابرة قبل أن يعمر ما حواليها بالبيوت والمساكن، ومشيد البنيان، عرضة لجوارف السيل، وقد خافت قريش عواقب ذلك على البيت أن تهدمه السيول، فأقامت ردماً من حوله جعلوه مطلاً على البيت لحمايته، فكانت السيول تأتي من فوق هذا الردم حتى كادت تزيله، وكانت تعلوه حتى تدخل البيت، فتصدع وخافوا أن ينهدم، وكانت أبواب البيت لاطئة بالأرض، فسرقت خزائنه وهداياه التي كانت تهدى إليه، فتلقى في بئر داخله، فاجتمعت قريش وقالوا: لو بنينا بيت ربنا، وكان البيت شرفهم وعزهم، فقسموه أرباعاً واقترعوا عليه!
(1) محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1: 187 وما بعدها بتصرف.
ولما أجمعوا أمرهم على بناء الكعبة وبنيانها، قام فيهم أبو وهب ابن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم -كما قال ابن إسحاق- (1) فقال لهم:(يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيباً، لا يدخل فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس)!
وعند موسى بن عقبة: أن الذي أشار عليهم بذلك هو الوليد بن المغيرة المخزومي، وأنه قال فيهم:(لا تجعلوا فيه مالاً أُخذ غصباً، ولا قطعت فيه رحم، ولا انتهكت فيه ذمة)(2)!
ثم أخذوا في البناء على مواضعهم، وقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم في البناء (3)، فلما انتهوا إلى حيث يوضع الركن الأسود من البيت قالت كل قبيلة:(نحن أحق بوضعه، واختلفوا حتى خافوا القتال، ثم جعلوا بينهم حكماً أول من يدخل من باب بني شيبة، فيكون هو الذي يقضي بينهم، فكان أول داخل عليهم من ذلك الباب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى أحمد من حديث السائب بن عبد الله بسند حسن، وفيه: فقال بطن من قريش: نحن نضعه، وقال آخرون: نحن نضعه، فقالوا: اجعلوا بينكم حكماً، قالوا: أول رجل يطلع علينا من الفج، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتاكم الأمين، فقالوا له، فوضعه في ثوب، ثم دعا بطونهم، فأخذوا بنواحيه، فوضعه هو صلى الله عليه وسلم)(4)!
(1) السيرة النبوية: ابن كثير: 1: 277.
(2)
فتح الباري: 7: 181 دار الريان، ط. ثانية 1409 هـ 1988 م.
(3)
انظر: البخاري: 63 - مناقب الأنصار (3829)، ومسلم: 3 - الحيض (340)، وعبد الرزاق: 5: 102 - 104، والسيرة: الذهبي: 30.
(4)
أحمد: 3: 425، وانظر: الفتح الرباني: 20: 250 - 201، والسيرة النبوية: ابن كثير: 1: 281، ومنحة المعبود: 2: 86 (2316).