الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأجيال، جيلاً إثر جيل، وبلغت دعوة إبراهيم العامة مداها في الانتشار، وتكاثر ولد إسماعيل، حتى كانوا غمرة العرب وجمهرتهم، وسادوا وتسيّدوا، وتشعبوا وتفرعوا، ملؤوا السهل والجبل، ونزلوا الوديان، وتسنموا المكانة الرفيعة!
بيد أنهم إذ كثر عددهم، نسوا دعوة أبيهم إبراهيم عليه السلام وهم في غمرة الحياة الجاهلة، وجهلوا منها الحقيقة الكبرى، حقيقة التوحيد، وأوغلوا في وثنيّة بليدة، وكانت الوثنيّة الأولى يضاهئون بها وثنيّة فجور من قبلهم في أمم الفلسفة الضالة!
2 - دعوة إبراهيم عليه السلام:
وثاني ما يطالعنا: دعوة إبراهيم عليه السلام، فقد تنفّس الغيب، وبدت إشراقة الفجر الجديد، ترسل أشعتها من أفق (الربوة الحمراء) وتعالى صوت الحق في ترنيمة الرسالة العظمى، رسالة التوحيد والعلم والطُّهر، علم الكتاب والحكمة، لا علم الهلوسة والفلسفة الضالة .. ورتّل القدر مرة أخرى ضراعة أخرى للخليل في دعوته الخاصة، بعد أن حقق الله له دعوته العامة، وكانت هذه الدعوة الخاصة هي ميراث الحياة في خُلّة الخليل، والعنوان المشرق في ملّته الحنيفيّة، والكلمة الباقية من نبوته ورسالته، وجاءت هذه الدعوة متوافقة تمام التوافق مع نَفَس الغيب في إشراقة الفجر، وكان الإلهام سر الوجود في ضراعة خاصة، يطلب فيها إظهار مكنون الغيب حين يحين الحين:
وكانت الاستجابة هي بعثة محمد خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم بعد قرون وعمرون (1) .. بعثة رسول من ذريّة إبراهيم وإسماعيل يتلو عليهم آيات الله، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويطهرهم من الأرجاس والأدناس .. ولهذا الدعاء دلالته ووزنه فيما كان شجر بين أهل الكتاب والجماعة المسلمة من نزاع عنيف متعدد الأطراف، فإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قالا وهما يرفعان قواعد البيت باللسان الصريح:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} !
وهما بهذا يقرران وراثة الأمة المسلمة لإمامة إبراهيم .. ووراثتهما للبيت الحرام سواء!
يروي الحاكم وغيره بسند صحيح عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك؟ فقال: "دعوة أبي إِبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له بصرى، وبصرى من أرض الشام"(2)!
(1) في ظلال القرآن: 1: 115.
(2)
الحاكم: 2: 600 وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، والطبري: 1: 556 ط. ثالثة، الحلبي 1388 هـ - 1968 م، وابن كثير: البداية: 2: 275 قال: قال ابن إسحاق: ثنا ثور ابن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك؟ قال: "نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج نها نور أضاءت له قصور الشام، واسترفعت في بني يعد بن بكر
…
" الحديث. ثم قال: وهذا إسناد جيد قوي، وابن إسحاق قال: وحدثني ثور بن يزيد، عن بعض أهل العلم، ولا أحسب إلا خالد بن معدان الكلاعي، أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله! أخبرنا عن نفسك؟ قال: "نعم
…
" الحديث: السيرة النبويّة: ابن هشام: 1: 219 - 220 مكتبة المنار، الأردن، ط. أولى 1409 هـ - 1988 م، وأحمد عن أبي أمامة قال: قلت: يا =