المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌9 - ميثاق النبيين: - الجامع الصحيح للسيرة النبوية - جـ ٢

[سعد المرصفي]

فهرس الكتاب

- ‌«بشارات النبوة وميثاق النبيين»

- ‌مقدمة

- ‌العصر الجاهلي

- ‌1 - أحط أدوار التاريخ:

- ‌2 - الصحف السماويّة في ميزان العلم والتاريخ:

- ‌3 - العهد القديم:

- ‌المرة الأولى:

- ‌والمرة الثانية:

- ‌والمرة الثالثة:

- ‌شواهد من دائرة المعارف اليهوديّة:

- ‌4 - العهد الجديد:

- ‌شهادة إيتين دينيه (ناصر الدين)

- ‌وأداه بحثه في الأناجيل، وقيمتها التاريخيّة إلى قوله:

- ‌شواهد داخلية:

- ‌5 - الإمبراطوريّة الرومانية الشرقية:

- ‌6 - الإمبراطوريّة الإيرانيّة:

- ‌7 - {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}:

- ‌8 - الجزيرة العربية:

- ‌9 - أوروبا:

- ‌10 - ظلام مطبق وليل دامس:

- ‌11 - {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}:

- ‌12 - الحاجة إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌بشارات النبوّة

- ‌تمهيد:

- ‌1 - البشارة الأولى:

- ‌2 - البشارة الثانية:

- ‌3 - البشارة الثالثة:

- ‌4 - البشارة الرابعة:

- ‌5 - البشارة الخامسة:

- ‌6 - رواية البخاري وغيره لصفات النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة:

- ‌7 - أشهر أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌8 - أسماؤه في الشعر:

- ‌9 - ميثاق النبيّين:

- ‌10 - القرآن يسجل على أهل الكتاب يقينهم بمعرفة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌خصائص الجزيرة العربيّة

- ‌تمهيد:

- ‌1 - البيت الحرام:

- ‌2 - دعوة إبراهيم عليه السلام:

- ‌3 - أنبياء في الجزيرة:

- ‌4 - صفات العرب:

- ‌5 - وحدة اللغة:

- ‌6 - الموقع الجغرافي:

- ‌7 - حرم الإسلام:

- ‌أصحاب الفيل

- ‌تمهيد:

- ‌1 - {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}

- ‌2 - موقف الإيمان وموقف العقل:

- ‌3 - رواج قصة الحصبة والجدري وردها:

- ‌4 - دوافع المدرسة العقليّة:

- ‌5 - دروس وعبر:

- ‌6 - مكانة العقل:

- ‌7 - دور الرسالات في قيادة العقل:

- ‌8 - سطوة الغرائز:

- ‌9 - الدور الأول للرسالات:

- ‌10 - الدور الثاني للرسالات:

- ‌11 - المعجزة الكبرى:

- ‌من الميلاد إلى البعث

- ‌تمهيد:

- ‌1 - النسب الشريف:

- ‌تعريض الدكتور طه حسين:

- ‌تعريض المستشرقين:

- ‌أسرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌عبد مناف وزهرة:

- ‌هاشم:

- ‌الرفادة والسقاية:

- ‌عبد المطلب:

- ‌والد النبيّ:

- ‌حفر زمزم:

- ‌روى ابن إسحاق وغيره بسند حسن ذكر حفر زمزم، قال:

- ‌نَذْر عبد المطلب:

- ‌قصيدة أبي طالب:

- ‌قصيدة العباس:

- ‌قصيدة الناشئ:

- ‌يقول الحافظ ابن كثير:

- ‌قصيدة الخطيب:

- ‌شرف نسب النبي:

- ‌وُلد الهُدى:

- ‌2 - التربية الإلهيّة:

- ‌شق الصدر:

- ‌موقف عجيب:

- ‌السنن العامة والخاصة:

- ‌آيات الله:

- ‌وهنا يتساءل العقل الإنساني:

- ‌ثم يتساءل العقل مرة أخرى:

- ‌منهج القرآن:

- ‌قصة زكريا:

- ‌مريم وعيسى:

- ‌إبراهيم وسارة:

- ‌العقل والعلم:

- ‌وجوب التسليم:

- ‌حقائق التاريخ:

- ‌عاطفة الأمومة:

- ‌انفعال الخواطر:

- ‌حياة الصحراء:

- ‌صلة الرحم:

- ‌يُتم يلاحقه يتم:

- ‌أم أيمن:

- ‌كفالة عبد المطلب:

- ‌كفالة أبي طالب:

- ‌3 - المسؤوليّة والإيجابيّة:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم:

- ‌قصة بحيرى الراهب:

- ‌أثر هذه الرحلة:

- ‌تهافت المستشرقين:

- ‌حماية الله للنبي:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد حلف الفضول (المطيّبين):

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يتزوج خديجة:

- ‌أغنى الله اليتيم:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل في بناء الكعبة:

- ‌4 - التكامل المحمدي:

- ‌تكافؤ الخلق:

- ‌خصال الكمال:

- ‌يقول الشيخ أبو زهرة:

- ‌العقل المحمدي:

- ‌قال القاضي عياض:

- ‌ولقد قال وهب بن منبه:

- ‌وقال ابن كثير:

- ‌بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الخلق الكامل:

- ‌وصف هند بن أبا هالة:

- ‌الصفة الأولى:

- ‌الصفة الثانية:

- ‌الصفة الثالثة:

- ‌الصفة الرابعة:

- ‌الصفة الخامسة:

- ‌الصفة السادسة:

- ‌الصفة السابعة:

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء:

- ‌البعد الأخلاقي:

- ‌مراتب التعليم:

- ‌هذا حراء:

- ‌معالم على الطريق:

- ‌بين ميلادين:

- ‌قبس من الإيمان:

الفصل: ‌9 - ميثاق النبيين:

الشاهد الداعي إِلى الرحمن

بالتوحيد يمحو حالك الظلمات

المرسل الأمي قثم الخير مَن

قد كان يعطي المال بالكثرات

وهو الأمين وفاتح الأبواب مَن

سُمي نبي الله والرحمات (1)

‌9 - ميثاق النبيّين:

وإذا كنا قد أبصرنا بعض البشائر بالنبوة، وعلمنا أن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة قد ذكرها البخاري وغيره، فإننا نبصر حقيقة الترابط بين موكب الرسل والرسالات، على عهد من الله وميثاق، ينبني عليه فسوق من يتولى عن اتباع آخر الرسالات، وخاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم وعلى إخوانه من الرسل .. ونبصر شذوذ من يتولى عن ذلك، عن عهد الله وناموس الكون كله على الإطلاق، ونحن نقرأ:

{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)} [آل عمران]!

(1) تائية الخطيب: 38.

ص: 325

لقد أخذ الله عز وجل موثقاً رهيباً جليلاً على كل رسول (1)، أنه مهما آتاه من كتاب وحكمة، ثم جاء رسول مصدق لما معه، أن يؤمن به وينصره، ويتبع دينه، وجعل هذا عهداً بينه وبين كل رسول!

والتعبير القرآني يطوي الأزمنة المتتابعة بين الرسل، ويجمعهم كلهم في مشهد، والله الجليل الكبير يخاطبهم جملة: هل أقروا هذا الميثاق، وأخذوا عليه عهد الله؟:

{قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} !

وهم يجيبون: {قَالُوا أَقْرَرْنَا} !

وتأتي الشهادة على هذا الميثاق:

{قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)} !

هذا المشهد الهائل الجليل، يرسمه التعبير القرآني، فيهتز له الجَنان في الإنسان، وهو يتمثل المشهد .. ومن ثم يبدو هذا الموكب الكريم متصلاً متسانداً، مستسلماً للتوجيه العلوي، ممثلاً للحقيقة الواحدة التي شاء الحق تبارك وتعالى أن تقوم عليها البشريّة، ولا تنحرف، ولا تتعدد، ولا تتعارض، ولا تتصادم، إنما يُصطفى لها المختار من عباد الله، ثم يسلمها إلى المختار بعده، ويسلم نفسه معها لأخيه اللاحق به، فما للنبي في نفسه من شيء، وما له في هذه المهمة من أَرب شخصي، ولا مسجد ذاتي، إنما هو عبد مُصطفَى، ومبلغ مختار، والحق تبارك وتعالى هو الذي ينقل خطأ هذه الدعوة بين أجيال البشر، ويقود هذا الموكب ويصرفه كيف يشاء!

(1) في ظلال القرآن: 1: 420 بتصرف.

ص: 326

ويخلص دين الله -بهذا العهد وبهذا التصوّر- من العصبية الذاتية .. عصبية الرسول لشخصه، وعصبيّته لقومه، وعصبيّة أتباعه لنحلتهم، وعصبيّتهم لأنفسهم، وعصبيّتهم لقوميّتهم .. ويخلص الأمر كله لله في هذا الدين الواحد، الذي تتابع به وتوالى كل ذلك الموكب السنيّ الكريم!

وفي ظل هذه الحقيقة يبدو الذين يتخففون من أهل الكتاب عن الإيمان بخاتم النبيّين محمد صلى الله عليه وسلم ومناصرته وتأييده -تمسكاً بعقيدتهم كما يزعمون، لا بحقيقتها؛ لأن حقيقتها تدعوهم إلى الإيمان به ونصرته- يبدون متعصبين لأنفسهم في صورة التعصّب لعقيدتهم!

مع أن رسلهم الذين حملوا إليهم هذه الرسالات قد قطعوا على أنفسهم عهداً ثقيلاً غليظاً مع ربّهم في مشهد مرهوب جليل!

في ظل هذه الحقيقة يبدو أولئك الذين يتخلفون من أهل الكتاب فسقة عن تعاليم أنبيائهم، فسقة عن عهد الله معهم، فسقة كذلك عن نظام الكون كله، المستسلم لبارئه، الخاضع لناموسه:

{فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)} !

إنه لا يتولّى عن اتباع خاتم النبيّين صلى الله عليه وسلم إلا فاسق، ولا يتولى عن دين الله إلا شاذ .. شاذ في هذا الوجود الكبير .. ناشز في وسط الكون الطائع المستسلم المستجيب!

إن دين الله واحد، بعث به الرسل جميعاً، وتعاقدت عليه الرسالات جميعاً، وإن عهد الله واحد، أخذه على كل رسول، والإيمان بهذا الدين واتباع رسوله، ونصرة منهجه على كل منهج، هو الوفاء بهذا العهد، فمن تولّى عن

ص: 327

الإسلام فقد تولّى عن دين الله كله، وقد خان عهد الله كله. كما فعل يهود ومن على شاكلتهم!

والإسلام -الذي يتحقق في إقامة منهج الله في الأرض واتباعه والخلوص له- هو ناموس هذا الوجود، وهو دين كل حي في هذا الوجود!

إنها صورة شاملة عميقة للإسلام والاستسلام .. صورة كونيّة تأخذ بالمشاعر، وترتجف لها الضمائر .. صورة الناموس القاهر الحاكم، الذي يرد الأشياء والأحياء إلى سنن واحد، ومصير واحد:{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)} !

فلا مناص لهم في نهاية المطاف من الرجوع إلى الحاكم المسيطر المدبّر الجليل!

ولا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينة باله وصلاح حاله، من الرجوع إلى منهج الله في ذات نفسه، وفي نظام حياته، وفي منهج مجتمعه، ليتناسق مع النظام الكوني كله. فلا ينفرد بمنهج من صنع نفسه، لا يتناسق مع ذلك النظام الكوني من صنع بارئه .. في حين أنه مضطر أن يعيش في إطار هذا الكون، وأن يتعامل بجملته مع النظام الكوني، والتناسق بين نظامه هو في تصوره وشعوره، وفي واقعه وارتباطاته، وفي عمله ونشاطه، مع النظام الكوني .. هو وحده الذي يكفل له التعاون مع القوى الكونية الهائلة بدلاً من التصادم معها .. وهو حين يصطدم بها يتمزق وينسحق، أو لا يؤدي -على كل حال- وظيفة الخلافة في الأرض كما وهبها الله له، وحين يتناسق ويتفاهم مع نواميس الكون التي تحكمه وتحكم سائر الأحياء فيه، يملك معرفة أسرارها وتسخيرها، ويملك الانتفاع بها على وجه يحقق له السعادة والراحة والطمأنينة، ويعفيه من الخوف والقلق والتناحر .. الانتفاع بها، لا ليحترق بنار الكون، ولكن لينتفع بها ويستضيء!

ص: 328

والفطرة البشريّة في أصلها متناسقة مع ناموس الكون، مسلمة لربها إسلام كل شيء وكل حي، فحين يخرج الإنسان بنظام حياته عن ذلك الناموس لا يصطدم مع الكون فحسب، إنما يصطدم أولاً بفطرته التي بين جنبيه، فيشقى ويتمزّق، ويحتار ويقلق، ويحيا كما تحيا البشريّة الضالة النكدة اليوم في عذاب من هذا الجانب .. على الرغم من جميع الانتصارات العلميّة، وجميع التسهيلات الحضاريّة الماديّة!

وكل ذلك من صنع (يهود) ومن على شاكلتهم!

إن البشريّة اليوم تعاني من الخواء المرير .. خواء الروح من الحقيقة التي لا تطيق فطرتها أن تصبر عليها .. حقيقة الإيمان، وخواء الحياة من المنهج الإلهي .. هذا المنهج الذي ينسق بين حركتها وحركة الكون الذي تعيش فيه!

إنها تعاني من الهجير المحرق الذي تعيش فيه بعيداً بعيداً عن ذلك الظل الوارف الندي، ومن الفساد المقلق الذي تتمرغ فيه بعيداً بعيداً عن ذلك الخط القويم والطريق المأنوس المطروق!

وكل ذلك من صنع (يهود) ومن على شاكلتهم!

ومن ثم تجد الشقاء والحيرة والاضطراب، وتحسّس الخواء والجوع والحرمان، وتهرب من واقعها هذا بالمسكرات، على اختلاف أنواعها، وبالسرعة المجنونة والمغامرات الحمقاء، والشذوذ في كل شيء!

وكل ذلك من صنع (يهود) ومن على شاكلتهم!

وذلك على الرغم من الرخاء المادي، والإنتاج الوفير، والحياة الميسورة، والفراغ الكثير .. لا، بل إن تلك الآلام تتزايد كلما تزايد الرخاء المادي، والإنتاج الحضاري، واليسر في كل وسائل الحياة ومرافقها!

ص: 329