الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقول في الجواب عن الاعتراض الثاني: إن آية الإنجيل هكذا (لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني) وليس فيها تصريح بأن موسى عليه السلام كتب في حقه في الموضع الفلاني، بل المفهوم منه أن موسى كتب في حقه (مطلقاً) وهذا يصدق إذا وجد في موضع من التوراة إشارة إليه، ونحن نسلم هذا الأمر كما ستعرف في ذيل بيان البشارة الثالثة، لكننا ننكر أن يكون قوله إشارة إلى هذه البشارة للوجوه التي عرفتها، وقد ادعى هذا المعترض في الفصل الثالث من الباب الثاني من الميزان أن الآية الخامسة عشرة من الباب الثالث من سفر التكوين إشارة إليه!
فهذا القدر يكفي لتصحيح قول عيسى عليه السلام.
نعم لو قال عيسى عليه السلام إن موسى عليه السلام ما أشار في أسفاره إلى نبي من الأنبياء إلا إليّ لكان لهذا التوهم مجال في هذه الحال!
2 - البشارة الثانية:
الآية 21 من الباب 32 من سفر الاستثناء (التثنية) هكذا (هم أغاروني بغير إله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضاً أغيرهم بغير شعب وبشعب جاهل أغضبهم)!
والمراد بشعب جاهل: العرب لأنهم كانوا في غاية الجهل والضلال، وما كان عندهم علم، لا من العلوم الشرعية، ولا من العلوم العقلية، وما كانوا يعرفون سوى عبادة الأوثان والأصنام، وكانوا محقرين عند اليهود، لكونهم من هاجر .. ، فمقصود الآية أن بني إسرائيل أغاروني بعبادة المعبودات الباطلة، فأغيرهم باصطفاء الذين هم عندهم محقرون وجاهلون، فأوفى بما وعد،
فبعث من العربي النبي صلى الله عليه وسلم، فهداهم إلى الصراط المستقيم، كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة]!
وليس المراد بالشعب الجاهل اليونانيّين، كما يفهم من ظاهر كلام مقدّسهم بولس في الباب العاشر من الرسالة الروميّة؛ لأن اليونانيّين قبل ظهور عيسى عليه السلام بأزيد من ثلثمائة سنة كانوا فائقين على أهل العالم كلهم في العلوم والفنون، وكان منهم جميع الحكماء المشهورين، مثل سقراط، وبقراط، وفيثاغورس، وأفلاطون، وأرسطو طاليس، وأرشميدس، وبليناس، وأقليدس، وجالينوس، وغيرهم، الذين كانوا أئمة الإلهيّات والرياضيّات والطبيعيّات وفروعها قبل عيسى عليه السلام وكان اليونانيون في عهده على غاية درجة الكمال في فنونهم، وكانوا واقفين على أحكام التوراة وقصصها، وعلى سائر كتب العهد العتيق أيضاً بواسطة ترجمة (سبتوجنت) التي ظهرت باللسان اليوناني قبل المسيح بمقدار مائتين وستة وثمانين سنة، لكنهم ما كانوا معتقدين للملة الموسويّة، وكانوا متفحصين عن الأشياء الحكمية الجديدة، كما قال مقدسهم هذا في الباب الأول من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا (22 لأن اليهود يسألون آية واليونانيّين يطلبون حكمة 23 ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونيين جهالة) فلا يجوز أن يكون المراد بالشعب الجاهل اليونايّين، فكلام مقدسهم في الرسالة الروميّة إما مؤول أو مردود -وقد عرفت في الأمر الثامن أن قوله ساقط عن الاعتبار عندنا!