الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة والسلام - فترى كل نسخة متأخرة تختلف عما قبلها في بعض المواضع اختلافاً لا يخفى على اللبيب أمره، ولا ما قصده به، ولم يفدهم ذلك غير تقوية الشبهة عليهم، لانتشار النسخ بالطبع، وتيسر المقابلة بينها)!
وجاء في (إظهار الحق) ما نصه (1):
(إن الإخبارات الواقعة في حق محمد صلى الله عليه وسلم توجد كثيرة إلى الآن أيضاً، مع وقوع التحريفات في هذه الكتب، ومن عرف أولاً طريق إخبار النبيّ المتقدم عن النبيّ المتأخّر، على ما عرفت في الأمر الثاني -يعني في كلامه- ثم نظر ثانياً بنظر الإنصاف إلى هذه الإخبارات، وقابلها بالإخبارات التي نقلها الإنجيليّون في حق عيسى عليه السلام جزم بأن الإخبارات المحمدية في غاية القوة)!
وقد نقل صاحب المنار البشارات التالية، وعلق عليها (2)!
1 - البشارة الأولى:
في الباب الثامن عشر من سفر الاستثناء (التثنية) هكذا:
(17 فقال الرب لي نعم جميع ما قالوا 18 وسوف أقيم لهم نبيًّا مثلك من بين إخوتهم، وأجعل كلامي في فمه، ويكلمهم بكل شيء آمره به 19 ومن لم يطع كلامه الذي يتكلّم به باسمي فأكون أنا المنتقم من ذلك 20 فأما النبيّ الذي يجترئ بالكبرياء ويتكلم في اسمي ما لم آمره بأنه يقوله أم باسم آلهة غيري فليقتل 21 فإن أجبت وقلت في قلبك كيف أستطيع أن أميز الكلام الذي لم يتكلم به الرب 22 فهذه تكون لك آية أن ما قاله ذلك النبي في اسم الرب ولم
(1) المرجع السابق.
(2)
تفسير المنار: 9: 251 وما بعدها بتصرف.
يحدث فالرب لم يكن تكلم به، بل ذلك النبي صورته في عظم نفسه، ولذلك لا تخشاه)!
عشرة أوجه:
وهذه البشارة ليست بشارة بيوشع، كما يزعم الآن أحبار اليهود، ولا بشارة بعيسى عليه السلام كما زعم علماء بروتستانت، بل هي بشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم لعشرة أوجه:
الوجه الأول: قد عرفت في الأمر الثالث -أي الذي سبق ذكره في تفسير المنار (1) - أن اليهود المعاصرين لعيسى عليه السلام كانوا ينتظرون نبيًّا آخر مبشراً به في هذا الباب، وكان هذا المبشّر به عندهم غير المسيح، فلا يكون هذا المبشّر به يوشع، ولا عيسى!
الوجه الثاني: أنه وقع في هذه البشارة لفظ مثلك، ويوشع، وعيسى لا يصح أن يكونا مثل موسى عليه السلام!
أما أولاً: فلأنهما من بني إسرائيل، ولا يجوز أن يقوم أحد من بني إسرائيل مثل موسى، كما تدل عليه الآية العاشرة من الباب الرابع والثلاثين من سفر الاستثناء (التثنية) وهي هكذا:(10 ولم يقم بعد ذلك نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه) إلخ!
وأما ثانياً: فلأنه لا مماثلة بين يوشع وبين موسى؛ لأن موسى عليه السلام صاحب كتاب وشريعة جديدة مشتملة على أوامر ونواهي، ويوشع ليس كذلك، بل هو متبع لشريعته!
(1) المرجع السابق: 235 - 236.
وكذا لا توجد المماثلة التامة بين موسى، وعيسى عليهما السلام؛ لأن عيسى عليه السلام كان إلهاً ورباً على زعم النصارى، وموسى عليه السلام كان عبد إله، وأن عيسى عليه السلام على زعمهم صار ملعوناً لشفاعة الخلق، كما صرح به بولس في الباب الثالث من رسالته إلى (أهل غلاطية)، وموسى عليه السلام ما صار ملعوناً لشفاعتهم، وأن عيسى عليه السلام دخل الجحيم بعد موته كما هو مصرح به في عقائد أهل التثليث، وموسى عليه السلام ما دخل الجحيم، وأن عيسى عليه السلام صلب على زعم النصارى ليكون كفارة لأمته، وموسى عليه السلام ما صار كفارة لأمته بالصلب، وأن شريعة موسى مشتملة على الحدود والتعزيرات وأحكام الغسل والطهارات والمحرمات من المأكولات والمشروبات، بخلاف شريعة عيسى عليه السلام فإنها فارغة منها على ما يشهد به هذا الإنجيل المتداول بينهم، وأن موسى عليه السلام كان رئيساً مطاعاً في قومه نفاذاً لأوامره ونواهيه، وعيسى عليه السلام لم يكن كذلك!
الوجه الثالث: أنه وقع في هذه البشارة لفظ: (من بين إخوتهم) ولا شك أن الأسباط الاثني عشر كانوا موجودين في ذلك الوقت مع موسى عليه السلام حاضرين عنده، فلو كان المقصود كون النبي المبشر به منهم لقال منهم لا (من بين إخوتهم)؛ لأن الاستعمال الحقيقي لهذا اللفظ أن لا يكون المبشر به له علاقة الصلبيّة والبطنية ببني إسرائيل، كما جاء لفظ الإخوة بهذا الاستعمال الحقيقي في وعد الله هاجر في حق إسماعيل عليه السلام في الآية الثانية عشرة من الباب السادس عشر من سفر التكوين، وعبارتها في الترجمة العربيّة المطبوعة سنة 1844 م هكذا:
(وقبله جميع إخوته بنصب المضارب) وفي الترجمة العربيّة المطبوعة سنة 1811 م هكذا:
(بحضرة جميع إخوته يسكن)!
وجاء بهذا الاستعمال أيضاً في الآية الثامنة عشرة من الباب الخامس والعشرين من سفر التكوين في حق إسماعيل في الترجمة العربيّة سنة 1844 م، هكذا:
(منتهى إخوته جميعهم سكن)!
وفي الترجمة العربيّة المطبوعة سنة 1811 م، هكذا:
(أقام بحضرة جميع إخوته)!
والمراد بالإخوة هاهنا بنو عيسى، وإسحاق وغيرهم من أبناء إبراهيم عليه السلام!
وفي الآية الرابعة عشرة من الباب العشرين من سفر العدد هكذا:
(ثم أرسل موسى رسلاً من قادس إلى ملك الروم قائلاً: هكذا يقول أخوك إسرائيل إنك قد علمت كل البلاء الذي أصابنا)!
وفي الباب الثاني من سفر (التثنية) هكذا:
(2 وقال لي الرب 4 ثم أوصى الشعب أنكم ستجوزون في تخوم إخوتكم بني عيسو الذي في ساعير وسيخشونكم 8 فلما جزنا إخوتنا بني عيسو الذين يسكنون ساعير) إلخ!
والمراد بإخوة بني إسرائيل بنو عيسو، ولا شك أن استعمال لفظ إخوة بني إسرائيل في بعض منهم كما جاء في بعض المواضع من التوراة استعمال
مجازي، ولا تترك الحقيقة ولا يصار إلى المجاز ما لم يمنع من الحمل على المعنى الحقيقي مانع قوي، ويوشع، وعيسى كانا من بني إسرائيل فلا تصدق هذه البشارة عليهما!
الوجه الرابع: أنه قد وقع في هذه البشارة لفظ (سوف أقيم)، ويوشع كان حاضراً عند موسى عليه السلام داخلاً في بني إسرائيل نجيًّا في ذلك الوقت -كما يقولون-، فكيف يصدق عليه هذا اللفظ؟!
الوجه الخامس: أنه وقع في هذه البشارة: (أجعل كلامي في فمه)، وهو إشارة إلى أن ذلك النبيّ ينزل عليه الكتاب، وإلى أنه يكون أمياً حافظاً للكلام، وهذا لا يصدق على يوشع؛ لانتفاء كلا الأمرين فيه!
الوجه السادس: أنه وقع في هذه البشارة: (ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به فأنا أكون المنتقم منه)!
فهذا الأمر لما ذكر لتعظيم هذا النبيّ المبشر به، فلابد أن يمتاز ذلك المبشر به بهذا الأمر عن غيره من الأنبياء، فلا يجوز أن يراد بالانتقام من المنكر العذاب الأخروي الكائن في جهنم، أو المحن والعقوبات الدنيوية التي تلحق المنكرين من الغيب؛ لأن هذا الانتقام لا يختص بإنكار نبي دون نبي، بل يعم الجميع، فحينئذ يراد بالانتقام الانتقام التشريعي!
فظهر منه أن هذا النبي يكون مأموراً من جانب الله بالانتقام من منكره، فلا يصدق على عيسى عليه السلام لأن شريعته خالية عن أحكام الحدود والقصاص والتعزير والجهاد!
الوجه السابع: في الباب الثالث من كتاب الأعمال في الترجمة العربيّة المطبوعة سنة 1844 م هكذا:
(19 فتوبوا وارجعوا كي تمحى خطاياكم 20 حتى إذا تأتي أزمنة الراحة من قدام وجه الرب، ويرسل المنادي به لكم وهو يسوع المسيح 21 الذي إياه ينبغي للسماء أن تقبله إلى الزمان الذي يسترد فيه كل شيء تكلم به الله على أفواه أنبيائه القديسين منذ الدهر 22 أن موسى قال: إن الرب إلهكم يقيم لكم نبيًّا من إخوتكم مثلي له تسمعون في كل ما يكلمكم به 13 ويكون كل نفس لا تسمع ذلك النبي تهلك من الشعب)!
وفي الترجمة الفارسيّة .. (حذفنا النص الفارسي استغناء عنه بما يذكره من مضمونه وهو قوله):
فهذه العبارة سيما بحسب التراجم الفارسيّة تدل صراحة على أن هذا النبي غير المسيح عليه السلام -وأن المسيح لا بد أن تقبله السماء إلى زمان ظهور هذا النبي، ومن ترك التعصب الباطل من المسيحيّين- وتأمّل في عبارة بطرس ظهر له أن هذا القول من بطرس لإبطال ادعاء علماء بروتستانت أن هذه البشارة في حق عيسى عليه السلام!
وهذه الوجوه السبعة التي ذكرتها تصدق في حق محمد صلى الله عليه وسلم أكمل صدق؛ لأنه غير المسيح، ويماثل موسى عليه السلام في أمور كثيرة:
1 -
كونه عبد الله ورسوله!
2 -
كونه ذا الدين!
3 -
كونه ذا نكاح وأولاد!
4 -
كون شريعته مشتملة على السياسات المدنيّة!
5 -
كونه مأموراً بالجهاد!
6 -
اشتراط الطهارة وقت العبادة في شريعته!
7 -
وجوب الغسل للجنب والحائض والنفساء في شريعته!
8 -
اشتراط طهارة الثوب من البول والبراز فيها!
9 -
حرمة غير المذبوح وقرابين الأوثان فيها!
10 -
كون شريعته مشتملة على العبادات البدنية والرياضات الجسمانية!
11 -
أمره بحد الزنى!
12 -
تعيين الحدود والتعزيرات والقصاص!
13 -
كونه قادراً على تنفيذها!
14 -
تحريم الربا!
15 -
أمره بإنكار من يدعو إلى غير الله!
16 -
أمره بالتوحيد الخالص!
17 -
أمره الأمة بأن يقولوا عبد الله ورسوله، لا ابن الله أو الله، والعياذ بالله!
18 -
موته على الفراش!
19 -
كونه مدفوناً كموسى!
20 -
عدم كونه ملعوناً لأجل أمته!
وهكذا أمور أخر تظهر إذا تؤمل في شريعتهما، ولذلك قال الله تعالى في كلامه المجيد:{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)} [المزمل]!
وكان من إخوة بني إسرائيل؛ لأنه من بني إسماعيل، وأنزل عليه الكتاب، وكان أميًّا جعل كلام الله في فمه، وكان ينطق بالوحي، كما قال الله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم]!
وكان مأموراً بالجهاد، وقد انتقم الله لأجله من صناديد قريش، والأكاسرة والقياصرة وغيرهم، وظهر قبل نزول المسيح من السماء، وكان للسماء أن تقبل المسيح عليه السلام إلى ظهوره، ليرد كل شيء إلى أصله، ويمحق الشرك والتثليث وعبادة الأوثان .. ثم قال:
الوجه الثامن: أنه صرح في هذه البشارة بأن النبي الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره يقتل، فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبياً حقًّا لكان قتل، وقد قال الله في القرآن المجيد أيضاً:{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)} [الحاقة]!
وما قتل، بل قال الله في حقه:
{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]!
وأوفى وعده ولم يقدر على قتله أحد، حتى لقي صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى، وعيسى عليه السلام قتل وصلب على زعم أهل الكتاب، فلو كانت هذه البشارة في حقه لزم أن يكون نبيًّا كاذباً كما يزعمه اليهود. والعياذ بالله!
الوجه التاسع: أن الله بيّن علامة النبي الكاذب، وهي أن إخباره عن الغيب المستقبل لا يخرج صادقاً، ومحمد صلى الله عليه وسلم أخبر عن الأمور الكثيرة المستقبلة كما علمت في المسلك الأول، وظهر صدقه فيها (1)، فيكون نبيًّا صادقاً لا كاذباً!
(1) ظهر صدق بعضها في زمنه كانتصاره على المشركين، ودخوله المسجد الحرام مع المؤمنين =
الوجه العاشر: أن علماء اليهود سلموا كونه مبشراً به في التوراة، لكن بعضهم أسلم، وبعضهم بقي في الكفر!
ثم قال: فتلك عشرة كاملة!
فإن قيل: إن إخوة بني إسرائيل لا تنحصر في بني إسماعيل؛ لأن بني عيسى وبني أبناء قطورا زوجة إبراهيم عليهما السلام من إخوتهم أيضاً!
قلت: نعم هؤلاء أيضاً من إخوة بني إسرائيل، لكنهم لم يظهر أحد منهم يكون موصوفاً بالأمور المذكورة، ولم يكن وعد الله في حقهم أيضاً، بخلاف بني إسماعيل، فإنهم كان وعد الله في حقهم لإبراهيم ولهاجر عليهما السلام، مع أنه لا يصح أن يكون مصداق هذا الخبر بني عيسو على ما هو مقتضى دعاء إسحاق عليه السلام المصرح به في الباب السابع والعشرين من سفر التكوين!
ولعلماء بروتستانت اعتراضان نقلهما صاحب الميزان في كتابه المسمى بـ (حل الإشكال في جواب الاستفسار):
الأول: أنه وقع في الآية 15 من الباب 18 من سفر الاستثناء (التثنية) هكذا (فإن الرب إلهك يقيم من بينك من بين إخوتك) إلخ!
= محلقين رؤوسهم ومقصّرين، وغلب الروم للفرس، وبعضها لأصحابه كفتح مصر وبلاد كسرى وقيصر، وقتل الفئة الباغية لعمار، ولا يزال يظهر الكثير منها عصراً بعد عصر، ومن أغربها قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه:"صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من سيرة كذا وكذا"!
مسلم 37 - اللباس (2128) وأحمد: 2: 355 - 356، 440، وأيضاً (8650) تحقيق أحمد محمد شاكر، والبيهقي: 2: 234.
فلفظ من بينك يدل دلالة ظاهرة على أن هذا النبي يكون من بني إسرائيل، لا من بني إسماعيل!
والثاني: أن عيسى عليه السلام نسب هذه البشارة إلى نفسه فقال في الآية 46 من الباب الخامس من إنجيل يوحنا: إن موسى كتب في حقي!
أقول: آية (التثنية) على وفق التراجم الفارسية وتراجم أردو هكذا (فإن الرب إلهك يقيم من بينك من بين إخوتك نبياً مثلي فاسمع منه)!
والقسيس أيضاً نقلها هكذا!
والجواب أن اللفظ المذكور لا ينافي مقصودنا؛ لأن محمداً صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وبها تكامل أمره، قد كان حوله أماكن وجود اليهود كخيبر، وبني قينقاع، والنضير، وغيرهم، فقد قام من بينهم، ولأنه إذا كان من إخوتهم فقد قام من بينهم؛ ولأن قوله من بين إخوتك، بدل من قوله من بينك بدل اشتمال، على رأي ابن الحاجب ومتبعيه القائلين بكفاية علاقة الملابسة غير الكلية والجزئية في تحقق هذا البدل، نحو جاءني زيد أخوه، وجاءني زيد غلامه، وبدل إضراب على رأي ابن مالك، والمبدل منه على كلا التقديرين غير مقصود، يدل على كونه غير مقصود أن موسى عليه السلام لما أعاد هذا الوعد من كلام الله في الآية الثامنة عشرة لم يوجد فيه لفظ من بينك، ونقل بطرس الحواري أيضاً هذا القول، ولم يوجد فيه هذا اللفظ كما علمت في الوجه السابع، وكذا نقله استفانوس أيضاً، ولم يوجد في نقله أيضاً هذا اللفظ، كما صرح به في الباب السابع من كتاب الأعمال، وعبارته هكذا (هذا هو موسى الذي قال لبني إسرائيل نبيًّا مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون) فسقوطه في هذه المواضع دليل على كونه غير مقصود، فاحتمال البدل قوي جداً!
وقال صاحب الاستفسار: إن لفظ (من بينك) إلحاقي زِيد تحريفاً، ويدل عليه ثلاثة أمور:
الأول: أن المخاطبين في هذا الموضوع كانوا بني إسرائيل كلهم لا البعض، فقوله: من بينك خطاب لجميع القوم، فصار لفظ من إخوتك لغواً محضاً لا معنى له، لكن لفظ من إخوتك جاء في الموضع الآخر أيضاً فيكون صحيحاً، ولفظ (من بينك) إلحاقياً زيد تحريفاً!
الثاني: أن موسى عليه السلام لما نقل كلام الله لإثبات قوله لم يوجد فيه هذا اللفظ، ولا يجوز أن يكون ما قال موسى مخالفاً لما قال الله!
الثالث: إن الحواريّين كلما نقلوا هذا الكلام لم يوجد فيه لفظ (من بينك)، وإن قلتم إن المحرف إذا حرف فلِمَ لمْ يحرف الكلام كله؟
قلت: نحن نرى في محاكم العدالة دائماً أن القبالجات المحرفة يثبت تحريف الألفاظ المحرفة فيها من مواضع أخرى منها غالباً (1)، وأن شهود الزور يؤخذ ببعض بياناتهم، فالوجه الوجيه على أن عادة الله جارية بأنه لا يهدي كيد الخائنين، وبأنه يظهر خيانة خائن الدين بمقتضى رحمته، فبمقتضى هذه العادة يصدر عن الخائن شيء ما تظهر به خيانته، على أنه لا توجد ملة يكون أهلها كلهم خائنين، فالخائنون الذين حرفوا كتب العهدين كان لهم لحاظ ما (2)، من جانب بعض المتدينين، فلذلك بدلوا الكل!
أقول: هذا الجواب بالنسبة إلى عادة أهل الكتاب كما عرفت في الأمر السابع!
(1) لعل معنى القبالجات الوثائق والمستندات، ومعنى الجملة أنها على وجود التحريف فيها يحتج ببعض عباراتها على إثبات التحريف فيها و (كذا على غيره).
(2)
لعله أراد أن يقول: كان عليهم عيون ورقباء.