الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدين لرب يستجيب لخلقه
…
ولا أدين لمن لا يسمع الدهر داعيا
أقول إِذا صليت في كل بيعة
…
تباركت قد أكثرتُ باسمك داعيا (1)
لكن القدر كان يتخير رجلاً يبصر الحق، ويملك من الطاقة ما يدفع إلى آفاق العالمين، في وجه مقاومة تسترخص النفس والنفيس للإبقاء على الضلال، والإمساك بليله البارد الثقيل!
وإذا كان هذا الإلحاد المغرق الطامس -كما أسلفنا- قد غزا النفوس بالقلق البالغ، فإلى أين تصير القلة الحائرة؟
وإلى أين يمكن أن يصير عدد هؤلاء الذين سخطوا ما عليه الجاهلية من نكر؟ وإلى أي مدى يكون تأثيرهم؟
أما من بصيص نور خلال هذا الظلام المخيّم؟
لقد كان القدر المعد لهذه الرسالة الضخمة هو خير خلق الله، وخاتم رسله صلى الله عليه وسلم ليواجه الإلحاد الذي شاع وذاع!
5 - وحدة اللغة:
وخامس ما يطالعنا: وحدة اللغة، حيث كانت هذه الجزيرة، التي تكاد
(1) انظر: دلائل النبوة للأصبهاني: 2: 693 - 697 تحقيق مساعد بن سليمان الراشد الحميد، دار العاصمة، السعودية، ط. أولى 1412 هـ، وهو حسن، وانظر: الطبراني في المعجم الكبير: 24: 82 (216)، والمجمع: 9: 418، وتغليق التعليق: 4: 83 - 84.
تكون شبه قارة، خليقة أن تتعدّد فيها اللغات (1)، وتتنوّع، لبعد المسافة بين مواطن القبائل وبن جنوبي الجزيرة وشماليها، وقلة اتصال أهل الجنوب بأهل الشمال، وأهل الشرق بأهل الغرب، وبحكم العصبيّة القبليّة والسلاليّة السائدة عليهم، وتأثر القبائل المتاخمة للروم والفرس بلغاتهم، وقد كثر عدد اللغات في أوروبا الوسطى، وفي شبه القارة الهنديّة، كثرة هائلة، ولا يزال عدد اللغات المعترف بها في دستور الهند يبلغ (15) لغة إقليميّة، تختلف فيما بينها اختلاف لغات مستقلة، قائمة بذاتها، حتى يحتاج أبناؤها للتفاهم إلى ترجمات، أو لغة أجنبية كالإِنجليزيّة!
بيد أن الجزيرة العربيّة قد امتازت على سعتها، وترامي أطرافها، وتشتّت قبائلها، بوحدة اللغة، التي كانت ولا تزال أداة تفاهم والتقاء لجميع أبناء هذه الجزيرة، حضرهم وبدوهم، القحطاني منهم والعدناني، وهي اللغة العربيّة على اختلاف لهجاتها وفروقها الإقليميّة التي تقتضيها طبيعة اللغات وفلسفتها، وطبيعة الأقاليم والأجواء، وطبيعة الانعزال والانطواء، فاللغات تختلف في لهجاتها بمسافات، قد تطول وقد تقصر، وكانت هذه الوحدة اللغويّة التي امتازت بها هذه الجزيرة من أهم أسباب تيسير مهمة الدعوة الإسلاميّة، وسرعة انتشار الإسلام فيها، ومخاطبة الوحدات العربيّة المنتشرة، في لغة واحدة هي اللغة العربيّة الفصحى، وبكتاب واحد هو القرآن العربي المبين!
(1) السيرة النبويّة: الندوي: 73 بتصرف.