الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنجبت لـ (عبد المطلب): أبا طالب، والزبير، وعبد الله، وأم حكيم البيضاء، توأمة عبد الله، وعاتكة، وبرة، وأميمة، وأروى (1)!
وجدة (عبد الله) لأبيه (سلمى) بنت عمرو النجارية، التي كانت -كما سبق- لا تنكح الرجال لشرفها في قومها، حتى يشترطوا لها أمرها بيدها، إذا كرهت رجلاً فارقته!
وجدته لأمه (تخمر) بنت عبد بن قصي القرشية ..
وتفرض علينا منهجية البحث أن نذكر حفر بئر زمزم، ونذر (عبد المطلب)، للصلة المباشرة بـ (عبد الله) والد النبي!
حفر زمزم:
روى ابن إسحاق وغيره بسند حسن ذكر حفر زمزم، قال:
وكان أول ما ابتدئ به (عبد المطلب) من حفرها، كما حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الله بن زرير الغافقي: أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يحدث حديث زمزم، حين أُمر (عبد المطلب) بحفرها، قال:
قال (عبد المطلب): إني لنائم في الحِجر، إذ أتاني آتٍ فقال: احفر طِيبة، قال: قلت: وما طِيبة؟ قال: ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني آت فقال: احفر بَرّة. قال: فقلتُ: وما برّة؟ قال: ثم ذهب عني، فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني
(1) أم النبي: دكتورة بنت الشاطئ: 77 نقلاً عن: جمهرة الأنساب: 12 نسب قريش، وتحرف فيها اسم (برة) بمرة، ثم جاء على صواب:18.
فقال: احفر المضنونة (1)، قال: قلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني. فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر زمزم. قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف (2) أبدًا، ولا تُذَم (3)، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث (4) والدم، عند نقرة الغراب الأعصم (5)، عند قرية النمل (6)!
قال ابن إسحاق: فلما بُيّن له شأنها، ودُلّ على موضعها، وعرف أنه قد صُدِق، غدا بمعوله، ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، ليس له يومئذ ولد غيره، فحفر فيها، فلما بدا لـ (عبد المطلب) الطّي (7)، كبّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته، فقاموا إليه فقالوا: يا (عبد المطلب)، إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقاً، فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل، إن هذا الأمر قد خُصِصْتُ به دونكم، وأُعطيته من بينكم، فقالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم، أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد هُذَيم، قال: نعم. قال: وكانت بأشراف الشام (8)، فركب (عبد المطلب) ومعه نفر من بني (عبد مناف)، وركب من
(1) المضنونة: أي الغالية النفيسة التي يضنّ بمثلها.
(2)
لا تنزف: أي لا يفرغ ماؤها، ولا يلحق قعرها.
(3)
ولا تذم: أي لا توجد قليلة الماء، تقول: أذممت البئر: إذا وجدتها ذَميّة، وهي القليلة الماء.
(4)
الفرث: ما يكون في كرش ذي الكرش.
(5)
الغراب الأعصم: الذي في ساقه بياض، وهو ضرب من الغربان، والأعصم أيضاً: الوعل في غير هذا الموضع، قيل سمي بذلك لبياض في ذراعيه، وقيل لاعتصامه في الجبال.
(6)
قرية النمل: الموضع الذي يجتمع فيه النمل.
(7)
الطيّ: يعني طيّ البئر.
(8)
المراد: ما ارتفع من أرض الشام.
كل قبيلة من قريش نفر قال: والأرض إذ ذاك مفاوز قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز (1)، بين الحجاز والشام، فني ماء (عبد المطلب) وأصحابه، فظمئوا حتى أيقنوا الهلكة، فاستَسْقَوْا من معهم من قبائل قريش، فأبَوْا عليهم، وقالوا: إنا بمفازة، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أصابكم. فلما رأى (عبد المطلب) ما صنع القوم، وما يتخوف على نفسه وأصحابه، قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأيُنا إلا تَبعٌ لرأيك، فمرنا بما شئت، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه، بما بكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته، ثم واروْه، حتى يكون آخركم رجلاً واحداً، فضيْعَةُ رجل واحد أيسر من ضيعة ركب جميعاً، قالوا: نِعْم ما أمرت به، فقام كل واحد منهم فحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم إن (عبد المطلب) قال لأصحابه: والله! إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت، لا نضرب في الأرض، ولا نبتغي لأنفسنا، لعجز، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد .. ارتحلوا، فارتحلوا، حتى إذا فرغوا، ومن معهم من قبائل قريش، ينظرون إليهم ما هم فاعلون، تقدم (عبد المطلب) إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به انفجرت من تحت خفها عينٌ من ماء عذب، فكبّر عبد المطلب، وكبّر أصحابه، ثم نزل فشرب، وشرب أصحابه، واستقَوْا حتى ملؤوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش فقال: هلمّ إلى الماء، فقد سقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاءوا فشربوا واستقوا، ثم قالوا: قد والله! قُضيَ لك علينا يا (عبد المطلب)، والله! لا نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا
(1) المفاوز: واحدتها: مفازة، وسميت بذلك على سبيل التفاؤل، وقيل: هي مشتقة من فوّز الرجل: إذا هلك.
الماء بهذه الفلاة هو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى ساقيتك راشداً، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلّوا بينه وبينها (1)!
وكان لحادث حفر بئر زمزم أثر خطير في ازدياد مكانة (عبد المطلب) رفعة وعلواً بين قومه، وفي بلده، بل بين العرب أجمعين (2)، حيث يَسَّرَ الماء -وهو أعز شيء في وجود مكة ومنزلتها- على أهل الحرم، وعلى الحجيج كله، وعلى (عبد المطلب) نفسه، وهو صاحب مرتبتي الرفادة والسيادة، من مراتب السؤدد والشرف في قريش!
وكان (عبد المطلب) وقريش على يقين أن بالحرم إلى جوار البيت بئر أبيهم إسماعيل، وأنها عين ثرَّارَةٌ، لا تنزف أبداً، ولكن أين مكانها بالتحديد، هذا ما حيّرهم وصدّهم عن التفكير فيها طول مدة التاريخ الغابرة، وهم يتهيبون أن يجعلوا من ساحة المسجد منطقة تفتيش وتنقيب عن شيء، مهما بلغ عندهم من العزة، فإن عزّة البيت وحرمته فوق عزّته، وما أدراهم، إن هم أقدموا على البحث ألا يتعرضوا للهلاك، بل ما يدريهم ألا تضار جدران البيت من أثر البحث، بيد أن (عبد المطلب) كان أكثرهم شغلاً وتفكيراً في ذلك؛ لأنه صاحب السقاية، مكرمته ومكرمة أبيه من قبله، وآبار مكة التي يستقي منها الماء للناس في الموسم الأعظم متناثرة متباعدة، وليست كلها غزيرة الماء، مما يجعله
(1) السيرة النبويّة: ابن هاشم: 1: 193 - 196 تحقيق الدكتور همام عبد الرحيم سعيد، ومحمد عبد الله أبو صعيليك، المنار، الأردن ط. أولى 1409 هـ 1988 م، وقال فيه الفاسي: رجاله ثقات: انظر شفاء الغرام: 1: 246، والبيهقي في الدلائل: 1: 93 من طريق ابن إسحاق، والأزرقي: 2: 44 - 46 من طريق ابن إسحاق أيضاً، وعبد الرزاق في مصنفه: 5: 313 - 316 مرسلاً عن الزهري، وابن سعد عن الواقدي: 1: 83 - 84.
(2)
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1: 62 وما بعدها بتصرف.