الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبس من الإيمان:
وصدق القائل:
قبسٌ من الإِيمان لاح فلم يدع
…
لألاؤه فوق البسيطة موضعا
ما كان ميلاد الرسول المصطفى
…
إِلا الربيع نضارة وتضوّعا
يوم أغر كفاك منه أنه
…
يوم كأن الدهر فيه تجمّعا
ويكاد غابر كل يوم قبله
…
يثني إِليه بجيده متطلِّعا
فلو استطاع لكر من أحقابه
…
وثباً على هام السنين ليرجعا
ويكاد مقبل كل يوم بعده
…
ينسل من خلف الزمان ليشرعا
فلو استطاع لجاد قبل أوانه
…
وانساب يخترق السنين وأتلعا
تتنافس الأيام في الشرف الذي
…
ملأ الوجود فلم يغادر إِصبعا
خير أفاض الله منه على الورى
…
أنى جرى ترك الجنان المرعا
وسنا جلاه لتعمر الدنيا به
…
من بعدها كانت خرابا بلقعا (1)
هذا الجو الذي كانت قافلة الحياة فيه جائرة السبيل، حائرة الدليل، خائرة العزيمة، وكانت الدنيا تئن وتشكو، وجراحها تشجب دماً، والشيطان يعيث في الأرض فساداً!
هو الجو الذي نبصر فيه الدنيا جاثية بين يدي الرسالة والرسول، ونحس الفضائل كلها مجتمعة تروح وتغدو لتعيش الحقيقة في رحاب النور، ولا نكاد نرى من حولنا شيئاً من معاني السمو والجلال، والعظمة والجمال، والرفعة والكمال، يتحرك إلا بين يدي الرسالة والرسول، وقد خلع بسماته ومعالمه ومظاهر الحياة فيه على ميلاد النبي الكثير من الروايات التي سبق أن ذكرنا ما صح منها رواية ودراية، ففيما صح غنية عما سواه .. وهذا هو منهجنا في هذه الدراسات -كما سبق- والرسول صلى الله عليه وسلم، أكمل البشريّة إنسانيّة، وأرفعهم في فضائلها فضيلة، وأشرفهم في أمجادها مجداً وشرفاً، وأزكاهم نفساً، وأطهرهم قلباً، وأصفاهم روحاً، وأعلاهم في المكارم كعباً!
ووحدة الجو (2) بكل ما حوى من خصائص في زمن ميلاد بشريّة الرسول صلى الله عليه وسلم وزمن ميلاد رسالته، وبدء نبوّته، أضفى على ميلاد رسالته، وأحداث بدء
(1) الرسالة: السنة الخامسة: العدد 203 ص 868 بتصرف.
(2)
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 1: 238 وما بعدها بتصرف.
الوحي بنبوّته أموراً شبيهة بما أضفاه على ميلاد بشريّته، ومن ثم فقد التزمنا بما صح رواية ودراية من هذه الروايات!
وأحداث ميلاد الرسالة وبدء الوحي أساس النبوّة ودعائم الرسالة .. والنبوّة هي الحقيقة الكبرى في ميلاد جديد للرسول صلى الله عليه وسلم، ميلاد روحاني يصور -أساساً- شخصية النبي بوصفه الجديد، ويصور حياته مع ربّه الذي اختاره لتلقّي كلماته والوحي، ويصور حياته مع نفسه التي اصطفاها الله لتكون منزل أمره ونهيه!
والرسالة هي الحقيقة العظمى في ميلاد جديد للرسول، فوق ميلاد روحانيّة النبي، يصور شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بمظهر ولادته الجديدة، ويصوّر حياته مع ربّه الذي اختاره رسولاً بينه وبين من شاء من عباده، يبلّغهم عنه ضروب هدايته، ويصوّر حياته مع نفسه رسولاً، يخرج الناس من ظلمات الجهل والضلالة، إلى نور العلم والهداية، ويصوّر حياته مع الناس في طرائق دعوتهم إلى الله، ودعوتهم إلى الحق والخير!
وإشراق الوجود البشري كان ميلاداً لمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب، في مهد أمّه آمنة بنت وهب .. وإشراق الوجود النبوي ببدء الوحي كان ميلاداً لمحمد رسول الله خاتم النبيّين!
وبن الميلادين في الفضل والشرف ما بين طفل خرج إلى الدنيا كما يولد أيّ طفل -في أشرف وأكرم بيت من بيوتات أعزّ قبيلة في العرب- ثكل أباه قبل أن يتشرّف الوجود بطلعته، وكان هذا الثكل جرحاً في قلب جده عبد المطلب، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم بلسماً لجرح الثكل في قلب هذا الجد الذي أخذت منه السنون، فلم تبق له إلا قلباً يعمره حب بنيه الذين عزّ بهم!
وقد استقبل عبد المطلب حفيده- الذي ملأ فراغ قلبه من مكان أبيه إذ بشر به، ومعه بنوه بالحب والبهجة، فاغتبط بميلاده شاكراً!
وبين ميلاد رسالة عامة خالدة، اختار الله تعالى رسولها بعلمه وحكمته، وخلعَ عليه رداء تعظيمه، فجعله خير رسول لـ (خير أمّة أخرجت للناس)، وختم به نبوّته، وعمّم برسالته شرائع وحيه، وخلّد بدعوته الدعوة إلى وحدانيّته، وشرف به ملكه وملكوته، وأفاض عليه من خواص غيبه في أخلاقه وخلائقه ما تعجز الأقلام والألسن عن الإحاطة بشيء من فضله، والله ذو الفضل العظيم!
* * *