الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا هو ما عليه جمهور المسلمين إلا أهل الظاهر، فقد ذهبوا إلى وجوب الوضوء على المعاود متمسكين بالحديث في روايته الأولى، وهو وقوف جامد على اللفظ غير مقبول ولا مستساغ، أعني به قوله «فلْيتوضأ» الذي يفيد الوجوب عندهم غير ناظرين في الروايات الأخرى.
الفصل الحادي عشر
المسحُ على الملبوس السَّاتر
ما يُلبس على الرأس
نستعرض الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بهذه المسألة لنستخلص منها حكم المسح على ملبوس الرأس في الوضوء:
ب- عن بلال «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخُفَّين والخِمار» رواه مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنَّسائي.
ج- عن عمرو بن أمية قال «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على عِمامته وخُفَّيه» رواه البخاري وابن ماجة وأحمد والدارمي.
د- عن المغيرة بن شعبة قال «توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعِمامة» رواه الترمذي وقال (حسن صحيح) .
هـ- عن ثوبان قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ومسح على الخُفَّين وعلى الخِمار ثم العِمامة» رواه أحمد والحاكم والطبراني وأبو داود.
هذه الأحاديث الخمسة هي التي صحَّت عند أئمة الحديث وحسنت، بحيث كانت صالحة للاحتجاج، نكتفي بها ونضرب صفحاً عن الأحاديث الأخرى التي لم تصح ولم تسلم من المطاعن، لأنَّ هذه الأحاديث الخمسة فيها الكفاية أولاً، وحتى لا يطعن أحد في الحكم الذي نستنبطه منها ثانياً.
الحديث الأول يقول «ومسح بناصيته وعلى العِمامة» والحديث الثاني يقول «مسح على الخُفَّين والخِمار» والحديث الثالث يقول «يمسح على عِمامته وخُفَّيه» والحديث الرابع يقول «ومسح على الخُفَّين والعِمامة» والحديث الخامس يقول «ومسح على الخُفَّين وعلى الخِمار ثم العِمامة» . من استعراض هذه النصوص نجد أن المسح المتعلق بغطاء الرأس ورد بثلاث حالات: إحداها المسح على العِمامة أو الخِمار فحسب - الثاني والثالث والرابع - والثانية المسح على الناصية وعلى العِمامة معاً - الحديث الأول - والثالثة المسح على الخِمار والعِمامة معاً - الحديث الخامس - وطبعاً نحن أخرجنا المسح على الخُفَّين لأنه هنا ليس موضع بحثنا.
ونقول إن الأول والثالث والرابع والخامس من الأحاديث ورد فيها لفظ العِمامة، والثاني والخامس ورد فيهما لفظ الخِمار، ليدلَّ ذلك على أن حكم المسح لا يتعلق بالعمائم فقط، بل بكل ما يُلبس على الرأس، وجاءت لفظة الخِمار تعمُّ كل غطاءٍ للرأس، فيدخل في ذلك القَلَنْسُوَةُ والطَّاقيةُ والطربوش وغيرها مما يُلبس على الرأس، والحديث الأول جاء بالمسح على العِمامة وعلى الناصية معاً، والحديث الخامس جاء بالمسح على العِمامة وعلى الخِمار. ومن هذين الحديثين يؤخذ حكمان: الأول أنه لا يجب في ملبوس الرأس الذي يُمسح عليه أن يغطي كامل الرأس ويواري جميع الشعر بدليل ورود المسح على الناصية لأنها كانت ظاهرة غير مغطاة، والثاني أن المسح على العمامة لا يكفي بل لا بد من المسح على بقية الرأس مما لم تغطِّه العِمامة. وأخيراً يُفهم من هذه النصوص حكم جواز المسح على العمائم في الوضوء وكل نص من هذه النصوص يفيد هذا الحكم. وقد مرَّ في بند مسح الرأس في الوضوء أن المسح المُجْزيءَ للرأس ينبغي أن يكون لجميع الرأس، واستدللنا من ضمن ما استدللنا به بالحديث الذي يقول بالمسح على الناصية وعلى العِمامة معاً، فلو كان مسح بعض الرأس يُجْزيء لمسح الرسول عليه الصلاة والسلام على الناصية فحسب ولما مسح على العِمامة، أو لَعَكَس فمسح على العِمامة دون الناصية فكونه مسح عليهما معاً فهو دليل على مشروعية مسح الرأس كله، سواء كان مكشوفاً أو مغطَّى، أو مكشوف الجزء ومغطَّى الجزء الآخر، إذ لا بد من أن يُمِرَّ يديه على رأسه كله دون اعتبارٍ للغطاء أو عدمه.
هذه الأحكام استخلصناها من النصوص الصالحة للاستدلال، وهو استخلاص بيِّن الصحَّة، ولا ينبغي العدول عنه والقول بسواه. والمسح على العِمامة كان معلوماً لدى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن أبي شيبة «أن أبا بكر وأبا موسى وأبا أمامة وأم سلمة قد مسحوا على العِمامة والخِمار، وأن عمر وسلمان قد أمرا بالمسح» . وقال الترمذي (وهو قول غير واحدٍ من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس) ورواه ابن حجر في فتح الباري عن الطبري وابن خُزَيمة وابن المنذر، وهو رأي أحمد والأوزاعي ومالك وإسحق وأبي ثور وداود بن علي وابن حزم. وتوقف الشافعي في هذه المسألة وقال: إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول. وقد صح الخبر، فوجب ضم الشافعي إلى أصحاب هذا الرأي، أو على الأقل إخراجه من الفريق المعارض.
وقد اختلف الأئمة في مشروعية الاقتصار على مسح العِمامة، فذهب سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي وأبو حنيفة إلى عدم جواز الاقتصار على مسح العِمامة، وأنه لا بدَّ مع مسحها من مسح جزء من الرأس، واحتجُّوا بأن الله سبحانه فرض المسح على الرأس، والحديث في العِمامة محتمل التأويل، فلا يترك المتيقن للمحتمل، والمسح على العِمامة ليس بمسح على الرأس.