المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما يلبس في القدم - الجامع لأحكام الصلاة - محمود عويضة - جـ ١

[محمود عبد اللطيف عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولأحكام المياه

- ‌الماء الطَّهور

- ‌الماءُ النَّجِس

- ‌ الماء المستعمَل

- ‌ فضل الماء في حديثين

- ‌تطبيقاتٌ على الماء

- ‌سُؤْر الحيوان

- ‌الفصل الثاني أعيانُ النجاسات

- ‌ البول

- ‌النجاساتُ من الإنسان

- ‌الغائط:

- ‌ المَذِي:

- ‌ الوَدِي:

- ‌النجاساتُ من الحيوان

- ‌2. الخنزير:

- ‌3. الميتة:

- ‌النجاسةُ المشتركة بين الإنسان والحيوان

- ‌الدم المسفوح

- ‌النجاسةُ من غير الإنسان والحيوان

- ‌الخمر:

- ‌شُبُهات

- ‌أولاً: بول ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل:

- ‌ثانياً: الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة:

- ‌ثالثاً: نجاسة الدم:

- ‌رابعاً: ما يُظنُّ أنه نجس:

- ‌أ - النبيذ:

- ‌ب - لحوم الحُمُر الأهلية:

- ‌ج - الصَّديد:

- ‌هـ- القيء:

- ‌الفصل الثالث أحكامُ النجاسة

- ‌تمهيد

- ‌حكمُ الانتفاعِ بالنَّجِس

- ‌هل يجب العدد في إزالة النجاسة

- ‌ما يُستعمل في إزالة النَّجِس

- ‌تطهيرُ المتنجس

- ‌الاستحالة

- ‌الفصل الرابعأحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة

- ‌أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة في الخلاء

- ‌أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة في البيوت والعُمران

- ‌الفصل الخامسسُنَنُ الفِطرة

- ‌السواكُ

- ‌قصُّ الشَّارب

- ‌إعفاءُ اللحية

- ‌نتفُ الإبط

- ‌قصُّ الأظفار

- ‌غسل البراجم

- ‌حلقُ العانة

- ‌الخِتان

- ‌الفصل السادسالسُّننُ المُلحقة بالفِطرة

- ‌ أحكام الشَعَر

- ‌1. إكرام الشعر

- ‌2. نتف الشعر الأبيض:

- ‌3. صبغ الشعر الأبيض:

- ‌4. وصل الشعر:

- ‌5. نفش الشعر:

- ‌6. فرق الشَّعَر:

- ‌الفصل السابعالأغسالُ المستحبَّة بالنصوص

- ‌غسلُ يوم الجمعة

- ‌غُسل الإحرام ودخول مكة

- ‌غُسل مَن أُغمي عليه

- ‌غُسل من غسَّل ميتاً

- ‌الفصل الثامنالغُسل

- ‌صفة الغُسل

- ‌الغُسل المُجْزئ

- ‌الغُسل الأكمل

- ‌تفصيلات تتعلق بالغسل

- ‌الفصل التاسعمُوجباتُ الغُسل

- ‌أولاً: الجنابة

- ‌أحكامُ الجُنُب

- ‌ثانياً: إسلام الكافر

- ‌ثالثاً: الموت

- ‌رابعاً: الحيض

- ‌أحكام الحائض

- ‌الأمور الثلاثة التي تختلف فيها الحائض عن الجُنُب

- ‌دمُ الحيض ومدَّته

- ‌المستحاضة وأحكامها

- ‌خامساً: النفاس والولادة

- ‌الفصل العاشرالوضوء

- ‌تعريف الوضوء ومشروعيته

- ‌فضلُ الوضوء

- ‌صفةُ الوضوء

- ‌1ـ النِّيَّة:

- ‌2ـ التسمية:

- ‌3 ـ غسل الكفين:

- ‌4 ـ المضمضة:

- ‌5- التَّسوُّك:

- ‌6- الاستنشاق والاستنثار:

- ‌7- غسل الوجه:

- ‌8- غسل اليدين إلى المرفقين:

- ‌9- مسح الرأس:

- ‌10- مسح الأذنين:

- ‌11- غسل الرِّجلين إلى الكعبين:

- ‌12- غسل الأعضاء سوى الرأس والأُذنين ثلاثاً:

- ‌13- الترتيب:

- ‌14- التيمُّن:

- ‌15- الموالاة:

- ‌الدعاءُ عقب الفراغ من الوضوء:

- ‌الصلاة ركعتين عقب الفراغ من الوضوء:

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌ما يُستحبُّ له الوضوء

- ‌ما يُلبس على الرأس

- ‌ما يُعْصَب على الجُرح والجَبيرة

- ‌ما يُلبس في القدم

- ‌1) الخارج من السبيلين

- ‌2) خروج الدم

- ‌3) القَيء

- ‌4) مسُّ الفرْج

- ‌5) النوم

- ‌6) أكل لحم الجَزور

- ‌مسائل

- ‌المسألة الخامسة: لمس المرأة لا ينقض الوضوء

الفصل: ‌ما يلبس في القدم

وقد رُوي عن الشافعي اشتراط أن توضع الجبيرة أو العصابة على طُهر، وكذلك رُوي عن أبي حنيفة، واختلفا فيما سوى ذلك، فذهب الشافعي إلى أن الجبيرة إنْ وضعت على غير طهارة لا يُمسح عليها ويلزم لها التيمُّم، وذهب أبو حنيفة إلى أن الجبيرة إن وضعت على غير طهارة لا يمسح عليها ولا تحلُّ بل تسقط كعبادةٍ تعذَّرت، ولأن الجبيرة كعضوٍ آخر، وآية الوضوء لم تتناول ذلك، واعتذر عن حديث جابر بأن فيه مقالاً، فنقول:

أما قول الشافعي إنه لا يمسح عليها ويلزمه التيمُّم فقط، فإن حديث جابر يردُّ عليه، وحديث جابر لم يذكر إن كان الجرح قد عُصب على طهارة أو لا، مما يدلُّ على عدم الفارق بينهما، ولم يُسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولم يبينِّه، فلا فرق إذن بين أن يكون وضع العصابة على طهارة أو غير طهارة، فالتفريق بينهما تحكُّمٌ بالنصِّ بدون وجه حق. وأما قول أبي حنيفة إنها عبادة تعذَّرت فسقطت فكذلك حديث جابر يردُّ عليه، إذ لو سقطت هذه العبادة لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتيمُّم لها وبالمسح عليها، وأما أنه اعتذر عن حديث جابر بأن فيه مقالاً أو ضعفاً - والمقصود بالضعف هنا أنَّ في سنده الزبير بن مخارق - فإن ابن السكن قد صحَّح هذا الحديث، وابن حِبَّان قد ذكر الزبير في الثقات، فيصلح للاستدلال.

والخلاصة أن الجبيرة توضع على الموضع حال الحاجة إليها دون وجوب تطهير الموضع بالماء، أو الوضوء وغسل الموضع في أثنائه، وإذا وضعت وأريد الغُسل أو الوضوء وجب التيمُّم ومسحها وإتمام الغسل وإتمام الوضوء فيما سوى ذلك.

‌ما يُلبس في القدم

ص: 442

وهو الحذاء أو النعل، والخُفُّ، والجُرموق، والجورب. أما الحذاء فمعلوم، وأما الخُفُّ فهو نعلٌ من جلد يغطي الكعبين، والجُرموق أكبر من الخُفِّ يُلبس فوقه، وأما الجَوْرب فقال صاحب القاموس: هو لِفافة الرِّجل. وقال ابن العربي: هو ما يلبسه أهل البلاد الشديدة البرد من غزل الصوف. فعن خالد بن سعد قال «كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له من شعر ونعليه» رواه عبد الرزاق. وروى ابن أبي شيبة «عن عُقبة بن عمرو أنه مسح على جوربين من شعر» . وجامع هذه الأسماء هو ما يلبسه الشخص في رجله من حذاء أو شبهه مما يستر به قدمه ويدفئها ويسِّهل عليها المشي، لا فرق بين أن يكون الملبوس من جلد أو صوف أو كتان أو مواد صناعية حديثة، ولا فرق بين أن يكون صلباً أو ليناً ما دام يستر القدم ويدفئها ويُسهِّل عليها المشي. وإنما قلنا بالستر والتدفئة والتسهيل لأن العادة جرت بأن تتوفر هذه الأوصاف في ملبوس القدم. وهذه الملبوسات منها ما يكون متيناً يتحمل وعورة الأرض في أثناء السير كالنعال، ومنها ما يكون أدنى من ذلك مما يكون من جلدٍ ناعم رقيق أو شعر أو وبَر أو صوف أو قماش، ومنها ما يكون واسعاً يُلبس على غيره، ومنها ما يكون ضيقاً يلبس عليه غيره، وكل هذه الأشياء تدخل في بحث المسح.

ص: 443

وقد وردت مشروعية المسح على الأحذية في السنة النبوية المطهرة، ونُقلت عن جمهرة الصحابة واشتهرت في هذه الأمة الإسلامية شهرة واسعة. قال النووي (قد روى المسح على الخفين خلائقُ لا يُحصَوْن من الصحابة) وقال إبراهيم النخعي (مسحَ على الخفين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرُ بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وابن مسعود وأبو مسعود الأنصاري وحذيفة والمغيرة بن شعبة والبراء بن عازب) رواه ابن أبي شيبة. وقال ابن حجر (قد صرَّح جمعٌ من الحُفَّاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضُهم رواتِه فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة) وقال أحمد: فيه أربعون حديثاً عن الصحابة مرفوعة. وقال ابن المبارك (ليس في المسح على الخفين اختلاف أنه جائز، قال: وذلك أن كل من روي عنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره المسح على الخفين، فقد رُوي عنه غير ذلك) ذكره ابن المنذر، وقال ابن عبد البَر: لا أعلم من روي عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة مُصرِّحة عنه بإثباته.

أما ما رُوي عن عائشة وأبي هريرة من إنكار المسح فقال ابن عبد البر: لا يثبت. وقال أحمد: لا يصح حديث أبي هريرة في إنكار المسح، وهو باطل. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه من القول بعدم المسح فمنقوض بما روي من طريق صحيحة عن علي من القول بالمسح، فعن شريح بن هانيء قال «أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم» رواه مسلم والنَّسائي.

ص: 444

ورغم كل ما سلف فقد ذهب أبو بكر بن داود الظاهري وغيره إلى إنكار المسح على الخفين، واستدلوا على دعواهم بآية المائدة التي ذكرت الوضوء وفيه غُسل الرِّجلين، وأمره صلى الله عليه وسلم بالغسل «واغسل رِجلك» وقوله بعد غُسل الرِّجلين «لا يقبل الله الصلاة من دونه» ، وقوله «ويل للأعقاب من النار» ، وردوا أحاديث المسح بالقول إنها منسوخة بآية المائدة. وهؤلاء قد أخطأوا خطأً كبيراً وتعسَّفوا في الاستنباط والاستدلال.

ولقد أحسن الشوكاني في الرد عليهم بقوله (أما الآية فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم المسح بعدها كما في حديث جرير المذكور في الباب، وأما حديث «واغسل رِجلك» فغاية ما فيه الأمر بالغسل وليس فيه ما يشعِر بالقصر، ولو سلم وجود ما يدل على ذلك لكان مخصصاً بأحاديث المسح المتواترة، وأما حديث لا يقبل الله الصلاة بدونه فلا ينتهض للاحتجاج به، فكيف يصلح لمعارضة الأحاديث المتواترة مع أنَّا لم نجده بهذا اللفظ من وجه يُعتدُّ به، وأما حديث «ويل للأعقاب من النار» فهو وعيد لمن مسح رجليه ولم يغسلهما، ولم يَرِد في مسح الخفين، فإن قلت هو عام فلا يقصر على السبب، قلت لا نسلِّم شموله لمن مسح على الخفين، فإنه يدع رجله كلها ولا يدع العقب فقط، سلَّمنا، فأحاديث المسح على الخفين مخصصة للماسح من ذلك الوعيد، أما دعوى النسخ فالجواب أن الآية عامة مطلقة باعتبار حالتي لبس الخف وعدمه، فتكون أحاديث الخفين مخصصة أو مقيدة، فلا نسخ

) .

ص: 445

وقال ابن حجر في فتح الباري (إن آية المائدة نزلت في غزوة المُرَيْسيع، وحديث المغيرة كان في غزوة تبوك، وتبوك متأخرة بالاتفاق) . وصرَّح أبو داود ومالك بأن حديث المغيرة في غزوة تبوك، وكذلك صرح الشافعي في مسنده. وروى البزَّار والطبراني وأحمد عن عوف بن مالك قال «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بالمسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» . أما حديث جرير وحديث المغيرة اللذان وردا في قولي الشوكاني وابن حجر فسنُوردهما بإذن الله مع غيرهما من الأحاديث الشريفة للتدليل على مشروعية المسح على الخفين.

1-

عن همام قال «بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال، ثم توضأ ومسح على خفيه» رواه مسلم وأبو داود وأحمد والنَّسائي والترمذي.

2-

عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عن المغيرة بن شعبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله أنسيت؟ قال: بل أنت نسيت، بهذا أمرني ربي» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

3-

عن المغيرة بن شعبة عند مسلم بلفظ «

فغسل ذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويتُ لأنزع خُفَّيه فقال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما» .

4-

عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه مسح على الخفين، وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك، فقال: نعم إذا حدثك شيئاً سعدٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره» رواه البخاري وأحمد وابن خُزَيمة ومالك.

5-

عن المغيرة قال «توضأ النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح على الجوربين والنعلين» رواه الترمذي وقال (حسن صحيح) . ورواه ابن ماجة.

6-

وسبق في بحث ما يُلبس على الرأس أحاديث بلال وثوبان وعمرو بن أمية.

ص: 446

هذه الأحاديث الصحيحة تفيد مشروعية المسح على الخفين والنعلين والجوربين، وهذا صار معلوماً عند الفقهاء السابقين والمتأخرين، فلا يؤبه بقول من خالف ذلك، ويكفي حديث جرير دليلاً على أن الآية لا تفيد النسخ لأن جريراً متأخر الإسلام، فقد روى أبو داود حديث جرير وزاد «قالوا: إنما كان ذلك قبل نزول المائدة؟ قال: ما أسلمتُ إلا بعد نزول المائدة» . وروى الطبراني عن جرير قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين بعد نزول المائدة» . فهذا الحديث متأخر عن آية المائدة القائلة بغسل الأرجل، فلا تكون ناسخة له قطعاً، وكذلك حديث المغيرة متأخر عن نزول سورة المائدة لوقوعه في غزوة تبوك، ذكر ذلك أبو داود.

وكذلك ما رواه عوف بن مالك عند البزَّار والطبراني وأحمد «

أَمَرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بالمسح على الخفين

» وقد مرَّ قبل قليل بتمامه، قال أحمد: هذا أجود حديث في المسح على الخفين. وحسَّنه البخاري. وقال الهيثمي (رجاله رجال الصحيح) وهو نصٌّ في وقوع المسح في غزوة تبوك. ثم إن مالكاً روى في الموطأ حديث المغيرة «عن المغيرة بن

شُعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب لحاجته في غزوة تبوك

فغسل يديه ومسح برأسه ومسح على الخفين

» فهذا أيضاً نص صريح، فلا معنى للقول بنسخ الآية الكريمة لهذه الأحاديث، لأن المتقدم - وهو هنا الآية الكريمة - لا ينسخ المتأخر - وهو هنا الأحاديث - هذا في المسح عموماً.

ص: 447

أما المسح على الجوربين بشكل خاص فقد توقف فيه بعض العلماء والفقهاء، منهم أبو حنيفة طيلة حياته إلا في الأسبوع الأخير، فقال بجواز المسح على الجوربين، وقال لعُوَّاده قبل موته بثلاثة أيام أو بسبعة: فعلت ما كنت أنهى عنه. إلا أن جمهرة العلماء والأئمة جوَّزوا المسح على الجوربين، ونُقل ذلك عن جمهور الصحابة. قال أبو داود (ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث، ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس) ورُوي المسح على الجوربين عن عمار وبلال بن عبد الله وابن عمر، وقال الترمذي (وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين إذا كانا ثخينين) .

أما توقيت المسح على الأحذية والنعال فنذكر له الأحاديث التالية:

1-

حديث عوف بن مالك المار قبل هنيهة، وفيه «ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم» .

2-

عن القاسم بن مخيمِرة عن شريح بن هانيء قال «أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت: عليك بابن أبي طالب فسله، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوماً وليلة للمقيم» رواه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة والنَّسائي.

3-

عن صفوان بن عسَّال قال «أمَرَنا - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طُهر، ثلاثاً إذا سافرنا ويوماً وليلة إذا أقمنا، ولا نخلعهما إلا من جنابة» رواه أحمد وابن خُزَيمة. وفي روايةٍ لأحمد والترمذي والنَّسائي «

إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم» . قال الترمذي (هذا حديث حسن صحيح) وقال (قال محمد بن إسماعيل: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان) .

ص: 448

4-

عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه رخَّص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة إذا تطهَّر ولبس خُفَّيه أن يمسح عليهما» رواه الدارقطني وابن خُزَيمة والطبراني وابن حِبَّان والبيهقي. وصححه الشافعي والخطَّابي وابن خُزَيمة. وقال البخاري (حديث أبي بكرة حديث حسن) .

5-

عن خُزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة» رواه أبو داود وأحمد. ورواه الترمذي وصححه، وكذلك صححه يحيى بن معين.

فهذه الأحاديث الخمسة الصحيحة تبين أن مدة المسح على الأحذية للمقيم في الحضر يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، ومع ذلك فقد اختلف العلماء والأئمة في توقيت المسح، فذهب مالك والليث إلى أنه لا وقت للمسح على الخفين، وأن للمسلم أن يمسح ما بدا له من وقت سواء في ذلك المسافر والمقيم، وروي مثل ذلك عن عمر في رواية، وابنه عبد الله وعقبة بن عامر والحسن البصري.

وذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحق بن راهُويه وداود والطبري إلى التوقيت، وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عباس وحذيفة والمغيرة وأبي زيد الأنصاري وعمر في الرواية الثانية، ومن التابعين شريح القاضي وعطاء والشعبي وعمر ابن عبد العزيز. قال ابن عبد البر: أكثر التابعين والفقهاء على ذلك. وأدلة هؤلاء هي الأدلة التي ذكرناها من قبل.

ص: 449

أما أدلة النافين للتوقيت، فمنها ما أخرجه أبو داود من حديث أبيِّ بن عمارة، أنه قال «يا رسول الله أمسحُ على الخفين؟ قال: نعم، قال: يوماً؟ قال: يوماً: قال: ويومين؟ قال: ويومين، قال: وثلاثة؟ قال: نعم وما شئت» وفي رواية له «حتى بلغ سبعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وما بدا لك» وما رواه ابن حِبَّان عن خُزَيمة بن ثابت أنه قال «رخَّص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نمسح ثلاثاً، ولو استزدناه لزادنا» وما رواه ابن حِبَّان وابن ماجة «

ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمساً» . حديث أبي داود من طريق ابن عمارة ضعيف، قال أحمد: رجاله لا يُعرفون. وقال الدارقطني (هذا إسناد لا يثبت، وفي إسناده ثلاثة مجاهيل) وقال ابن عبد البر: لا يثبت وليس له إسناد قائم. وقال أبو داود (إسناده ليس بالقوي) وعدَّه الجوزجاني في الموضوعات. وأما حديث خزيمة بن ثابت بالزيادة المذكورة فلا تقوم به حجة، لأن الزيادة على التوقيت مظنونة، فقوله «ولو استزدناه لزادنا» وقوله «ولو مضى السائل على مسألته» صريح في أنهم لم يسألوا ولم يُزادوا، فلا يصلح للاستدلال على عدم التوقيت. فمثل هذه النصوص الضعيفة وغير المفيدة لمزيدِ رأي لا تصمد أمام الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي ذكرت التوقيت، فيسقط قولهم ويثبت قول القائلين بالتوقيت.

أما بدء مدة المسح، فمن حين الحدث وهو لابس وليس من حين المسح، لأن المسح عبادة مؤقتة، فاعتُبر أول وقتها من حين جواز فعلها وليس من حين المسح، وإن كان القول الآخر محتملاً، وليست لدينا نصوص ناطقة بترجيح أيٍّ من الرأيين.

ص: 450

والواجب عند المسح على النعال والخفاف أن تكون ملبوسة على طهارة، أي على وضوء، والأدلة على ذلك حديث صفوان بن عسَّال السابق وفيه «نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طُهْر» وحديث المغيرة الأسبق وفيه «دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين» ورواه أبو داود بلفظ «دع الخفين فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان، فمسح عليهما» فهذه النصوص تدل على اشتراط الطهارة عند اللبس، ومقتضاه أن إدخالهما غير طاهرتين يقتضي عدم المسح. وهذا رأي مالك والشافعي وأحمد وإسحق.

وخالفهم أبو حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود، إذ قالوا يجوز اللبس على حدث ثم يكمل طهارته، وحملوا الأحاديث السابقة على اشتراط الطهارة من النجاسة، وليس الطهارة من الحدث. نعم إن لفظ الطهارة يشمل رفع الحدث ويشمل إزالة النجاسة ويشمل غيرهما، وإن القرينة هي التي تعين المعنى المقصود، وهنا القرينة ورود النصوص في موضوع الوضوء والمسح له، وليس في موضوع التطهُّر من النجاسات وغيرها، فكون النصوص جاءت في موضوع الوضوء فهي قرينة على أن المراد من الطهارةِ الطهارةُ من الحَدَث لا غير، ولا قرينة لديهم على صرف الطهارة إلى إزالة النجاسة، وإنما هو تعيين بدون معيِّن وتحديد بدون محدِّد.

واختلف الأئمة في حالة غسل الرجل اليمنى في الوضوء ولبس الخف قبل أن تُغسل الرجل اليسرى ويُلبس الخف الأيسر، هل يجوز مستقبلاً لمن فعل ذلك أن يمسح على خفيه؟ على رأيين الأصح منهما أنه لا يجوز، لأنه بفعله هذا يكون قد لبس الخف الأيمن قبل تمام الطهارة أي قبل تمام الوضوء، في حين أن الواجب على الماسح على الخفين أن يكون قد أدخل رجليه الخفين على طهارة، والطهارة لا تكون قبل اكتمال الوضوء. وقد نصر ابن حجر والنووي هذا الرأي خلافاً للثوري والمزني وابن المنذر.

ويَبطُل المسح على الخفين ومن ثم الوضوء بثلاثة أمور:

ص: 451

أولها: خلع الخفين أو أحدهما ولو لحظة، ويندرج تحته تمزُّق الخف وتخرُّمه بحيث لا يعود يصلح للبس عادة. وخالف المزني وأبو ثور فقالا إنْ نَزَع الخفين غسَل قدميه وصح وضوؤه، وكذا قال مالك والليث إلا إنْ تطاول النزع، وقال الحسن وابن أبي ليلى وغيرهما ليس عليه غسل قدميه ويظل وضوؤه صحيحاً، وقاسوه على من مسح رأسه ثم حلقه أنه لا تجب عليه إعادة المسح، ويظل وضوؤه صحيحاً. وهذا قياس لا يصح، وذلك أن الشعر لا يلبس، ولا يخلع ليعاد لبسه بخلاف الخف الذي من شأنه اللبس والنزع، ثم إن الشعر جزء من الرأس بخلاف الخف، فالواقعان مختلفان، ثم إنَّ القياس في العبادات لا يصح إلا أن وُجدت علةٌ ظاهر. وعلق ابن حجر على هذا القياس بقوله (فيه نظر) .

وثانيها: انقضاء مدة المسح التي ذكرناها آنفاً.

ص: 452

وثالثها: الجنابة، لحديث صفوان السابق وفيه «ولا يخلعهما إلا من جنابة» وإذا كان المسلم يلبس خفاً فوقه حذاء ومسح على الحذاء ثم خلعه وبقي الخف بطل وضوؤه، لأن شرط بقاء الوضوء بقاء الممسوح عليه، وإن كان يلبس خفاً ومسح عليه، ثم لبس فوقه خفاً آخر أو حذاء استمر وضوؤه، وإذا كان الخف شديد التَّخرُّق لا يصلح للمسح ولبس فوقه خفاً آخر شديد التَّخرُّق بحيث صار من الخفين المتخرِّقين ملبوس ساتر جاز المسح عليهما وبطل الوضوء بنزع أحدهما، وإنما قلنا (شديد التَّخرُّق) تقييداً، حتى لا نُخرج الأحذية ذات الخروق اليسيرة المعتادة، فالخف أو الحذاء أو الجورب أو النعل إن كانت بها خروق معتادة جاز المسح عليها ما دامت تُلبس عادة. قال الثوري: كانت خِفاف المهاجرين والأنصار لا تسلم من الخروق كخفاف الناس، فلو كان في ذلك حظر لورد ولنقل عنهم. وإن كان الخف غير ساتر لمحل الفرض كأن يكون حذاء دون الكعبين لا يصح المسح عليه، لأن الجزء المكشوف من القدم يجب غسله في الوضوء، والخف يمسح عليه، ولا يجتمع غسلٌ ومسحٌ لعضو واحد في الوضوء، والواجب حينئذ خلع الحذاء وغسل الرِّجل.

أما كيفية المسح على الخفين فنورد لها الأحاديث التي عالجتها، ونبيِّن الحكم الصحيح المستفاد منها بعون الله:

1-

عن علي رضي الله عنه قال «لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه» رواه أبو داود والدارقطني.

2-

عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على ظهر الخفين» رواه أبو داود وأحمد. ورواه الترمذي وحسَّنه ولفظه «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما» .

ص: 453

3-

عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن ورَّاد كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة ابن شعبة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله» رواه ابن ماجة وأبو داود وأحمد والترمذي والدارقطني.

الحديث الأول حسَّنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام، وصححه في التلخيص. والحديث الثاني قال البخاري عنه في كتابه التاريخ (هو بهذا اللفظ أصح من حديث رجاء بن حيوة) أي الحديث الثالث. وعن الحديث الثالث قال الأثرم عن أحمد إنه كان يضعِّفه، وقال نعيم بن حماد: اضربوا على هذا الحديث. وقال أبو داود (وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء) فهو إذن منقطع، فالحديث لا يصلح للاحتجاج.

يبقى الحديثان الأول والثاني فحسب، وهذان الحديثان يفيدان المسح على ظاهر الخف، وليس فيهما المسح على باطنه. وممن ذهب إلى ذلك وأن المسح المشروع هو مسح ظاهر الخف دون باطنه أو أسفله: الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد بن حنبل.

وذهب مالك والشافعي والزهري وابن المبارك إلى مسح الظهور والبطون، ورُوي عن سعد بن أبي وقاص وعمر بن عبد العزيز، إلا أن الشافعي ومالكاً قالا: إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه. وقالا: من مسح باطن الخفين دون ظاهرهما لم يُجزئه وكان عليه الإعادة وليس هو بماسح. فيكون مالك والشافعي يحملان رأي أبي حنيفة وأحمد نفسَه، وهو أن المسح المشروع المُجْزيء هو مسح ظاهر الخفين فحسب. والخلاف إنما هو في مسح الباطن، فعند أحمد وأبي حنيفة لا يُمسح، وعند مالك والشافعي يُمسح استحباباً فقط، فالخلاف يسير.

وكما سبق فإن الأحاديث الواردة الصالحة للاحتجاج لا تفيد سوى مسح الظاهر دون الباطن، وأن مسح الباطن لم يرد فيه حديث صحيح يُعتدُّ به. وأما ما روى الشافعي والبيهقي عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله فهو فعل صحابي وليس هو بدليل، ولا يصلح إلا عند من يريد تقليد ابن عمر في هذه المسألة والأصل الوقوف عند الأدلة.

ص: 454