المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة: - الجامع لأحكام الصلاة - محمود عويضة - جـ ١

[محمود عبد اللطيف عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولأحكام المياه

- ‌الماء الطَّهور

- ‌الماءُ النَّجِس

- ‌ الماء المستعمَل

- ‌ فضل الماء في حديثين

- ‌تطبيقاتٌ على الماء

- ‌سُؤْر الحيوان

- ‌الفصل الثاني أعيانُ النجاسات

- ‌ البول

- ‌النجاساتُ من الإنسان

- ‌الغائط:

- ‌ المَذِي:

- ‌ الوَدِي:

- ‌النجاساتُ من الحيوان

- ‌2. الخنزير:

- ‌3. الميتة:

- ‌النجاسةُ المشتركة بين الإنسان والحيوان

- ‌الدم المسفوح

- ‌النجاسةُ من غير الإنسان والحيوان

- ‌الخمر:

- ‌شُبُهات

- ‌أولاً: بول ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل:

- ‌ثانياً: الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة:

- ‌ثالثاً: نجاسة الدم:

- ‌رابعاً: ما يُظنُّ أنه نجس:

- ‌أ - النبيذ:

- ‌ب - لحوم الحُمُر الأهلية:

- ‌ج - الصَّديد:

- ‌هـ- القيء:

- ‌الفصل الثالث أحكامُ النجاسة

- ‌تمهيد

- ‌حكمُ الانتفاعِ بالنَّجِس

- ‌هل يجب العدد في إزالة النجاسة

- ‌ما يُستعمل في إزالة النَّجِس

- ‌تطهيرُ المتنجس

- ‌الاستحالة

- ‌الفصل الرابعأحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة

- ‌أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة في الخلاء

- ‌أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة في البيوت والعُمران

- ‌الفصل الخامسسُنَنُ الفِطرة

- ‌السواكُ

- ‌قصُّ الشَّارب

- ‌إعفاءُ اللحية

- ‌نتفُ الإبط

- ‌قصُّ الأظفار

- ‌غسل البراجم

- ‌حلقُ العانة

- ‌الخِتان

- ‌الفصل السادسالسُّننُ المُلحقة بالفِطرة

- ‌ أحكام الشَعَر

- ‌1. إكرام الشعر

- ‌2. نتف الشعر الأبيض:

- ‌3. صبغ الشعر الأبيض:

- ‌4. وصل الشعر:

- ‌5. نفش الشعر:

- ‌6. فرق الشَّعَر:

- ‌الفصل السابعالأغسالُ المستحبَّة بالنصوص

- ‌غسلُ يوم الجمعة

- ‌غُسل الإحرام ودخول مكة

- ‌غُسل مَن أُغمي عليه

- ‌غُسل من غسَّل ميتاً

- ‌الفصل الثامنالغُسل

- ‌صفة الغُسل

- ‌الغُسل المُجْزئ

- ‌الغُسل الأكمل

- ‌تفصيلات تتعلق بالغسل

- ‌الفصل التاسعمُوجباتُ الغُسل

- ‌أولاً: الجنابة

- ‌أحكامُ الجُنُب

- ‌ثانياً: إسلام الكافر

- ‌ثالثاً: الموت

- ‌رابعاً: الحيض

- ‌أحكام الحائض

- ‌الأمور الثلاثة التي تختلف فيها الحائض عن الجُنُب

- ‌دمُ الحيض ومدَّته

- ‌المستحاضة وأحكامها

- ‌خامساً: النفاس والولادة

- ‌الفصل العاشرالوضوء

- ‌تعريف الوضوء ومشروعيته

- ‌فضلُ الوضوء

- ‌صفةُ الوضوء

- ‌1ـ النِّيَّة:

- ‌2ـ التسمية:

- ‌3 ـ غسل الكفين:

- ‌4 ـ المضمضة:

- ‌5- التَّسوُّك:

- ‌6- الاستنشاق والاستنثار:

- ‌7- غسل الوجه:

- ‌8- غسل اليدين إلى المرفقين:

- ‌9- مسح الرأس:

- ‌10- مسح الأذنين:

- ‌11- غسل الرِّجلين إلى الكعبين:

- ‌12- غسل الأعضاء سوى الرأس والأُذنين ثلاثاً:

- ‌13- الترتيب:

- ‌14- التيمُّن:

- ‌15- الموالاة:

- ‌الدعاءُ عقب الفراغ من الوضوء:

- ‌الصلاة ركعتين عقب الفراغ من الوضوء:

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌ما يُستحبُّ له الوضوء

- ‌ما يُلبس على الرأس

- ‌ما يُعْصَب على الجُرح والجَبيرة

- ‌ما يُلبس في القدم

- ‌1) الخارج من السبيلين

- ‌2) خروج الدم

- ‌3) القَيء

- ‌4) مسُّ الفرْج

- ‌5) النوم

- ‌6) أكل لحم الجَزور

- ‌مسائل

- ‌المسألة الخامسة: لمس المرأة لا ينقض الوضوء

الفصل: ‌ثانيا: الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة:

وبعد أن فرغنا من إزالة الشُّبهات في موضوع الأبوال، نودُّ أن نبحث موضوع الميتة وما يتعلق بجلدها وعظمها وشعرها، وهل هذه الثلاثة تلحق بالميتة من حيث النجاسة، أم أن لها حكماً آخر؟

‌ثانياً: الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة:

لقد اختلف الأئمة والفقهاء في موضوع الميتة وأجزائها من حيث النجاسة اختلافاً كبيراً، وذهبوا في ذلك مذاهب شتَّى، وقد ظهر ذلك في موضوعين رئيسيين منها:

أ - عظمها وشعرها وما يلحق بهما من العاج والسِّنِّ والقرن والوبر والصوف.

ب - جلدها.

فذهب إلى نجاسة عظمها مالك والشافعي وإسحق وأحمد، وذهب إلى حكم الكراهة فيها عطاء وطاووس والحسن وعمر بن عبد العزيز، وذهب إلى طهارتها ابن سيرين وابن جُرَيْج والثوري وأبو حنيفة والزُّهري، ومن الصحابة ابن عباس. فالفقهاء والأئمة اختلفوا في العظم على ثلاثة آراء، واختلفوا في جلد الميتة هل يَطْهُر بالدباغ أم لا يَطْهُر وأيُّ الجلود تَطْهُر، على آراءٍ كثيرة نفصِّلها كما يلي:

1-

ذهب عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيِّب وعطاء والحسن والشعبي وسالم والنخعي وقتادة والضحاك وسعيد بن جبير ويحيى بن سعيد ومالك والليث والثوري وأبو حنيفة وابن المبارك والشافعي وأحمد في آخر قوليه إلى أن جلود الميتات تَطهر بالدباغ ما عدا جلد الكلب وجلد الخنزير.

2-

ورُوي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعِمران بن حصين وعائشة أم المؤمنين وأحمد في أُولى الروايتين عنه، ومالك في رواية عنه إلى أن الدباغ لا يُطَهِّر جلد الميتة إطلاقاً.

3-

وذهب الأوزاعي وأبو ثور وإسحق بن راهُوَيه إلى تطهير جلد الميتة لمأكول اللحم فقط.

4-

وذهب مالك إلى أن الدِّباغ يُطَهِّر ظاهر الجلد دون باطنه، بمعنى أنه لا يصلح لوضع المائعات والسوائل فيه.

5-

وذهب داود وأبو يوسف ومالك في رواية عنه إلى أن الدِّباغ يُطَهِّر جميع الجلود حتى جلد الكلب والخنزير.

ص: 107

6-

وانفرد الزُّهري بالرأي القائل بطهارة جلود الميتة دون دباغ.

هذه هي الآراء في هذه المسألة، فلنناقشها للوقوف على الرأي الصحيح بتوفيق الله سبحانه. الذي ظهر لي هو أن عظم الميتة وشعَرها وسِنَّها وظِلْفها كله طاهر، وأن جلود الميتات جميعها تطهر بالدباغ لما يلي:

1-

قوله تعالى {قُلْ لا أجِدُ في مَا أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً على طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلا أنْ يكون مَيْتَةً أو دَماً مَسْفُوحاً أو لحمَ خِنزيرٍ فإنَّه رِجْسٌ أو فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ} الآية 145 من سورة الأنعام.

2-

عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عَصَبٍ وسِوارين من عاج» رواه أبو داود وأحمد.

3-

عن ابن عباس قال «تُصُدِّق على مولاةٍ لميمونة بشاة فماتت، فمرَّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ فقالوا: إنها ميتة، فقال: إنما حَرُمَ أكلُها» رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

4-

عن ميمونة زوج النبي عليه الصلاة والسلام قالت «مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجال من قريش يجُرُّون شاة لهم مثل الحمار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أخذتم إهابَها قالوا: إنها ميتة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُطهِّرها الماء والقَرَظُ» رواه أحمد والدارقطني وابن حِبَّان ومالك. وصححه الدارقطني والحاكم وابن السكن. قوله القَرَظ: هو مادَّةٌ يُدبغ بها.

5-

عن ابن عباس «أن داجنةً لميمونة ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا انتفعتم بإهابها، ألا دبغتموه فإنه ذكاتُه» رواه أحمد. وقال ابن حزم: إسناده في غاية الصحة.

ص: 108

6-

عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس رضي الله عنه قال «قلت له: إنا نغزو فنُؤتى بالإهاب والأَسْقية، قال: ما أدري ما أقول لك، إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طَهُر» رواه أحمد ومسلم وابن ماجة وابن حِبَّان والبيهقي.

7-

عن ابن عباس رضي الله عنه قال «أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ من سِقاء، فقيل له: إنه ميتة، قال: دباغه يذهب بخَبَثه أو نجَسه أو رِجْسه» رواه ابن خُزَيمة. ورواه البيهقي والحاكم وصححاه، وقد سبق.

8-

عن عائشة رضي الله عنها قالت «سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة، فقال: دباغها طُهورها» رواه أحمد والنَّسائي.

9-

عن ابن عباس رضي الله عنه قال «ماتت شاة لسَوْدة بنت زِمْعة، فقالت: يا رسول الله ماتت فلانة، يعني الشاة، فقال: فلولا أخذتم مَسْكَها، فقالت: نأخذ مَسْك شاة قد ماتت؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما قال الله عز وجل {قُلْ لا أَجِدُ فِيْما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً علي طاعِمٍ يَطْعَمُه إلا أَنْ يكُونَ مَيْتةً أو دماً مَسْفُوحاً أَو لَحْمَ خِنْزِيرٍ} فإنكم لا تطعمونه أن تدبغوه فتنتفعوا به، فأرسلت إليها فسلخت مَسْكها فدبغته فأخذت منه قِربة حتى تخرَّقت عندها» رواه أحمد بإسناد صحيح. ورواه البخاري والنَّسائي. ووردت أحاديث أخرى في تطهير الجلود بالدباغ، إلا أننا اقتصرنا على هذا القدر للكفاية فلا نطيل.

ص: 109

باستعراض الأدلة التسعة نجد أن الدليل التاسع هو تفسيرٌ فقهي للدَّليل الأول وهو الآية، وعلى هذين الدليلين مدار البحث إلا قليلاً. قول الرسول عليه الصلاة والسلام «فإنكم لا تطعمونه أن تدبغوه فتنتفعوا به» إذا أضيف إلى نصِّ الآية الكريمة {قُلْ لا أَجِدُ في ما أُوحيَ إليَّ مُحَرَّماً على طاعمٍ يَطْعَمُه} نخرج منه بفهمٍ لطيف، هو أن التحريم الواقع على الميتة إنما هو على أكلها وعلى المأكول منها «وأنتم لا تطعمونه» ، «على طاعمٍ يطعمه» فالتحريم هو على أكل الميتة، والمادة المحرَّمة في الأكل منها هي ما يُؤكل منها. هذا هو فقه الحديث التاسع مقروناً بالآية الكريمة، وإذن فإنَّ كل ما يصلح للأكل من الميتة حرام أكله ونجس أيضاً، وهو الذي يحتوي على أحكام الميتة لا غير، فيخرج من الموضوع ما لا يُؤكل منها كعظمها وظِلْفها وشعرها وسنِّها. وعلى ذلك فكل ما في الميتة مما لا يؤكل لا ينطبق عليه حكم الميتة من حيث التحريم والنجاسة، بل يظل على البراءة الأصلية من الطهارة، وهذا الفهم أيضاً هو لشيخ الإسلام ابن تيمية. وأيضاً فإن أدلةً عدة على جواز استعمال ما سوى المأكول من الميتة واعتبارها طاهرة تدعم وتقوي هذا الفهم.

ص: 110

أ - حديث ثوبان بند 2 السابق نصٌّ في جواز استعمال العاج، والعاج هو عظم الفيل، وحكم العاج حكم العظم في الحلِّ والحرمة وهو دليل على طهارته لأنه لو كان نجساً ما جاز استعماله، فإذا عُلم أن تجارة العاج لم تكن زمن الرسول عليه الصلاة والسلام فيما بين المسلمين وحدهم - لأن الهند وإفريقية لم تكونا دخلتا بعدُ في دولة الإسلام - بل كان المسلمون يشترون العاج من الكفار الهندوس في الهند والوثنيين في إفريقية، وهؤلاء لم يكونوا يذبحون أو يُذكُّون الفيلة ذكاةً يقرها الإسلام، هذا إن كانوا أصلاً يذبحون، وإنما كانت أنياب الفيلة تقطع منها وهي ميتة، وتظل مع ذلك طاهرة مستعملة زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا دليل واضح على استثناء العظم من الميتة يؤيد الفهم السابق. ورُبَّ قائلٍ يقول: إن العاج يُقطع من الفيلة وهي حية، وبالتالي تظل طاهرة لأنها لم تقطع من ميتة، فنجيبه بإجابتين:

إحداهما: أنه لم يكن المسلمون يفرِّقون أو يسألون إن كان العاج الوارد إليهم هو من فيلة حية أو ميتة، ولو سألوا لما حصلوا على جواب أكيد، مما يدل على عدم الفارق عندهم.

والثانية: أن أبا واقد الليثي قال «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وبها ناسٌ يعمدون إلى أليات الغنم وأسْنِمة الإبل فَيَجُبُّونها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قُطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة» رواه أحمد. ورواه الترمذي وقال (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث زيد بن أسلم، والعمل على هذا عند أهل العلم) فهذا الحديث يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن أي عضو يُقطع من الفيلة وهي حية هو ميِّت وهو نجس، والنجس حرام استعماله، فلما جاز استعمال العاج دلَّ ذلك على أنه شيء آخر لا ينطبق عليه الحديث، وما ذلك إلا لأنه ليس ميتة، ولا ينطبق عليه حكم الميتة. وبذلك يسقط القول بأنه طاهر لأنه قُطع من حيوان حيٍّ طاهر، وإنما هو طاهر لأنه ليس ميتة فحسب.

ص: 111

هذا في العاج، ويلحق به السنُّ والظِّلف والعظم. قال الزُّهري في عظام الموتى من الحيوان كالفيل (أدركتُ ناساً من سَلَف العلماء يمتشطون بها ويدَّهِنون فيها لا يرون به بأساً) ذكره البخاري. والمعلوم أن الزُّهري تابعي، وإذن فإنَّ سَلَفَ العلماء الذي أدركهم هم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ب - إجماع الصحابة واتِّفاق العلماء سلفاً وخلفاً على طهارة الشعر والصوف والوبر. والمعلوم إنها تُجَزُّ من الأنعام وهي حية كما تُجَزُّ منها بعد ذبحها، وتعامل كلها معاملة واحدة من حيث الطهارة وجواز الاستعمال دون أي فارق. وحيث أن ما يُؤخذ من الحي ميت ونجس كما بيَّنا، وحيث أن بعض هذه الأصناف الثلاثة تؤخذ من الأنعام وهي حية ومع ذلك تعتبر طاهرة، فإن ذلك يدل على أن حكم الميتة لا ينطبق عليها، وأن الميتة هي ما يُؤكل فقط، والشَّعَر والصوف لا يُؤكلان، وينطبق عليهما ما ينطبق على العاج الذي يقطع من الفيلة ويكون طاهراً، وصدق الله العظيم إذ يقول {ومِنْ أََصْوافِها وأَوْبارِها وأَشْعَارِها أَثاثاً ومَتَاعَاً إِلى حِين} الآية 80 من سورة النحل، ولم تفرِّق الآية بين صنف وصنف من حيث الجزُّ والقطعُ.

ج - قول الحديث 3 «فقالوا إنها ميتة، فقال: إنما حَرُم أكلُها» هذا نص صريح لا يحتمل التأويل بأن التحريم إنما ينطبق على الأكل، وحيث أن الأكل لا يقع من الميتة إلا على المأكول فقد دل ذلك على صواب فهمنا.

بقي جلد الميتة: قُلت من قبل (وعلى هذين الدليلين مدار البحث إلا قليلاً) فالقليل هو هذا البحث الخاص بجلد الميتة. إن الجلد يؤكل، ولذلك يشمله تحريم الأكل والنجاسة، لأنه يدخل في مدلول الميتة، وهذا الدخول آتٍ من ناحيتين:

أ - تحقيق المناط.

ب - النصوص الصريحة في ذلك.

ص: 112

أما تحقيق المناط، فحيث أن الجلد يُؤكل أو يمكن أن يُؤكل، فإنه يدخل تحت قوله تعالى {عَلَى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ} وتحت قول الرسول عليه الصلاة والسلام «إنما حَرُم أكلُها» فجلد الطير كالدجاج والحمام والبط يُؤكل، وجلد الأرنب يُؤكل، وهذا ظاهر، أما جلود المواشي فيمكن أن تُؤكل، فقد روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال «

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشاً إلى الإسلام، فأبطأوا عليه فقال: اللهم أعِنِّي عليهن بسبعٍ كسبعِ يوسُف، فأخذتهم سَنةٌ، فحَصَّت كلَّ شيء حتى أكلوا الميتة والجلود، حتى جعل الرجل يرى بينه وبين السماء دخاناً من الجوع

» وإذن فما دام الجلد يُؤكل أو يمكن أن يُؤكل فهو داخل في حكم الميتة تحريماً ونجاسة.

أما من حيث النصوص الصريحة، فإنَّ قراءةً متأنِّية للحديث الخامس «ألا دبغتموه فإنه ذكاته» وللحديث الرابع «يُطهِّرها الماءُ والقَرَظ» وللحديث السابع «دباغه يذهب بخَبَثِه أو نَجَسِه أو رِجْسِه» وللحديث السادس «أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طهُر» وللحديث الثامن «دِباغُها طُهُورها» تكشف المعنى المراد، فكون الرسول عليه الصلاة والسلام يقول عن الجلد إن الدِّباغ هو ذكاة له، وإنه يُطهَّر بالماء والقَرَظ - والقَرَظُ مادةٌ تُستعمل في الدِّباغة - وإن الدباغ يُزيل نجسه، وإن طُهور الجلد دِباغُه، فإن ذلك يدل بشكل جازم على أن جلد الميتة نجس، وإلا لما طَلب تَطْهِيرَه بالدِّباغ.

ص: 113

وأصرح نصٍّ في ذلك الحديث (7) فكون الرسول عليه الصلاة والسلام يقول إن جلد الميتة نجس فإن ذلك يدل على إلحاقه بالميتة في النجاسة، وأنه بالتالي يأخذ حكمها، وأنه بالتالي أيضاً ليس مستثنىً من الميتة كالشعر والعظم بل هو من الميتة يأخذ حكمها في التحريم والنجاسة. وأيضاً فإن العظم والشعر والصوف يستعمل دون تطهير، إذ لم يُرو عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه أمر بتطهيره قبل استعماله، ولم يقع إجماع الصحابة على ذلك، في حين أن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام طلب في أحاديث عديدة صحيحة متضافرة تطهيرَ الجلد بالدباغ قبل الانتفاع به، فهذا فارق واضح بين الجلد وبين العظم والشعر، وبذلك يتبين وجه الاختلاف بين العظم والجلد.

ومن ناحية ثانية فإن الجلد مستثنىً من عموم منع الاستعمال والانتفاع بالميتة وبالنجس، فهو حكمٌ استثنائي، وكان حقه أن يكون ممنوعاً من الاستعمال لنجاسته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استثناه من الميتة استثناءً خاصاً، فبيَّن أن هذا الجزء النجس من الميتة يجوز الانتفاع به دون سائر أجزاء الميتة بشرطٍ واحد هو تطهيره بالدباغ، ولم يُجِزْ ذلك في غيره من أجزاء الميتة، فهو حكم خاصٌّ لا يقاس عليه. وقد يَرِدُ سؤال: إن القول باستثناء الجلد من الميتة غير مسلَّم به، وإن للموضوع وجهاً آخر هو أنه يجوز استعمال الجلد من الميتة، لأنه يُنتفع به في غير الأكل، ولو كان استعماله في الأكل لأخذ حكم الميتة سواء بسواء؟ وربما كان السؤال: إنَّ علة جواز استعمال الجلد إنما هي لكونه لا يُؤكل، وبالتالي فإنه يقاس عليه كل عضو من الميتة يُنتفع به في غير الأكل؟.

ص: 114

فنرد بالقول: إن هذا السؤال وجيه وصحيح لو لم يكن لدينا نصٌّ يمنع منه، وهذا النص هو: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة «إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله: أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلى بها السفن ويُدهنُ بها الجلود ويَستصبحُ بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرَّم شحومها جَمَلوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه» رواه البخاري وأحمد وأصحاب السُّنن. قوله جَمَلوه: أي أذابوه. فهذا الحديث ذكر جزءاً من أجزاء الميتة داخلاً في حكمها من حيث التحريم والنجاسة هو الشحوم لأنها مما يُؤكل، هذا الجزء سُئل عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ولم يكن السؤال عن الأكل وإنما عن انتفاعٍ آخر هو استعماله في طلاء السفن ودهن الجلود والإضاءة في البيوت، فجاء الرد الحاسم «لا هو حرام» أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أبقاه على أصله من التحريم، وبالتالي أبقاه على أصله من النجاسة، فالميتة نجسة وحرامٌ الانتفاع بها على أي وجه وعلى أية حالة. قال الجصَّاص: والتحريم يتناول سائر وجوه المنافع فلا يجوز الانتفاع بالميتة على وجه، ولا يُطعمها الكلاب والجوارح، لأن ذلك ضرب من الانتفاع بها، وقد حرَّم الله الميتة تحريماً مُعلَّقاً بعينها، فلا يجوز الانتفاع بشيء منها إلا أن يُخصَّ بدليل يجب التسليم له.

وبذلك يظهر بوضوح أن الميتة النجسة والمُحرَّم أكلها والانتفاع بها على أي وجه من وجوه الانتفاع - وهي ما سوى العظم والشعر - يُستنثى منها الجلد فحسب إذا دُبغ.

وننتقل الآن إلى استعراض الأدلة التي استشهد بها من قالوا خلاف ما قلنا، ومناقشتها وبيان خطأ استدلالهم.

ص: 115

أ - عن عبد الله بن عُكَيم قال «كَتَب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بشهرٍ أن لا تنتفعوا من الميتة بإهابٍ ولا عَصَبٍ» رواه أحمد وأبو داود. وعند أحمد وأبي داود والنَّسائي وابن ماجة روايةٌ أخرى ليس فيها تقييدٌ بزمن. وعند أحمد رواية ثالثة بلفظ «قبل وفاته بشهْرٍ أو شهرين» . ورواه الترمذي بلفظ «قبل وفاته بشهرين» .

ب - عن عبد الله بن عُكَيم قال «كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في أرض جُهَينة: إني كنت رخَّصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عَصَب» رواه الطبراني. وفيه فضالة بن مفضل قال عنه أبو حاتم: لم يكن أهلاً أن يُروى عنه. وقال العُقَيلي: في حديثه نظر.

ج - عن عبد الله بن عُكَيم قال: حدثني أشياخُ جُهينة قالوا «أتانا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قُرِئ علينا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا تنتفعوا من الميتة بشيء» رواه الطَّحاوي.

د - الحديث الذي مرَّ سابقاً تحت رقم (5) الذي رواه أحمد «أنَّ داجنةً لميمونة ماتت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا انتفعتم بإهابها ألا دبغتموه فإنه ذَكاتُه» .

هـ - قوله تعالى {وضَرَبَ لنا مثَلاً ونَسِيَ خَلْقَهُ قال مَنْ يُحْيِي العِظامَ وهِيَ رَمِيمٌ. قُل يُحْيِيها الذِي أََنْشأََها أَوَّلَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} الآيتان 78 و79 من سورة يس.

و قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُم المَيْتَةُ

} الآية 3 من سورة المائدة.

ز- الحديث الذي مرَّ سابقاً والذي رواه أحمد والترمذي «ما قُطع من البهيمة وهي حيَّة فهي ميتة» . هذا ما تمسَّكوا به من أدلة.

ص: 116

أما الأحاديث الثلاثة الأولى (أ، ب،ج) فهي حديثٌ واحد رُوي بألفاظ متعددة، وكلُّها من طريق عبد الله بن عُكَيم، وهذا الحديث هو مستنَد مَن لم يُجيزوا دباغة جلود الميتة، ولم يجيزوا تطهيرها من النجاسة. وبالنظر في هذا الحديث نجد أنه ضعيف سنداً ومضطرب متناً. أما من حيث السند، فقد رُوي مرة بلفظ «قُرِيء علينا كتاب رسول الله» رواه أبو داود. ومرة بلفظ «أتانا كتاب النبي» رواه ابن ماجة. ومرة بلفظ «حدَّثني أشياخ جُهَينة» رواه الطحاوي. وهذه الألفاظ كلها تدل على أن عبد الله قد نقل الحديث عن مجهولين، إضافة إلى أن الحديث (ب) في إسناده راو ضعيف.

وأما من حيث المتن فقد رُوي مرة مقيَّداً بزمن ومرة أخرى غير مقيَّد، وحتى المقيَّد بزمن رُوي مقيَّداً بشهر، ومقيَّداً بشهرين، وجاء في روايات أخرى مقيَّداً بأربعين يوماً ومقيَّداً بثلاثة أيام، وحيث أن الراوي لهذه الأحاديث كلها هو راو واحد هو عبد الله بن عُكَيم وحصل هذا التفاوت في المتن فإن ذلك كافٍ لوصفه بالاضطراب في المتن. فالحديث ضعيف سنداً مضطرب متناً، فلا يقوى على معارضة أحاديث الدباغ الكثيرة الصحيحة فيردُّ.

قال الترمذي (سمعت أحمد بن الحسن يقول: كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لِما ذُكِر فيه: قبل وفاته بشهرين، وكان يقول: هذا آخِر أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ترك أحمد هذا الحديث لمَّا اضطربوا في إسناده، حيث روى بعضهم وقال: عن عبد الله بن عُكَيم عن أشياخٍ من جهينة) . وقال الخلال: لما رأى أبو عبد الله - أي أحمد - تزلزلَ الروايةِ فيه توقف. وقال ابن تيمية: أكثر أهل العلم على أن الدباغ يُطهِّر في الجملة، لصحَّة النصوص به، وخبر ابن عُكَيم لا يقاربها في الصحة والقوة لينسخها.

ص: 117

أما الحديث (د) الذي فيه «ألا دبغتموه فإنه ذكاته» فقد استدل به مَن قالوا إن الدباغ يُطهِّر جلود ميتات ما يُؤكل لحمها دون ما لا يُؤكل، فهؤلاء نظروا في قوله صلى الله عليه وسلم «فإنه ذكاته» فقالوا إن الرسول صلى الله عليه وسلم شبَّه الدَّبغ بالذكاة، والذكاة تعمل في مأكول اللحم، ولأنه أحد المُطهِّرَين للجلد فلم يُؤثِّر في غير مأكولٍ كالذبح. وقد نُقل عن أحمد بن حنبل أنه قال: إن كل طاهر في الحياة يُطَهَّر بالدبغ لعموم لفظه في ذلك، ولأن قوله عليه الصلاة والسلام «أيُّما إهابٍ دُبغ فقد طَهُر» يتناول المأكول وغيره خرج منه ما كان نجساً في الحياة، لكون الذبح إنما يؤثِّر في دفع نجاسةٍ حادثةٍ بالموت، فيبقى ما عداه على قضية العموم.

فأقول: أما القول الأول وهو أن الرسول عليه الصلاة والسلام شبَّه الدبغ بالذكاة، والذكاة تعمل في مأكول اللحم، فهو قول صحيح إن كان الجلد الذي يُدبغ إنما يُدبغ من أجل أكله، وهذا ما لا يقولون به، فهم أرادوا أن يكون التشبيه كاملاً، وهذا يقتضي أن الذكاة تطهير، وأن التطهير يكون في المأكول، وأن الدِّباغ يُحوِّل غير المأكول لنجاسته إلى مأكولٍ لطهارته، وهذا اقتضاء فاسد، إذ لو كان القول في الدِّباغ لعضوٍ نجس في الميتة يُراد تحليله للأكل لصحَّ قولهم، فلما لم يَعْنُوا ذلك ولم يقولوا به، وأن الجلد لا يُدبغ لأجل الأكل، دلَّ ذلك على أن تشبيه ذكاة الجلد بذكاة الحيوان مأكول اللحم تشبيهاً كاملاً هو خطأ، وأن الصواب هو أن الذكاة للجلد لا تزيد عن كونها تعني التطهير فحسب، أي هي كلمة لغوية وليست هنا شرعية، وأن الدباغ لا يزيد عن كونه يُطهِّر الجلد، أي يُزيل نجاسته فحسب، أي يطيِّبه ليصبح صالحاً للاستعمال بعد أن كان نجساً لا يصح الانتفاع به.

ص: 118

هذا هو معنى الحديث ولا يصح أن تُفَسَّر التذكية بأنها ما تزيل عن النَّجِس نجاسته ليصلح للأكل. فلما أخطأوا في تفسير كلمة الذكاة هنا، فقد أخطأوا في الحكم، فتاهوا في موضوع مأكول اللحم وغير المأكول.

أما ما رُوي عن الإمام أحمد من قول فهو وجه آخر من وجوه التأويل البعيد، إذ أننا لم نسمع أن هناك نجاسة حادثة ونجاسة قديمة يختلف حكماهما، وإنما النجاسة نجاسة، قديمةً كانت أو حادثةً لا فرق بينهما، ولم يرد هذا التفريق في نصٍّ من القرآن أو الحديث، وما دعاهم إلى هذا القول إلا ليستطيعوا تفسير كلمة التطهير أو الذكاة تفسيراً ينسجم مع سابق رأيهم، وهو أن مأكول اللحم طاهر، وغير المأكول نجس، وهذا غير صحيح. وليته رحمه الله توقف عند أول عبارته وعند آخرها، واستغنى عن الكلام المتوسط بينهما إذن لصح قوله، فقوله

«أيُّما إِهاب» عام، ولا يوجد نصٌّ يخصِّص، وهذا ما قاله في أول عبارته وآخرها، والتخصيص الذي أتى به لم يسنده بدليل.

وقد فطن ابن قدامة لهذا المعنى، إلا أنه تلطُّفاً مع قول إمامه أحمد بن حنبل صاغه بصيغة الاحتمال، فقال (وحديثهم يحتمل أنه أراد بالذكاة التطييب من قولهم رائحة ذكية أي طيبة، وهذا يطيب الجميع، ويدل على هذا أنه أضاف الذكاة إلى الجلد خاصة، والذي يختص به الجلد هو تطييبه وطهارته، أما الذكاة التي هي الذبح فلا تضاف إلا إلى الحيوان كله، ويحتمل أنه أراد بالذكاة الطهارة فسمى الطهارة ذكاة، فيكون اللفظ عاماً في كل جلد فيتناول ما اختلفنا فيه) .

محصِّلة القول هي أن الرسول عليه الصلاة والسلام عنى بالذكاة الذكاة اللغوية، أي مجرَّد التطهير والتطييب دون الذكاة الشرعية للحيوانات، فيكون التشبيه ناقصاً.

ص: 119

أما البند (هـ) وهو قوله تعالى {قُلْ يُحْيِيها الذي أَنشأَها} فقد استدلوا به على أن العظام تدخلها الحياة وتحل فيها، وأن العظم يحيا ويموت بحياة الحيوان وموته، وبالتالي فإنَّ عظم الحيوان الميت ميت، فيدخل في الميتة ويأخذ حكمها من حيث النجاسة والتحريم. هكذا حمَّلوا الآية، وهكذا استدلوا بها على مذهبهم. والذي دفعهم إلى هذا الغوص هو ما انتهى إليه اجتهاد الإمامين الثوري وأبي حنيفة من القول بطهارة عظام الميتة، لأن الموت لا يحل فيها فلا تنجس به كالشعر، ولأن علة التنجيس في اللحم والجلد اتصال الدماء والرطوبات به، ولا يوجد ذلك في العظام، فردُّوا عليهما بالقول إن هذا القول منهما خطأ، والدليل على ذلك قوله تعالى {قال مَنْ يُحْيِي العِظامَ وهِي رَمِيمٌ

} وقالوا إن ما يحيا فهو يموت، ولأن دليل الحياة الإحساس والألم، والألم في العظم أشد من الألم في اللحم والجلد، والضِّرس يألم ويُحس ببرد الماء وحرارته، وما تحلُّ فيه الحياة يحل فيه الموت إذ الموت مفارقة الحياة، وما يَحل فيه الموت ينجس به كاللحم

إلخ. وهكذا لما جاء أبو حنيفة رحمه الله بهذا التعليل أخطأ الآخرون في الرد عليه، وخرج الاثنان عن فقه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي بيَّن العلَّة في ذلك، وهي ما يؤكل من الحيوان دون ما لا يؤكل، دون نظرٍ في الحياة والممات والإحساس والألم والحلول وغيره.

أما الآية الكريمة في البند (و){حُرِّمَتْ عليكُم المَيتةُ} والحديث الأخير في البند (ز)«ما قُطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة» فهذه نصوص عامة تُستنبط منها أحكام عامة صحيحة لا يختلف عليها أحد، ولكن الأدلة والشواهد التي اعتمدنا عليها هي أدلة تخصِّص هذا العموم، والخاص يُعمل به ويبقى العام فيما سواه. أما الاستشهاد على العموم بأدلة تفيد العموم فإنه لا يفيدهم في الرد على أدلة الخصوص وأحكام التخصيص، ولا نطيل أكثر من ذلك.

ص: 120