الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورب قائل يقول: إن كونه صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء جديداً كما وقع في هذه الروايات ينافي ما جاء في حديث ابن عقيل من أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بما بقي من وضوئه في يده، فنجيبه بأن التنصيص على فعلٍ بصيغة يدل على مجرد الوقوع، ولا يستلزم عدم وقوع غيره لأنه لا يفيد حصراً للمنصوص عليه ولا نفياً عمّا سواه. والخلاصة أنه يجوز في مسح الرأس أن يكون بماءٍ جديد وأن يكون بفضل ماء، ولا ينافي هذا الخيار قول الحديث في البند الثالث «خذوا للرأس ماءً جديداً» لسببين: أحدهما أن هذا الأمر لا توجد فيه قرينة دالة على الوجوب، وثانيهما أن الحديث فيه ضعف كما جاء في بحث [الماء المستعمل] فلا يصلح لصرف حكم الاختيار إلى إيجاب أحدهما.
10- مسح الأذنين:
يُسنُّ مسحُ الأذنين للأحاديث التالية:
1-
عن ابن عباس رضي الله عنه أنه «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فذكر الحديث كله ثلاثاً ثلاثاً، قال: ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة» رواه أبو داود وأحمد.
2-
عن ابن عباس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أُذنيه داخلَهما بالسَّبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أُذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما» رواه ابن ماجة والنَّسائي وابن حِبَّان والحاكم وابن خُزيمة.
3-
عن الصُّنابِحِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه
…
فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أُذنيه
…
» رواه مالك. ورواه النَّسائي ورجاله رجال الصحيح.
4-
عن ابن عباس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأُذنيه ظاهرَهما وباطنَهما» رواه الترمذي وقال (حسن صحيح) .
5-
عن عبد الله بن زيد «أنَّه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، فأخذ لأُذنيه ماءً خلافَ الماء الذي أَخذ لرأسه» رواه البيهقي وقال: هذا إسناد صحيح. ورواه الحاكم بلفظ «
…
فأخذ ماء لأُذنيه خلافَ الماء الذي مسح به رأسه» وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
الأحاديث: 1، 2، 4 تفيد مشروعية مسح الأُذنين منطوقاً، والحديث الثالث يفيد ذلك مفهوماً، لأنَّ مسح الرأس بالماء الذي ينتج عنه خروج الخطايا من الأذنين يشير إلى أن الأُذنين تتبعان الرأس في المسح، وأنه لولا مسحهما لما خرجت الخطايا منهما. هذه واحدة. أما الثانية فإن هذه الأحاديث بينت كيفية مسحهما وأنهما تتبعان الرأس في المسح، ولا يُحتاج لهما إلى ماءٍ جديد، وأنهما يُمسحان من الداخل والخارج، الداخل بالسَّبابتين أو المُسبِّحتين، والخارج بالإبهامين، وأنهما تُمسحان مرة واحدة كالرأس، فمن أراد السُّنَّة عمل بكل هذا. أما الحديث الخامس الذي يفيد أخذ ماء جديد للأُذنين غير ماء الرأس فإنه مختلَف في تصحيحه، فمنهم من صححه كابن حجر، ومنهم من أعلَّه كابن دقيق العيد، وابن القيم يقول (لم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديداً، وإنما صح ذلك عن ابن عمر) على أن هذا الحديث لو ثبتت صحته فإنه يدل على جواز أخذ ماء جديد للأُذنين، وإذن فإنَّ من شاء أخذ لهما ماء جديداً، ومن شاء مسحهما بما يتبقى في يديه من فضل ماءِ مسح الرأس، أيَّاً من ذلك فعل جاز.
وقد ذهب إسحق بن راهُويه وأحمد في رواية عنه، إلى أن مسح الأُذنين واجب، وذهب غيرهما إلى عدم الوجوب. واستدل القائلان بالوجوب بهذه الأحاديث التي فيها فِعلُ الرسول عليه الصلاة والسلام بمسح الأذنين، وعندهما أن أفعاله عليه الصلاة والسلام تفيد الوجوب كأقواله، واستدلا كذلك بحديثٍ رواه ابن ماجة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الأذنان من الرأس» وقالا: إن هذا الحديث يقول إن الأُذنين من الرأس، فيكون الأمر بمسح الرأس أمراً بمسحهما فيثبت وجوبه بالنص القرآني.
والجواب على ذلك هو أن أفعال الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفيد الوجوب إلا بقرينة ولا قرينة هنا، بل القرينة هي على عدم الوجوب، وهي كون الفعل هنا في غير الوضوء المُجْزِئ، ولذا قلنا باستحباب مسح الأُذنين ولم نقل بوجوبه، وأما أنَّ الأُذنين من الرأس فإن هذا الحديث بجميع طرقه ضعيف لا يصلح للاحتجاج، بل قال ابن حجر (قد ثبت أنه مُدْرَج) أي أنه من قول الرواة وليس من قول الرسول عليه الصلاة والسلام. قال الترمذي (قال قتيبة قال حماد: لا أدري هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي أمامة) وفي رواية أبي هريرة عند ابن ماجة عمرو بن حصين وهو متروك، ومحمد بن عبد الله بن علاثة وهو ضعيف، وفي رواية أبي أمامة عند ابن ماجة شهر بن حَوشَب وهو ضعيف. والرواية الثالثة لابن ماجة من طريق عبد الله بن زيد حسنة، إلا أنَّ القول «الأذنان من الرأس» مُدْرَج. وفي روايات ابن عمر عند الدارقطني الصحيح منها أنها كلها موقوفة، كما أفاد ذلك الدارقطني نفسه. وفي رواية أبي موسى عند الدارقطني اختلافٌ في الوقف والرفع، وصوَّب ابن حجر الوقف، أي أنَّه من قول الصحابي وزاد (وهو منقطع) وفي رواية عائشة رضي الله عنها عند الدارقطني محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد. قال ابن الصلاح: إن ضعفها كثير لا ينجبر بكثرة الطرق. وإذن فإنه لا يصح الاستدلال بهذه الأحاديث على وجوب مسح الأذنين. قال الشوكاني معقِّباً على هذا القول (وأُجيب بعدم انتهاض الأحاديث الواردة لذلك، والمتيقن الاستحباب فلا يُصار إلى الوجوب إلا بدليل ناهض، وإلا كان من التَّقُّول على الله بما لم يقل) والرواية الثانية عن أحمد أنه لا يجب مسح الأُذنين، قال ابن قُدامة في المغني (وقال الخلَاّل كلهم حكوا عن أبي عبد الله - أي أحمد- فيمن ترك مسحهما عامداً أو ناسياً أنه يُجزِئُه، وذلك لأنهما تبعٌ للرأس، لا يُفهم من إطلاق اسم الرأس دخولهما فيه، ولا يشبهان بقية أجزاء الرأس،