المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الماء المستعمل - الجامع لأحكام الصلاة - محمود عويضة - جـ ١

[محمود عبد اللطيف عويضة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأولأحكام المياه

- ‌الماء الطَّهور

- ‌الماءُ النَّجِس

- ‌ الماء المستعمَل

- ‌ فضل الماء في حديثين

- ‌تطبيقاتٌ على الماء

- ‌سُؤْر الحيوان

- ‌الفصل الثاني أعيانُ النجاسات

- ‌ البول

- ‌النجاساتُ من الإنسان

- ‌الغائط:

- ‌ المَذِي:

- ‌ الوَدِي:

- ‌النجاساتُ من الحيوان

- ‌2. الخنزير:

- ‌3. الميتة:

- ‌النجاسةُ المشتركة بين الإنسان والحيوان

- ‌الدم المسفوح

- ‌النجاسةُ من غير الإنسان والحيوان

- ‌الخمر:

- ‌شُبُهات

- ‌أولاً: بول ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل:

- ‌ثانياً: الميتة وأجزاؤها من حيث النجاسة:

- ‌ثالثاً: نجاسة الدم:

- ‌رابعاً: ما يُظنُّ أنه نجس:

- ‌أ - النبيذ:

- ‌ب - لحوم الحُمُر الأهلية:

- ‌ج - الصَّديد:

- ‌هـ- القيء:

- ‌الفصل الثالث أحكامُ النجاسة

- ‌تمهيد

- ‌حكمُ الانتفاعِ بالنَّجِس

- ‌هل يجب العدد في إزالة النجاسة

- ‌ما يُستعمل في إزالة النَّجِس

- ‌تطهيرُ المتنجس

- ‌الاستحالة

- ‌الفصل الرابعأحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة

- ‌أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة في الخلاء

- ‌أحكامُ وآدابُ قضاء الحاجة في البيوت والعُمران

- ‌الفصل الخامسسُنَنُ الفِطرة

- ‌السواكُ

- ‌قصُّ الشَّارب

- ‌إعفاءُ اللحية

- ‌نتفُ الإبط

- ‌قصُّ الأظفار

- ‌غسل البراجم

- ‌حلقُ العانة

- ‌الخِتان

- ‌الفصل السادسالسُّننُ المُلحقة بالفِطرة

- ‌ أحكام الشَعَر

- ‌1. إكرام الشعر

- ‌2. نتف الشعر الأبيض:

- ‌3. صبغ الشعر الأبيض:

- ‌4. وصل الشعر:

- ‌5. نفش الشعر:

- ‌6. فرق الشَّعَر:

- ‌الفصل السابعالأغسالُ المستحبَّة بالنصوص

- ‌غسلُ يوم الجمعة

- ‌غُسل الإحرام ودخول مكة

- ‌غُسل مَن أُغمي عليه

- ‌غُسل من غسَّل ميتاً

- ‌الفصل الثامنالغُسل

- ‌صفة الغُسل

- ‌الغُسل المُجْزئ

- ‌الغُسل الأكمل

- ‌تفصيلات تتعلق بالغسل

- ‌الفصل التاسعمُوجباتُ الغُسل

- ‌أولاً: الجنابة

- ‌أحكامُ الجُنُب

- ‌ثانياً: إسلام الكافر

- ‌ثالثاً: الموت

- ‌رابعاً: الحيض

- ‌أحكام الحائض

- ‌الأمور الثلاثة التي تختلف فيها الحائض عن الجُنُب

- ‌دمُ الحيض ومدَّته

- ‌المستحاضة وأحكامها

- ‌خامساً: النفاس والولادة

- ‌الفصل العاشرالوضوء

- ‌تعريف الوضوء ومشروعيته

- ‌فضلُ الوضوء

- ‌صفةُ الوضوء

- ‌1ـ النِّيَّة:

- ‌2ـ التسمية:

- ‌3 ـ غسل الكفين:

- ‌4 ـ المضمضة:

- ‌5- التَّسوُّك:

- ‌6- الاستنشاق والاستنثار:

- ‌7- غسل الوجه:

- ‌8- غسل اليدين إلى المرفقين:

- ‌9- مسح الرأس:

- ‌10- مسح الأذنين:

- ‌11- غسل الرِّجلين إلى الكعبين:

- ‌12- غسل الأعضاء سوى الرأس والأُذنين ثلاثاً:

- ‌13- الترتيب:

- ‌14- التيمُّن:

- ‌15- الموالاة:

- ‌الدعاءُ عقب الفراغ من الوضوء:

- ‌الصلاة ركعتين عقب الفراغ من الوضوء:

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية

- ‌المسألة الثالثة

- ‌ما يُستحبُّ له الوضوء

- ‌ما يُلبس على الرأس

- ‌ما يُعْصَب على الجُرح والجَبيرة

- ‌ما يُلبس في القدم

- ‌1) الخارج من السبيلين

- ‌2) خروج الدم

- ‌3) القَيء

- ‌4) مسُّ الفرْج

- ‌5) النوم

- ‌6) أكل لحم الجَزور

- ‌مسائل

- ‌المسألة الخامسة: لمس المرأة لا ينقض الوضوء

الفصل: ‌ الماء المستعمل

وقبل الانتقال إلى‌

‌ الماء المستعمَل

بفروعه الثلاثة أود أن أُثْبِت ملاحظة هي أن هذه الأدلة والمناظرات الواقعة بين الفريقين إنما كانت من الفقهاء والأئمة دون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل دون سائر التابعين، ولكنني قرنت بين الأئمة والتابعين والصحابة لاشتراكهم في الرأي.

الماءُ المستعمَل

اختلف العلماء في الماء المستعمَل كثيراً، وذهبوا فيه مذاهب شتى، وحتى يسهل علينا أن نناقش آراءهم فقد جمعت هذه الآراء في أصول ثلاثة، تاركاً التفاصيل والتفريعات إلى نهاية البحث، إلا ما لا بد من ذكره، فأقول: الماء المستعمل قسمان: قسمٌ مستعمَلٌ في رفع الحدث الأكبر والحدث الأصغر، وقسمٌ مستعمَل فيما سوى ذلك، ونحن سنناقش القسم الأول ثم ننتقل لمناقشة القسم الثاني.

1) ذهب الأئمة في هذا القسم مذاهب ثلاثة، فذهب الليث والأوزاعي ومالك في رواية، وأبو حنيفة في المشهور عنه، والشافعي وأحمد إلى أن الماء المستعمَل في رفع الحدث طاهر ولكنه غير مطهِّر لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجاسة، واستدلوا على رأيهم بالأحاديث التالية:

أ- عن الحَكَم بن عمرو - وهو الأقرع – «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة» رواه أبو داود والترمذي وأحمد. وفي رواية لأحمد وابن ماجة عن الحَكَم بلفظ «وضوء المرأة» . وحسنه الترمذي وصححه ابن ماجة وابن حِبَّان.

ب- عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، ولْيغترفا جميعاً» رواه أبو داود والنَّسائي. وصححه ابن حجر.

ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يغتسل أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنُب، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولاً» رواه مسلم وابن ماجة.

ص: 24

د- عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه» رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن حِبَّان والنَّسائي.

هـ- عن عبد الله بن زيد المازني «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض، ثم استنثر، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويده اليمنى ثلاثاً، والأخرى ثلاثاً، ومسح برأسه بماء غير فضل يده، وغسل رجليه حتى أنقاهما» رواه مسلم وابن حِبَّان.

و عن عبد الله بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماءً جديداً» رواه الترمذي.

ز- عن نمران بن جارية عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خذوا للرأس ماءً جديداً» رواه الطبراني في المعجم الكبير.

عن الحديثين الأول والثاني قالوا إنَّ نهيَ الرسول عليه الصلاة والسلام عن الوضوء بفضل وَضوء المرأة، ونهيه عن الاغتسال بفضل الرجل وبفضل المرأة إنما هو لعلَّة الاستعمال - والنهي يقتضي فساد المنهيِّ عنه - ولو لم يكن الوضوء والغسل فاسدين هنا لما نهى عنهما، وقالوا عن الحديثين الثالث والرابع: إن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن الاغتسال في الماء الدائم، أي الانغماس فيه، وهذا النهي يدل على أنه يؤثِّر في الماء تأثيراً يمنع من التوضؤ به، وأن اقتران نهي الاغتسال بالنهي عن البول يقتضي التسوية في أصل الحكم لا في تفصيله، ومعنى ذلك أن التسوية هنا إنما تكون في المنع من الوضوء بالماء الذي يُبال فيه والذي يُغتسل فيه، وهذا هو أصل الحكم، ولا يلزم الاقتران هنا التسوية في تفصيل الحكم، وهم يعنون بذلك أنه لو كانت التسوية في تفصيل الحكم لوجب القول بنجاسة الماء الذي يغتسل فيه كنجاسة الماء الذي يُبال فيه، وهم لا يقولون ذلك. وقالوا لولا أن النهي يفيد منعاً لم ينه عنه، ولأنه أُزيل به مانعٌ من الصلاة فلم يَجُز استعماله في طهارة أخرى كالمستعمل في إزالة النجاسة.

ص: 25

والأحاديث: الخامس والسادس والسابع أخذوا منها أن فعل الرسول عليه الصلاة والسلام في أخذ ماء جديد لرأسه في الوضوء، وأمرَه المسلمين بأخذ ماء جديد لمسح الرؤوس في الوضوء إنما هو لعلَّة الاستعمال، وقالوا هذا يدل على أن غير الجديد لا يصح مسح الرأس به، وغير الجديد يعني المستعمل.

2) وذهب أبو يوسف القاضي وأبو حنيفة في روايةٍ عنه، إلى أن الماء المستعمَل في الوضوء والاغتسال الواجبة نجس، واستدلوا على ذلك بما يلي:

أ - بالحديث الرابع من أحاديث الفريق السابق.

ب- بقولهم إن الماء الذي تُزال به الجنابة أو يُتوضأ به هو ماء يُزال به مانعٌ من الصلاة، فانتقل المنع إليه كغُسالة النجس المتغيرة.

ج - إن الغسل أو الوضوء يسمى طهارة، والطهارة لا تكون إلا عن نجاسة، إذ تطهير الطاهر لا يُعقل. وعن الحديث الأول قالوا إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قرن في هذا الحديث بين النهي عن التبوُّل في الماء الدائم وبين الاغتسال فيه، وحيث أن النهي عن التبوُّل إنما هو لعلَّة التنجيس، فكذلك النهي عن الاغتسال هو أيضاً لعلَّة التنجيس بدلالة الاقتران.

3) وذهب الباقون إلى أن الماء المستعمَل في رفع الحدثين الأكبر والأصغر يظل على طُهوريته، وأصحاب هذا الرأي هم: الحسن البصري وعطاء وسفيان الثَّوْري وأبو ثَوْر وإبراهيم النخعي والزُّهري ومكحول ومالك وأهل الظاهر، والأئمة الثلاثة أبو حنيفة والشافعي وأحمد في روايةٍ عن كلٍ منهم. وأصحاب هذا الرأي استشهدوا بعموم أحاديث طُهورية الماء، وبعددٍ من الأحاديث الصريحة في ذلك، وردوا على استشهادات الفريقين السابقين. وأَدَعُ ردودهم الآن لأنكم سترونها في أثناء مناقشة الرأيين السابقين.

ص: 26

4) نناقش الآن الرأي الأول فنقول: الحديث الأول فيه نهي الرجل عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة فقط، والحديث الثاني فيه نهي الرجل عن الاغتسال بفضل المرأة، ونهي المرأة عن الاغتسال بفضل الرجل، وليس في الحديثين ما يفيد نهي الرجل عن الوضوء أو الاغتسال بفضل الرجل، أو المرأة بفضل المرأة، فهذه قرينة صارفة لعلَّة الاستعمال، إذ لو كانت العلَّة هي الاستعمال لما كان لتخصيص النهي برجال مع نساء أو نساء مع رجال فائدة، ولو كان الحكم عموم النهي لقال الحديث مثلاً: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوضوء أو الاغتسال بفضول الماء، أو لقال: أنهاكم عن التوضؤ بفُضول وضوئكم مثلاً، فلما انعطف الحديثان عن صيغة العموم دل ذلك على معنى خاص مقصود وهو هنا يعالج عملاً بيتياً، وخاطب فيه الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل، فكان ذلك قرينة صارفة عن عموم التوضؤ بفضل الوضوء، وعموم الغُسل بفضل الغُسل، فإذا اقترن ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام «ولْيغترفا جميعاً» في آخر الحديث الثاني بان القصدُ واضحاً، وهو أن هذين الحديثين يعالجان عملاً بيتياً خاصاً بالأزواج، الرجال وزوجاتهم، فهما خاصَّان بهذا الأمر فحسب، وذلك لأنه إذا ذُكر الرجل إلى جانب المرأة في عمل بيتي كان قرينة على العلاقة بين الأزواج، فإذا كان العمل يصحبه تعرٍّ كاملٌ عند الاغتسال ولا يكون تعري الرجل والمرأة معاً إلا في حالة الزوجية فقط، كان قرينةً قطعية على أن الحديثين يعالجان موضوعاً خاصاً بالأزواج، لأن المرأة لا تستطيع أن تتوضأ مع الرجل من إناء واحد في وقت واحد لما في عملية الوضوء من انكشاف شعرها ويديها ورجليها إلا مع محارمها، ومع زوجها، ولا تستطيع الاغتسال وهي عارية مع الرجل إلا إذا كان زوجها فقط، فطلب الحديث من الرجل والمرأة في الاغتسال أن يغتسلا من إناء واحد في وقت واحدٍ بقوله «ولْيغترفا جميعاً» ، وهما عاريان طبعاً، كان ذلك بالقطع دليلاً على أن هذين

ص: 27

الحديثين خاصان بالزوج والزوجة فحسب، وهذا ينفي بالجزم عموم الحكم وتنتفي بالتالي علَّة الاستعمال، فلا يصلح الحديثان دليلاً على أن الماء المستعمل لا يصلح للوضوء أو الغسل، ويظل للمسلمين أن يتوضأوا بفضولهم ويغتسلوا بفضولهم من الوضوء والغسل، فيُردُّ الاستشهاد بالحديثين من هذه الناحية.

ومن ناحية ثانية ورد ما يلي:

أ - عن ابن عباس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة» رواه مسلم.

ب - عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنها «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غُسلها من الجنابة» رواه أحمد وابن ماجة.

فهذان حديثان يعارضان الحديثين السابقين، وهما مثلهما في القوة أو أعلى، وإنه وإن أعلَّ بعضهم الحديث الأول إلا أن البخاري ومسلماً رويا عن عبد الله بن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كان يغتسلان من إناء واحد» والحديث الثاني صححه ابن خُزَيمة وغيره كما قال الحافظ ابن حجر، فهما إذن صالحان للاحتجاج وهذان الحديثان معارِضان للحديث الأول وللحديث الثاني في النهي عن الوضوء والاغتسال بفضل الماء.

ص: 28

ولا يقال هنا إن الحديثين الأوَّلين قول، وإن الحديثين التاليين فعل، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام مُقدَّم على فعله، وإذا تعارضا حُمل الفعل على خصوصية الرسول عليه الصلاة والسلام ووجب العمل بالقول، لا يُقال ذلك هنا، لأن عندنا حديثاً ثالثاً يصرف فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخصوصية، هو ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال «اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنَةٍ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ منها - أو يغتسل - فقالت له: يا رسول الله إني كنت جُنُباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا يُجْنِب» رواه أبو داود وأحمد. ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. فهذا الحديث ينفي الخصوصية، بتعليله الجواز بأن الماء لا يُجْنِب، وهذا التعليل يدل على عدم اختصاص ذلك بالرسول عليه الصلاة والسلام، لأن قوله «إن الماء لا يُجْنِب» عامٌّ في كل فضل وضوء أو فضل غسل، ثم هو قول وليس فعلاً.

ص: 29

ومن ناحية ثالثة هم يقولون إن النهي عن الوضوء وعن الاغتسال من فضول الوضوء والأغسال إنما هو لعلَّة الاستعمال، ويقولون إن فضل الوضوء والغسل هو ما يبقى في الإناء بعد أخذ ماء الوضوء منه، والمعلوم أن معنى ذلك أن المسلم كان يأخذ بيده ماء فيتوضأ به، وتبقى في الإناء بقية ماء بعد الاغتراف، وهو مايطلق عليه فضل الوضوء، فيقولون إنَّ هذا الماء الفضل صار بالاغتراف مستعمَلاً، وكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن الوضوء بالفضول، فإنه يدل على عدم صلاح الفضول للوضوء أو الغسل، ولا علَّة لهذا النهي إلا لأنه صار مستعمَلاً بالاغتراف منه. فنقول لهم: لو سلَّمنا بما تقولون، لكان قول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني «ولْيغترفا جميعاً» خطأ، وهو مُنتفٍ عنه عليه الصلاة والسلام، فيكون هذا القول منه معارِضاً لقولكم وفهمكم، وذلك لأن الاغتراف معاً من إناء واحد يجعل ما في الإناء في أثناء الوضوء أو الغسل من قِبَل اثنين مستعمَلاً أيضاً بالمقياس نفسه، أي ما أن يغمس أحدهما يده مرة أو مرتين في أثناء الوضوء أو الغسل حتى يجعله مستعمَلاً، فإذا جاء الآخر ليأخذ لوضوئه منه أو لغسله يكون ما يأخذه حينئذ ماءً مستعمَلاً، بل إن الشخص الواحد إذا اغترف لوضوئه وحده صار الماء مستعمَلاً من أول غَرفة غرفها من الإناء، فبطل وضوؤه، وهذا يرد عليكم قولكم.

ص: 30

ولكن بعضهم يقولون إنه لا يصبح مستعمَلاً إلا بعد أن يفرغ الشخص من الاغتراف لجميع وُضوئه أو لجميع غُسله، ولا يكون مستعمَلاً قبل الفراغ، لأنه لا يُسمى مُزيلاً لحدثه إلا بعد تمام العمل لا قبل ذلك، وأن المنهيَّ عنه هو الماء المتبقي في الإناء بعد إزالة الحدث منه لا قبله ولا في أثنائه فنقول لهؤلاء: كيف تفسرون قول الرسول عليه الصلاة والسلام «ولْيغترفا جميعاً» ؟ والمعلوم أن الاغتراف جميعاً يقتضي من أحد المغترفَيْن أن يفرغ قبل الآخر، فإذا فرغ الأول وزال حدثه صار ما بقي في الإناء آنذاك فضلاً مستعمَلاً لا يجوز الوضوء منه أو الغسل، فكيف يتسنى للثاني أن يكمل وضوءه أو غسله منه؟ هذا تناقض. ومن هذه الناحية يسقط احتجاجهم أيضاً، وبذلك يسقط الاحتجاج بالحديثين من وجوه ثلاثة.

بقيت نقطة هي: كيف العمل أو التوفيق بين هذه الأحاديث؟ فنقول إن أحاديث النهي تُحمل على التنزُّه عن المستقذَر لأن الغسل والوضوء قد يُقَذِّران الماء والأَوْلى للمسلم أن يستعمل ماء نظيفاً خاصةً في عبادته، فالنهي إنما هو لأجل ذلك أو لأجل أن المرأة إذا فرغت من الماء أو الرجل إذا فرغ منه في بيته قلَّ اهتمامه بنظافته، وربما أدى عدم اهتمامهما إلى إصابته بنجاسة أو قذر، فكان النهي لأجل ذلك أي لأجل احتمال الاستقذار أو النجاسة، وليس لعلَّة الاستعمال فنهاهما عن الاغتسال منفردَيْن، وطلب منهما الاغتسال مجتمعَيْن حتى ينتفي احتمال النجاسة واحتمال الاستقذار بعدم الاهتمام، سيما وأن قوله عليه الصلاة والسلام في فضل الغسل «إن الماء لا يُجْنِب» صريح في صلاحه للغسل والوضوء، وبذلك تنتفي علة الاستعمال تماماً. ولسوف نعود لحديث «إن الماء لا يُجْنِب» بعد قليل لنستقرأه في موضوع آخر قريب بإذن الله.

5) أما الحديث الثالث والحديث والرابع، فقد رُويا بستة ألفاظ فيها بعض اختلاف، لا بأس بإيرادها كلها:

ص: 31

رواية البخاري «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه» ورواه النَّسائي إلا أنه قال (منه) بدل (فيه) .

ورواية أحمد وابن حِبَّان والترمذي «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه» قال الترمذي: حسن صحيح.

ورواية أبي داود «لا يبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة» .

ورواية مسلم «لايبولَنَّ أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه» ورواها أيضاً أبو داود.

ورواية ثانية لمسلم وأحمد «لا تَبُلْ في الماء الدائم الذي لا يجري ثم تغتسل منه» .

ورواية ثالثة لمسلم «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: يتناوله تناولاً» ورواها أيضاً ابن ماجة.

فهذا كله حديث واحد روي بألفاظ مختلفة، ويبعُد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد لفظ جميع هذه الروايات، لا سيما وأنها جميعها مروية من طريق أبي هريرة وحده، فالحديث فيه اختلاف في المتن، ولا بد من أن متناً منها أقوى من سائر المتون فيُعمل به ويرجَّح على غيره، والمعلوم أن البخاري التزم في رواية جميع الأحاديث باللفظ كما لم يلتزم به غيره، فرواية البخاري تقدَّم على سائر الروايات الأخرى. هذه واحدة.

ص: 32

والثانية هي أن الروايات الخمس الأولى قد قرنت في النهي بين البول في الماء الدائم والاغتسال فيه أو منه، أو الوضوء منه، إلا الرواية السادسة فقد انفردت بالنهي عن الاغتسال في الماء الدائم دون أن تذكر النهي عن البول فيه، فهي جزء من الحديث، وليست حديثاً منفصلاً، لا سيما وأن أبا هريرة راوي هذه الرواية هو الراوي نفسه للرواية التي تقرن بين النهيين، ولا يبعد أن تكون الرواية السادسة كلها من لفظ أبي هريرة موقوفة عليه، وأنه قالها في مناسبة وقعت أمامه، يشهد لهذا الاحتمال أن آخر الرواية حوى سؤالاً، وحوى جواباً من أبي هريرة هو قوله «يتناوله تناولاً» فالرواية تقول «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال يتناوله تناولاً» . فصياغة هذه الرواية تجعل المدقق يميل إلى وقفها على أبي هريرة لهذا السبب، ولأنها شذت عن سائر الروايات، فيُعمل بروايات النهيين وتُترك رواية النهي الواحد. هكذا يُفعل عادة حين تقع اختلافات في الأحاديث ويصبح لا بد من ترجيحٍ وردٍّ لا سيما وأن هذه الرواية معناها موجود كله في الروايات الخمس الأخرى وليس فيها معنى جديد زائد عن الروايات الأخرى، ولذا فإني أكتفي بمناقشة روايات النهيين وأترك رواية النهي الواحد.

الحديث ينهى عن البول في الماء الدائم وبعد ذلك يأمر بعدم الاغتسال فيه، وقد ورد في أربع روايات من خمس «لا يبولنَّ

ثم

» و «لا تَبُل

ثم

» وورد في الثالثة «لا يبولنَّ

ولا

» بدون (ثم) فتحمل رواية «ولا» على الروايات الأربع «ثم» وتفسر بها، لأن الأحاديث يفسر بعضها بعضاً، وأربعة أحاديث تكفي لتفسير حديث واحد.

ص: 33

وثانياً لأن الواو في اللغة تفيد الترتيب عند الفرَّاء وثعلب وأبي عبيد والشافعي في رواية عنه ولا تفيد الترتيب عند سائر اللغويين والأئمة، ولكن اللغة تجعل الواو تفيد الترتيب إذا وُجدت قرينة، وقد وُجدت هنا قرينة، وهي الروايات الأربع التي فيها «ثم» فهذه الروايات الأربع قرينة على أن «ولا» هنا تفيد الترتيب والتعقيب، فيكون معنى الحديث إذن: لا تبولوا في الماء، وبعد التبوُّل فيه لا تتوضأوا منه ولا تغتسلوا فيه. فالنهي عن الوضوء أو الاغتسال إنما جاء لوجود البول في الماء وليس لأي سبب آخر.

والماء الدائم إما أن يكون دون قُلَّتين فيتنجس بالبول وإما أن يكون أكثر من قُلَّتين فيتقذَّر، ولا احتمال آخر، فالحديث إذن ينهى عن الاغتسال من الماء النجس أو الماء القذر، فتكون علَّة النهي النجاسة فيما دون القُلَّتين والقذارة فيما فوق القُلَّتين، ولا يوجد في الحديث أية علَّة أخرى. أما ما يدَّعونه من أن علَّة النهي عن الاغتسال أو الوضوء هي الاستعمال، فهو مرجوح وبعيد، فاقتران النهيين لم يجيء عبثاً، ولو كان الاستعمال هو العلَّة لما لزم اقتران البول بالاغتسال، فوجود النهي عن البول في الحديث مقترناً بالنهي عن الوضوء أو الاغتسال قرينة صارفة لعلَّة الاستعمال إلى القذارة والتلوث بالنجاسة.

ص: 34

وأُضيف من وجه آخر ما يلي: روى أبو داود وأحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال «اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جَفْنة، فجاء النبي يتوضأ منها، أو يغتسل فقالت له: يا رسول الله إني كنت جُنُباً، فقال رسول صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا يُجْنِب» . وبالتدقيق في نصِّ الحديث يتبين لنا أن زوجة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد اغتسلت في جَفْنة، وخلَّفت فيها فضل غُسل، فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليغتسل مما فضل في الجَفْنة من ماء غُسلها، أخبرته أنها اغتسلت من هذا الماء وأن هذا الماء هو فضل غُسلها، فلم ير الرسول صلى الله عليه وسلم أن فعلها مانع له من الاغتسال بفضل الماء، وقال لها «إن الماء لا يُجْنِب» أي أن الماء الذي يُغتسل منه لا يُجنب. ولا شك في أن هذا الماء قد غمست فيه يديها حين الاغتراف، وأصابه شيء من رشاش ماء الغسل، ولولا ذلك لما أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها اغتسلت في الجفنة، فهذا الحديث ينفي علَّة الاستعمال. فقول الرسول عليه الصلاة والسلام حين ذكر الماء المستعمَل «إن الماء لا يُجْنِب» هو قول صارف لعلَّة الاستعمال، وصارف أيضاً لادِّعاء من يقول إن الحديث هذا من خصوصياته.

وأُضيف من وجه ثالث أنهم قالوا إن اقتران النهي عن البول بالنهي عن الاغتسال في الماء يقتضي التسوية في أصل الحكم لا في تفاصيله، وجعلوا المنع من الوضوء في حالة البول في الماء متساوياً مع المنع من الوضوء في حالة الاغتسال فيه، أي أنهم قالوا إنه لا يجوز التوضؤ بالماء الذي اغتسل فيه لأنه لا يرفع الحدث، كما أن الماء الذي خالطه البول لا يرفع الحَدَث، ونفَوْا التسوية في التفاصيل.

ص: 35

فنجيبهم بأننا أثبتنا أن الاغتسال في الماء لا يمنع الاغتسال منه ثانية كما في حديث الجَفْنة وهذا يدل على عدم التسوية في هذا الحديث بين الأمرين، فالاغتسال في الماء لا يمنع رفع الحدث به بينما البول في الماء يمنع رفع الحدث، فزالت التسوية من هذا الوجه. ونحتاج إلى إثبات هذه التسوية مع شيء آخر، فنقول إن هذا الأمر الآخر هو الاستقذار كما أسلفنا، ونبسط الموضوع قليلاً.

قلنا إن الماء إما أن يكون دون قُلَّتين وإما أن يكون قُلَّتين فأكثر، ولا ثالث لهما، فإن كان الماء دون قُلَّتين، فإن النهي عن البول فيه إنما هو لأجل تحاشي منع رفع الحدث به، لأن نجاسة الماء تمنع رفع الحَدَث به، وفي هذه الحالة فإن النهي عن الاغتسال من هذا الماء إنما هو لبيان أن الماء لا يصلح له لنجاسته. وإذن فإن النهي عن الاغتسال منه إنما هو لنجاسة هذا الماء قبل بدء الاغتسال منه أو فيه، ولا يزيده الاغتسال شيئاً، فالنجس لا ينجس، ولا ينجس إلا الطاهر، ولذلك جاءت ألفاظ الحديث (منه) و (فيه) أي لا يحل التوضؤ بالماء الذي خالطته نجاسة وكان دون قُلَّتين، يدل على ذلك أن النهي عن الاغتسال منه ولو بالاغتراف قد بقي وهذا التعليل يصرف علَّة الاستعمال.

ص: 36

وإذا كان الماء قُلَّتين فأكثر فإن البول فيه لا ينجِّسه، وبالتالي يجوز التوضؤ منه، فلما نُهينا عن التوضؤ منه أو الاغتسال فيه، وقد أُجيز لنا التوضؤ والاغتسال في الماء المستعمل كما جاء في حديث الجَفْنة، فهمنا من ذلك أن ذلك كان لأن الماء صار قذراً فقط ولم يصِر نجساً، فيكون النهي للاستقذار وليس للنجاسة، وبالتالي يكون حكم النهي عن الاغتسال فيما دون القُلَّتين للتحريم، ويكون فيما فوق القُلَّتين للتنزيه فحسب. ولولا أن الماء قد خالطه بول لما كان هناك نهي، بدليل حديث الجَفْنة، فإن الجَفْنة لما لم يكن فيها بول لم يمتنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الاغتسال منها، وقال «إن الماء لا يُجْنِب» أو قال «إن الماء ليس عليه جنابة» كما ورد في روايةٍ لأحمد. وهذا يعني أن الماء النازل من أعضاء المتوضِّيء أو المغتسِل يبقى على حاله وهو الطُّهورية.

وإن أصرَّ هذا الفريق على الاستشهاد بحديث انفراد النهي عن الاغتسال في الماء، أجبناهم بحملِهِ على النظافة ومنع الاستقذار، لأن المغتسِل عموماً لا يخلو بدنه من وسخ ودرن يَعْلق بالماء، فاستحبَّ الرسول عليه الصلاة والسلام أن يخلو ماء الوضوء والغسل من القذارة، ولو بكمية قليلة بقرينة ما جاء في الحديث «يتناوله تناولاً» وبذلك يسقط الاحتجاج بهذا الحديث على اختلاف رواياته على ما ذهبوا إليه من أن المستعمل في رفع الحدث لا يرفع حدثاً. فالحديث ينهى عن الاغتسال في الماء الذي فيه بول وينهى عن التبول في الماء الذي يغتسلون فيه، هذا هو معنى الحديث وهذا هو الفقه فيه.

6) بقي للنقاش من الأحاديث: الخامس والسادس والسابع.

ص: 37

الحديثان الخامس والسادس، موضوعهما واحد، هو مسح الرأس بماء غير مستعمَل، فالرسول عليه الصلاة والسلام حين أراد مسح رأسه في الوضوء أخذ له ماء جديداً من غير فضل يده، أي أنه بعد أن غسل يده اليسرى في الوضوء، تناول ماء جديداً لمسح الرأس، ولم يمسحه ببقية الماء في يديه، فقالوا لولا أن الماء المستعمَل في غسل يديه لا يرفع حدثاً، ولا يُستعمل في الوضوء لمسح الرسول عليه الصلاة والسلام رأسه به دون حاجة منه إلى غَرفة ماء جديد لمسح الرأس. هكذا علَّلوا الحديثين، وقالوا إنهما صحيحان يُحتجُّ بهما.

وجوابنا على ذلك هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما فعل هذا الفعل قد فعل عكسه أيضاً، وجاء ذلك بأحاديث صحيحة أيضاً، فعن ابن عباس رضي الله عنه «أنه توضأ فغسل وجهه، أخذ غَرفة من ماء فمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غَرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهما وجهه، ثم أخذ غَرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غَرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غَرفة من ماء، فرشَّ على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غَرفة أخرى فغسل بها رجله - يعني اليسرى - ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ» رواه البخاري. فهذا الحديث يصف فيه ابن عباس فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الوضوء، وفيه أنه كان يغرف غَرفة ماء لكل عمل من أعمال الوضوء، فغَرفةٌ للمضمضة والاستنشاق، وغَرفة لغسل الوجه، وغَرفة لغسل اليدين وغَرفة لغسل الرجلين، ولم يذكر أنه اغترف غَرفة لمسح الرأس، مما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح برأسه بماءٍ فَضَل في يديه ولم يمسحه بماء جديد.

ص: 38

نعم قد يقال إن هذا ردٌّ على المنطوق بالمفهوم وهو ضعيف، فنقول: هو ضعيف لو كان المفهوم يعارض المنطوق ولا يمكن الجمع بينهما، وهنا لا تعارض، فالرسول عليه الصلاة والسلام وقد مسح رأسه بماء جديد، ثم جاء عنه أنه مسح رأسه بماء مستعمَل لا يقال عنه هذا تعارض، وإنما يقال إن الفعلين جائزان لوقوعهما منه عليه الصلاة والسلام فلا يقبل ردهم على هذا القول.

وعلى أية حال فإننا كي نقطع الحُجَّة عليهم نورد لهم حديث الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ بن عفراء الذي يصف كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وجاء في الحديث «ومسح - أي الرسول عليه الصلاة والسلام رأسه بما بقي من وَضوئه في يديه مرتين، بدأ بمُؤَخَّرِه، ثم ردَّ يده إلى ناصيته وغسل رجليه ثلاثاً

» رواه أحمد. ورواه أبوداود بلفظ «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده» ولم يختلف الأئمة في رُواة سنده إلا في عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، وقد رد عليهم الترمذي فقال (عبد الله ابن محمد بن عقيل صدوق ولكن تكلم فيه بعضهم من قِبَل حفظه) وقال فيه البخاري (كان أحمد وإسحق والحُمَيدي يحتجُّون بحديثه) وبذلك صلح هذا الحديث للاحتجاج.

ص: 39