الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتطليق في الحيض يدعى الطلاق البدعي، وعكسه يدعى الطلاق السُّنِّي، وهو الواقع على الوجه الشرعي، وذلك أن يطلق الزوج زوجته في طهرٍ لم يَمَسَّها فيه. والطلاق البدعي فضلا عن كونه حراماً لا يقع عند الظاهرية وابن عقيل وابن تيميَّة وابن القيم وأبي قُلابة وطاووس وسعيد بن المسيب شيخ التابعين، وهو ما أراه أنا، ويقع عند جمهور الأئمة والفقهاء. ولسنا هنا بصدد بحث أحكام الطلاق، فبابه غير باب الطهارة، فقط أحببنا الإشارة إلى بعض هذه الأحكام هنا.
دمُ الحيض ومدَّته
لقد كثرت الآراء وتشعَّبت في تحديد أقلِّ الحيض وأكثره، وإني أكتفي باستعراض أقوال الأئمة الأربعة، وأضرب صفحاً عما سواها، لا سيما وأن معظم تلك الأقوال لا دليل عليها:
1-
قال أبو حنيفة: إن أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة.
2-
وقال مالك إنه لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره، والعبرة بعادة النساء.
3-
وقال الشافعي وأحمد إن أقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوماً.
والصحيح هو أن الشرع الحنيف لم يحدد مدةً لأقلِّ الحيض ولا لأكثره يجب الالتزام بها، وإنما جعل ذلك راجعاً لما عليه عادة كل امرأةٍ في كل عصر وفي كل مكان، فلكلِّ امرأةٍ عادةٌ خاصةٌ بها يجب عليها أن تلتزم بها. ولكن عندما نستعرض النصوص نجدها تذكر أن غالب الحيض عند النساء هو ستة أيام أو سبعة، فعن حمنة بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها «
…
فتحيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي
…
» رواه أبو داود والترمذي وأحمد. وسيأتي بعد قليل بإذن الله تعالى في بحث [المستحاضة] .
وقد ورد في لون الدم أحاديث نذكرها كما يلي:
1-
عن فاطمة بنت أبي حبيش «أنها كانت تُستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يُعرف، فإذا كان ذلِكِ فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلِّي فإنما هو عِرق» رواه أبو داود والبيهقي وابن حِبَّان. ورواه الحاكم وصححه.
2-
عن أم عطية - وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم- قالت «كنا لا نعدُّ الكُدرة والصُّفرة بعد الطُّهر شيئاً» رواه أبو داود.
3-
عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت «كان النساء يبعثن إلى عائشة أم المؤمنين بالدِّرَجةِ فيها الكُرْسُفُ فيه الصُّفرةُ من دم الحيض يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تَعْجَلْن حتى ترين القَصَّة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة» رواه مالك. وذكره البخاري تعليقاً. الدِّرَجة: وعاء. القَصَّة: القطعة من قطن توضع في الفرج لمعرفة أثر الحيض.
الحديث الأول يفيد أن دم الحيض أسود، وقوله يُعْرَف بضم فسكون ففتح يعني أن ذلك معروف لدى النساء. والحديث الثاني وإن روي موقوفاً على أم عطية إلا أنَّ له حكم الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن قولها «كنا لا نعدُّ» لا يُتصور أن يكون باجتهاد منهن دون علم من الرسول عليه الصلاة والسلام. والحديث ذكر أن الصُّفرة والكدرة بعد الطهر ليستا من الحيض منطوقاً، ومفهومه أنهما من الحيض في أثناء فترة الحيض. وأثر علقمة مفهومه أن ما قبل انقطاع السائل الملون يكون حيضاً، وهذا أعمُّ من السابق، فالأسود والأحمر والأصفر والكَدِر إن كان في أثناء فترة الحيض فهو حيض، وما دامت الأحاديث تذكر أن دم الحيض له هذه الألوان، فإن المرأة ذات العادة المتكررة إن استمر السائل ينزل منها وله لونٌ خلال فترة عادتها اعتبرت ذلك حيضاً وأن أيامه أيام حيض، فإذا زال اللون وصار ما تضعه المرأة في فرجها يخرج أبيض دون لون فإنَّ ذلك يعني أن الحيض انتهى وانتهت فترته، وأن واجبها آنذاك أن تغتسل وتصلي وتصوم.
والمرأة الحائض لا تعدو أن تكون إحدى ثلاث: مُبتدَأة، ومعتادة، وذات تلفيق.
أ- أما المُبتَدَأة - أي المُبْتَدَأُ بها الدم - فلها الحالات التالية:
1-
المُبتَدَأُ بها الدم في سنٍّ تحيض النساء لمثله إذا نزل منها دم أسود تدع الصوم والصلاة، وترصد الأيام التي تمضي على ذلك النزول، وتبقى جالسة ما دام الدم ينزل فإن تكرَّر نزول الدم في الشهر التالي كما حصل في الشهر الفائت علمت أن ذلك حيضُها وعادتُها فانتقلت إليه وأخذت الأحكام بموجبه. وانقطاع الدم قد يكون لأسبوعين، وقد يكون لعشرة أيام، وقد يكون لسبعة، أو لثلاثة أو لأقل، فما مضى على نزوله في المرة الأولى إن تكرَّر فهو العادة، وآنئذ تنتقل من حالة المبتدَأة إلى حالة المعتادة.
2-
ثمَّ إن عبَر الدمُ بعد ذلك حيضها وعادتها وكان لونه أحمر علمت أنها مستحاضة فتغتسل وتقضي ما قد يكون فاتها من صلاة وصوم في الأيام التي تلت مدة حيضها، ولكن إنْ نزل الدم وتكرر نزوله وكان أسود بعد انقضاء مدة حيضها وعادتها فإنها تجلس ريثما ينقطع الدم الأسود فحسب، ثم تغتسل وتصلي ولو استمر نزول الدم أحمر أو أصفر، وآنذاك تنتقل إلى عادتها الجديدة، وتتصرف في الحيض بغير ما تتصرف به في الاستحاضة. والدليل على ذلك ما روت عائشة رضي الله عنها «أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تُستحاض، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ذلك عِرْق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي» رواه البخاري. وإقبال الحيضة: سواد الدم ونتنه. وإدبارها: رقة الدم وحمرته.
3-
وهذا كله إن كانت الحائض مميِّزةً تستطيع تمييز دم الحيض من دم الاستحاضة، فإنها تجلس ستة أيام أو سبعة أيام مثلاً ثم تغتسل وتصلى، لما روت حمنة بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها - بعد أن استفتته في استحاضتها الشديدة – «
…
إنما هذه رَكْضةٌ من ركضات الشيطان، فتحيَّضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي، حتى إذا رأيتِ أنكِ قد طَهُرتِ واستنقأتِ فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي، فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يَطهُرن
…
» رواه أبو داود. ورواه الترمذي وأحمد وصحَّحاه.
ب- أما المعتادة - وهي الحائض التي استقرت عادتها على كيفية ثابتة ومدة محددة كل شهر - فإن ما تراه من ألوان خلال فترة حيضها فهو حيض، لا فرق بين الأسود والأحمر والأصفر، ولا بين الثخين والرقيق، ما دام خلال فترة عادتها المستقرة، لما روى علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت «كان النساء يبعثن إلى عائشة أمِّ المؤمنين بالدِّرَجةِ فيها الكُرْسُف فيه الصُفرةُ من دم الحيض يسألنها عن الصلاة فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القَصَّة البيضاء، تريد بذلك الطُّهر من الحيضة» رواه مالك. وقد مرَّ قبل قليل.
أما إن كان اللون أصفر أو ذا كُدرة عقب فترة الحيض المعتادة فإنه ليس حيضاً، وتظل صاحبته طاهرة لما روت أم عطية - وكانت بايعت النبي صلى الله عليه وسلم- قالت «كنا لا نعد الكُدرة والصُّفرة بعد الطُّهر شيئاً» رواه أبو داود. وقد مرَّ قبل قليل. أما إن تغيرت عادة المعتادة فإنها لا تخرج عن إحدى الحالات التالية:
1-
أن ترى الطُّهر - أي انقطاع الدم - تماماً قبل تمام فترة الحيض المعتادة، ففي هذه الحالة تغتسل وتصلي لأنها صارت طاهرة بانقطاع الدم، فلا يحل لها أن تبقى جالسة دون اغتسال وصلاة. فإن عاودها الدم في خلال عادتها فإنها تتحيَّض فيه لأنه دم صادف العادةَ فكان حيضاً فتجلس، حتى إذا انقطع اغتسلت ثانية وصلَّت.
أما إن عاودها الدم بعد انقضاء فترة حيضها فهو استحاضة، فتجلس مدَّة عادتها فحسب، وتغتسل وتصلِّي بقية المدَّة التي يظلُّ الدم فيها ينزل. أما إن استمر نزول الدم وكان أسود، كأن يستمر نزوله ثلاثة أيام أخرى وتكرر في الشهر التالي فهو حيض وتنتقل الحائض إلى عادتها الجديدة هذه، وإن لم يتكرر فليس بحيض، فتقضي ما قد يكون فاتها من صوم في تلك الأيام الثلاثة وتقضي ما فاتها من صلاة.