الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأحاديث تفيد أن نقض الوضوء إنما هو من مسِّ فرج الآدمي، فيخرج فرج البهيمة، فمسُّ فرج البهيمة لا ينقض الوضوء، وتخرج كذلك العانة، فلا ينقض مسُّها لعدم انطباق الدليل عليها، أما مسُّ الخصيتين فناقض لما روى البيهقي والطبراني والدارقطني عن بُسرة بنت صفوان قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من مسَّ ذَكَرَه أو أُنثييه أو رُفُغَه فلْيتوضأ وضوءه للصلاة» . والرُّفُغ: أصل الفخذ القريب من الذَّكر، والأُنثييان: الخصيتان. وهذا الحديث وإن ضعَّفه ناس فقد حسَّنه آخرون فيصح الاستدلال به.
والفرج الذي ينقض مسُّه الوضوء هو أي فرجِ آدميٍّ، لا فرق بين فرج الكبير البالغ والصغير دون البلوغ وحتى الرضيع ما دام كل ذلك يدخل تحت لفظ فرج الآدمي، كما أنه لا فرق بين المسِّ بشهوة والمسِّ بدون شهوة لأن الأحاديث لم تُخصِّص أياً من ذلك، فيظل الحكم على عمومه. والمقصود باليد هنا ما كانت إلى الكوع أي الرسغ، وهذا رأي جميع العلماء فيما أعلم، لأن هذه اليد هي أداة المسِّ دون الساعد أو العضد.
5) النوم
اختلف العلماء والأئمة اختلافاً واسعاً في حكم النوم من حيث نقض الوضوء على ثمانية مذاهب جمعها النووي في شرح صحيح مسلم كما يلي:
الأول: إن النوم لا ينقض الوضوء على أي حال كان، وهو رأي أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وأبي مجلز وحميد الأعرج وشعبة.
الثاني: إن النوم ينقض الوضوء بكل حال، وهو مذهب الحسن البصري والمُزَني وأبي عبيد القاسم بن سلَاّم وإسحق بن راهُوَيه وابن المنذر، وروي عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة.
الثالث: إن كثير النوم ينقض بكل حال، وقليله لا ينقض بحال، وهو مذهب الزُّهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
الرابع: إذا نام على هيئة من هيئات المُصلِّين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه، سواء كان في الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعاً أو مستلقياً على قفاه انتقض، وهو مذهب أبي حنيفة وداود، وهو قول للشافعي غريب.
الخامس: إنه لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، روي هذا عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.
السادس: إنه لا ينقض إلا نوم الساجد، ورُوي أيضاً عن أحمد رضي الله عنه.
السابع: لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال، وينقض خارج الصلاة وهو قول ضعيفٌ للشافعي.
الثامن: إنه إذا نام جالساً ممكِّناً مقعدته من الأرض لم ينتقض، وإلا انتقض سواء قلَّ أو كثر، سواء كان في الصلاة أو خارجها، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى.
ونحن سنورد الأحاديث الواردة في موضوع النوم، ونبين صحيحها وحسنها من ضعيفها، ثم نستنبط منها الحكم الراجح بإذن الله:
1-
عن صفوان بن عسَّال قال «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سَفْراً أن لا ننزع خِفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم» رواه الترمذي وقال (حسن صحيح) . ورواه أحمد والنَّسائي. وقد مرَّ قبل قليل.
2-
عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «العين وِكاء السَّهِ فمن نام فلْيتوضأ» رواه ابن ماجة وأبو داود وأحمد والدارقطني.
3-
عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إنما العينان وِكاءُ السَّهِ فإذا نامت العين استطلق الوكاءُ» رواه الدارمي والدارقطني والبيهقي وأحمد والطبراني. والسَّهُ: اسمٌ لحلقة الدُّبُر.
4-
عن ابن عباس رضي الله عنه قال «بتُّ ليلةً عند خالتي ميمونة بنت الحارث، فقلت لها: إذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأيقظيني، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقمت إلى جنبه الأيسر فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة ثم احتبى، حتى إني لأسمعُ نَفَسه راقداً، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين» رواه مسلم. وفي روايةٍ للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنه بلفظ «بتُّ عند خالتي ميمونة ليلةً، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شَنٍّ معلَّق وضوءاً خفيفاً ـ يخفِّفه عمرو ويُقلِّله ـ وقام يصلي فتوضأت نحواً مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره
ـ وربما قال سفيان عن شماله ـ فحوَّلني فجعلني عن يمينه، ثم صلَّى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ
…
» . وفي رواية ثانية لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنه بلفظ «
…
فقام فصلى فقمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه، فتتامَّت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام فصلَّى ولم يتوضأ
…
» وفي رواية ثانية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنه بلفظ «
…
ثم صلى ركعتين ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه، ثم خرج إلى الصلاة» .
5-
عن أنس قال «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم، ثم يصلُّون ولا يتوضأون» رواه أبو داود والشافعي والبيهقي ومسلم والدارقطني. وفي رواية «لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوقَظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً ثم يصلون ولا يتوضأون» رواها الدارقطني والبيهقي والترمذي. وفي رواية ثالثة عند البزَّار والخلَاّل بلفظ «إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يضعون جنوبهم فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ» . وهذا الحديث بجميع رواياته صحيح أو حسن.
6-
عن يزيد بن عبد الرحمن [الدالاني] عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ليس على من نام ساجداً وضوء حتى يضطجع، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» رواه أحمد. ورواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه بلفظ «
…
قال: فقلت له: صليتَ ولم تتوضأ وقد نمتَ؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله» ورواه الترمذي والبيهقي قريباً منه. وللبيهقي أيضاً «لا يجب الوضوء على من نام جالساً أو قائماً أو ساجداً حتى يضع جنبه، فإنه إذا وضع جنبه استرخت مفاصله» .
7-
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال «كنت في مسجد المدينة جالساً أخفق، فاحتضنني رجل من خلفي، فالتفتُّ فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله هل وجب عليَّ وضوء؟ قال: لا حتى تضع جنبك» رواه البيهقي.
8-
عن يزيد بن قسيط قال إنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول «ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع، فإذا اضطجع توضأ» رواه البيهقي.
9-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «من استحق النوم فقد وجب عليه الوضوء» رواه البيهقي بإسنادٍ صحيح موقوفاً على أبي هريرة وقال (لا يصح رفعه) . ورواه الدارقطني وقال (وقفُه أصح) .
الحديث الأول صحيح، والحديث الثاني سُئل أحمد عنه وعن الحديث الثالث فقال: حديث علي أثبت وأقوى. وقال الجوزجاني: واهٍ. والحديث ضعَّفه أبو زُرعة وأبو حاتم. ولكن المنذري وابن الصلاح والنووي حسَّنوه. ودافع ابن حجر عنه. فالحديث حسن يصلح للاحتجاج، خاصة إذا علمنا أن تضعيف أبي زُرعة له آت من قوله إن عبد الرحمن بن عائذٍ لم يسمع من عليٍّ، وهو قول ردَّه ابن حجر. والحديث الثالث ضعيف، لأن في إسناده بقية عن أبي بكر بن أبي مريم وهو ضعيف، فالحديث لا يصلح للاحتجاج. والحديث الرابع صحيح. والحديث الخامس أيضاً صحيح. والحديث السادس ضعَّفه أحمد والبخاري وأبوداود وإبراهيم الحربي والترمذي، وقال البيهقي (تفرَّد به أبو خالد الدالاني وأنكره عليه جميع أئمة الحديث، وأنكروا سماعه من قتادة) وقال ابن حِبَّان (لا يجوز الاحتجاج به) فالحديث ضعيف فيترك. والحديث السابع تفرَّد به بحر بن كنبز وهو ضعيف، ولا يُحتج بروايته، قاله البيهقي. فالحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج. والحديث الثامن قال عنه الحافظ ابن حجر (إسناده جيد وهو موقوف) وقال البيهقي (هذا موقوف) أي ليس بحديث مرفوع، أي ليس بدليل، لأن أقوال الصحابة وأفعالهم وإن جاز تقليدها واتِّباعُها إلا أنه لا يجوز اعتبارها أدلة. والحديث التاسع موقوف على أبي هريرة، فلا يصلح دليلاً هو الآخر. فيبقى عندنا الحديث الأول والثاني والرابع بألفاظه الأربعة، والخامس برواياته الثلاث، وندع الأحاديث الأخرى وهي الثالث والسادس والسابع والثامن والتاسع.
والآن لنستعرض الأحاديث التي ترجح لدينا صلاحها للاحتجاج فنقول: الحديث الأول فيه «ولكن من غائط وبول ونوم» والحديث الثاني فيه «فمن نام فليتوضأ» والحديث الرابع لفظ مسلم فيه «فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمه أُذني» ولفظ البخاري فيه «ثم اضطجع ـ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فنام حتى نفخ ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة فصلى ولم يتوضأ» ومثله لفظ مسلم. ولفظ البخاري الثاني «ثم نام حتى سمعت غطيطه أو خطيطه ثم خرج إلى الصلاة» والحديث الخامس فيه «ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضأون» واللفظ الآخر «يُوقَظون للصلاة، حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً ثم يصلون ولا يتوضأون» واللفظ الثالث «كانوا يضعون جنوبهم، فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ» .
الحديثان الأول والثاني يدلان على أن النوم ينقض الوضوء، الأول بمفهومه والثاني بمنطوقه، والحديث الرابع ـ لفظ مسلم الأول ـ يدل على أن الإغفاء في أثناء الصلاة لا ينقض الوضوء، ووجه الاستدلال ظاهر. والحديث الخامس بلفظه الأول يدل على أن النوم في انتظار الصلاة لا ينقض الوضوء، وكذلك اللفظ الثاني ولكن بزيادة الغطيط، أي أن النوم الذي يصحبه غطيط في أثناء انتظار الصلاة لا ينقض الوضوء. وبجمع ألفاظ الحديث الخامس ولفظي البخاري ومسلم في الحديث الرابع «ثم اضطجع» أقول إن النوم الذي يصحبه خفق الرؤوس والغطيط ووضع الجنوب والاضطجاع في انتظار الصلاة لا ينقض الوضوء.
والخلاصة هي أنه بينما جاء الحديثان الأول والثاني بأن النوم ينقض الوضوء، فقد جاء الحديث الرابع بألفاظه والخامس بألفاظه بأن النوم لا ينقض الوضوء وصاحب هذا النوم إغفاءٌ في أثناء الصلاة، أو خفق رؤوس وغطيط ووضع جنوب واضطجاع في انتظار الصلاة، والأحاديث كلها صحيحة أو حسنة، وإعمال الأدلة أولى من إهمالها أو إهمال أحدها أو بعضها، وهنا إعمال الأدلة ممكنه بل ظاهر، ولا حاجة بنا هنا إلى القول بالتعارض وعدم إمكان الجمع بينها.
وبإعمال الأدلة وبالتدقيق والتَّفحُّص نجد أن الأحاديث التي دلت على النقض أفادت مطلق النوم، والأحاديث التي أفادت عدم النقض جاءت مقيدة بحالة الصلاة وانتظار الصلاة، وإنما قلنا حالة ولم نقل حالتين، لأن انتظار الصلاة صلاة كما جاء في الأحاديث، فعن أنس قال «أخَّر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال: قد صلى الناس وناموا، أمَا إنكم في صلاة ما انتظرتموها» رواه البخاري ومسلم وأبو داود. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه ما لم يُحْدث، اللهم اغفر له اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة» رواه البخاري ومسلم. وروى مسلم أيضاً من طريقه «
…
فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يُصلُّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلَّى فيه يقولون: اللهم ارحمه اللهم اغفر له اللهم تُب عليه، ما لم يُؤْذ فيه، ما لم يُحْدِث فيه» . فقد اعتبرت هذه الأحاديث انتظار الصلاة صلاة.
فانتظار الصلاة صلاة، ويعني ذلك أنها صلاة حكماً وليست فعلاً، فالصلاة المعهودة صلاة فعلاً، وانتظارُها صلاةٌ حكماً فكانتا حالة واحدة في الوصف، وجاءت أحاديث عدم النقض تسوِّي بين الصلاة حكماً والصلاة فعلاً، وتجعلهما شيئاً واحداً من حيث عدم نقض النوم للوضوء فيهما. وإذن فإن هذه الأحاديث قد استثنت النوم في حالة الصلاة من كونه ناقضاً، ويبقى النوم ناقضاً على عمومه وعلى إطلاقه. وعليه فإن النوم ينقض الوضوء لا شك في ذلك، ويستثنى منه النوم في حالة الصلاة. هذا هو الحكم الراجح المستفاد من الأحاديث.
وهنا نسجل ملاحظة لا بد منها هي أن النوم الناقض هو ما يستحق وصفه بالنوم، أما نوم الخفقة والخفقتين فقد عفى الشرع عنه ولم يجعله ناقضاً، وهذا ليس نوماً آخر، وإنما هو عفو من الشرع عن القليل منه، تماماً كالدم الناقض للوضوء يُعفى عن يسيره وقليله، ولا يكون صنفاً من الدم لا ينقض، فالشرع عفى عن الأشياء والأفعال القليلة اليسيرة، فالنجاسة اليسيرة عفو، والدم اليسير الخارج من البدن عفو، والنوم يندرج تحت هذه القاعدة، فما كان منه يسيراً فهو عفو. وفي هذا المعنى روى عبد الرزاق عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال «وجب الوضوء على كل نائم إلا من أخفق خفقة برأسه» . والخفقة: هي النعسة. وخَفَق برأسه من النعاس: أماله. فهذا لا ينقض الوضوء.
والآن لنعد إلى الآراء الثمانية السابقة. الرأي الأول يقول إن النوم لا ينقض على أي حال بدلالة حديث أنس، وقد تبين مما سبق أن هذا الحديث بألفاظه الثلاثة لا يفيدهم، بل يفيد عدم نقض النوم في حالة الصلاة، والخطأ آت من كون أصحاب هذا الرأي قد عمموه وأطلقوه. والرأي الثاني لم يستثن حالة الصلاة وانتظارها. والرأي الثالث أيضاً لم يستثن حالة الصلاة وانتظارها، ويقل الخطأ إنْ عنَوا بالقليل من النوم ما أخرجناه منه. أما الرأي الرابع فهو خطأ، فإن إخراج النوم على هيئة من هيئات الصلاة في غير الصلاة من نواقض الوضوء خطأ، والخطأ آت من استدلالهم بحديث ضعيف، ومن تعميم ما جاء فيه على الصلاة وعلى غيرها. والرأي الخامس أيضاً خطأ، فقد قالوا إن الراكع والساجد يكونان في وضع لا يتمكنان فيه من منع خروج الريح، وهذا منهم استدلال فاسد، ولا يسعفهم فيه نص. وأما الرأي السادس فخطأ لما بيَّنَّاه في تخطئة الرأي الخامس. وأما الرأي السابع فصحيح جملة، وليتهم جعلوا النوم في انتظار الصلاة غير ناقض، ورغم أن هذا الرأي صحيح جملة كما قلنا إلا أن الدليل الذي استدلوا به هو الحديث الضعيف جداً الذي رواه الديلمي وابن عساكر من طريق أنس «إذا نام العبد في سجوده باهى الله عز وجل به ملائكته يقول: انظروا إلى عبدي روحُه عندي وجسدُه في طاعتي» . وأما الرأي الثامن فأراه خطأ، وقد استدلوا عليه بحديث علي ومعاوية وأنس، أما حديث معاوية فضعيف لا يصلح للاحتجاج، وأما حديث أنس فهو لا يسعفهم، فهم قد استدلوا باللفظ الأول «تخفق رؤوسهم ثم يصلون» فحملوه على نوم الجالس، ولم ينظروا في اللفظ الثالث «كانوا يضعون جنوبهم» فهو نص صريح في غير الجلوس ولا أراهم يستطيعون تأويله إلا بتكلُّف.
وحتى تلمسوا مدى الاضطراب في الاستدلال عندهم أسوق لكم فقرة جاءت في ذيل سنن الدارقطني لأبي الطيب آبادي (ولفظ الترمذي من طريق شعبة «لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوقَظون للصلاة حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطاً ثم يقومون فيصلون ولا يتوضأون» . قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس. قال البيهقي: على هذا حمله عبد الرحمن ابن مهدي والشافعي. وقال ابن القطان: هذا الحديث سياقه في مسلم يحتمل أن ينزل على نوم الجالس، وعلى ذلك نزَّله أكثر الناس، لكن فيه زيادة تمنع من ذلك رواها يحيى بن القطان عن شعبة عن قتادة عن أنس قال «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة» . وقال ابن دقيق العيد: يُحمل على النوم الخفيف، لكن يعارضه رواية الترمذي التي ذكر فيها الغطيط) . فالاضطراب جدُّ واضح، فهم كلما ربطوا ناحية انفرطت أُخرى، فالحديث كما قلنا لا يسعفهم. أما حديث عليٍّ «العين وكاء السَّهِ فمن نام فلْيتوضأ» فقد أخذوا منه أن النوم ليس حدثاً في نفسه وإنما هو حالة يخرج فيها الريح، وقالوا بناء على ذلك إن النائم الجالس لا يُخرج ريحاً فلا ينتقض وضوؤه بالنوم جالساً، أي أنهم استنبطوا من الحديث علةً لنقض النوم للوضوء هي خروج الريح. فنقول:
أولاً: إن حديث أنس يرد عليهم فهمهم للحديث، لأنهم كانوا ينامون مضطجعين ولم يكونوا يتوضأون.
ثانياً: إن حديث العين وكاءُ السَّهِ لا يصلح للاستدلال به على تعليل نقض النوم بخروج الريح، فإن ألفاظه لا تفيد العِلِّيَّة.