الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصفة نية الوضوء هي أن يقصد الوضوء الشرعي، أو يقصد رفع الحدث الأصغر، أو يقصد التَّطهُّر لاستباحة الصلاة والطواف ومسِّ المصحف، أو يقصد إزالة المانع من فعل الصلاة فأية صيغة أو صفة من هذه الصفات تجزيء، ولا يجب جمع صفتين أو أكثر معاً للوضوء الواحد فلو نوى بقلبه أن يتوضأ، أو نوى رفع الحدث الأصغر، أو نوى التطهر للصلاة، أو نوى إزالة المانع من الصلاة كفاه ذلك.
ويُشترط في النية استصحابُها طيلة فترة قيامه بأعمال الوضوء، إلا أن ذلك لا يعني دوام أن تبقى ماثلةً في الذهن، وإنما يعني عدم قطعها في أثناء الوضوء. فلو أنه نوى عند بدء الوضوء التطهر لاستباحة الصلاة، ثم في أثناء غسل الأعضاء قلب نيته وجعل الغسل للتبرد والنظافة، فإن وضوءه يبطل لأنه بذلك قطع النية، أما إن لم يقطعها اعتُبرت نيَّتُهُ مستمرة طيلة الفعل.
أما وقت النية فهو قبل بدء الوضوء ولو بلحظة، وإن نوى قبل سُنَّة من سُنن الوضوء الأولى دخلت السُّنَّة في الوضوء، وإن نوى بعد سُنَّة الوضوء الأولى وقبل الفروض صح وضوؤه وخرجت السُّنَّة الأولى من الوضوء. فما يؤديه المسلم من سنن قبل النية يخرج من الوضوء، وما يؤدِّيه من سنن بعد النية يدخل فيه، أما إن نوى عقب فرض من الفروض، كأن نوى عقب غسل الوجه خرج غسل الوجه من الوضوء، وحيث أنه فرض فإن الوضوء حينئذ يبطُل، ولا يُجبر بإعادة غسل الوجه، بل لا بد من إعادة الوضوء من جديد، وإذا غسل الوجه وبدأ بغسل اليدين مثلاً ثم شك في النية هل عقدها أم لا أعاد الوضوء من أوله وجوباً، لأن الوضوء باطل.
2ـ التسمية:
أي قول (بسم الله) وقتها عقب استحضار النية وقبل الشروع في الفعل. وقد ذهب إلى وجوب التسمية أهل الظاهر وإسحق بن راهُويه والحسن. وذهب إلى أنها سُنَّة الشافعية والحنفية ومالك وربيعة وأحمد والثوري وأبو عبيد. وقد وردت في التسمية للوضوء الأحاديث التالية:
أ- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي.
ب- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمدُ لله، فإنَّ حفَظَتَكَ لا تبرحُ تكتب لك الحسنات حتى تُحْدِث من ذلك الوضوءِ» رواه الطبراني.
ج - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من توضأ فذكر اسم الله على وضوئه كان طهوراً لجسده، ومن توضأ ولم يذكر اسم الله على وضوئه كان طهوراً لأعضائه» رواه الدارقطني والبيهقي. وروياه أيضاً من طريق أبي هريرة وعبد الله بن مسعود.
د- عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بدأ بالوضوء سمَّى» رواه البزَّار.
هـ- عن أنس قال «نظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَضوءاً فلم يجدوه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ها هنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال: توضأوا بسم الله، قال: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، والقوم يتوضأون حتى توضأوا عن آخرهم
…
» رواه البيهقي. وقد رُويت أحاديثُ أخرى عديدة اكتفينا بإيراد هذه عنها.
وقد اختلف علماء الحديث في رد هذه الأحاديث وإثباتها، فمنهم مَن ردها كلها ومنهم من أثبت شيئاً منها. فمثلاً قال أحمد: ليس في هذا الباب شيءٌ يثبت. وقال: لا أعلم في التسمية حديثاً صحيحاً. وقال العقيلي: الأسانيد في هذا الباب فيها لين. وبالمقابل قال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. وقال ابن سيد الناس: لا يخلو هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح. وقال ابن حجر (والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلاً) .
والذي أريد قوله هو أن التسمية عند الوضوء ليست بحاجة إلى دليل حتى نُكثر أحاديثها ونغرق في الخلافات فيها، فالتسمية عند كل أمر ذي بال سُنَّة، نسمي الله عند الأكل وعند الزرع وعند الذبح وعند بدء الكلام، وما إلى ذلك من الأعمال، فلماذا لا نسمي الله عند الوضوء؟ أجل كان بإمكان الفقهاء أن يتفقوا على أن التسمية سُنَّة عند الوضوء كغيره من الأعمال، ثم إن وجدوا حديثاً صحيحاً أو حسناً ذكروه، وإن لم يجدوا ظلوا يقولون باستحباب التسمية. فالتسمية للوضوء كالتسمية لكل أمر ذي بال بديهية من بديهيات الإسلام. وعلى أية حال فإن كان لا بد من مناقشة الأحاديث الستة الواردة فإني أقول بإيجاز:
أما الحديث الأول فقد رُوي من طريق يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة، قال البخاري (لا يُعرف له سماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة) فهو إذن منقطع بل مُعْضَل فيترك. ورواه أحمد وابن ماجة من طريق ربيح بن عبد الرحمن، قال البخاري عنه (إنَّه منكر الحديث) وقال أحمد: إنه مجهول هو وأبوه. والحديث الثاني قال عنه الهيثمي (إِسناده حسن) والحديث الثالث فيه عبد الله بن حكيم وهو أيضاً متروك ومنسوب إلى الوضع فيترك الحديث. والحديث الرابع فيه حارثة قال البزَّار (ليِّن الحديث) وقال ابن حجر (ضعيف) فيترك. والحديث الخامس قال البيهقي عنه (هذا أصحُّ ما في التسمية) وهكذا فقد وجدنا حديثين صالحين للاستدلال هنا هما الحديث الثاني والحديث الخامس، وهما يفيدان أن التسمية للوضوء سُنَّة. ولا يصح رأي من أوجب التسمية لأن حديثهم الأول الذي استشهدوا به ضعيف لا يصح. فالتسمية للوضوء ولغيره سنة، وهذا ما سار عليه الصحابة وسائر المسلمين من افتتاح كل أمر من الأمور بالبسملة.