الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و يُسَنُّ للمغتسل أن يذكر اسم الله عند بدء الاغتسال، فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم وهذه التسمية ليست بحاجة إلى دليل خاص بها، وإنما المسلم يسمى الله عند كل فعل ذي بال.
ز- إن قلَّم أظافره ونتف إبطه وحلق عانته وأخذ من شاربه وتسوَّك وتطيَّب عند غسله كان ذلك أبلغ في النظافة وكان جمع سُنناً إلى الفرض.
ح- لا يُجزئ في الوضوء والغسل سوى الماء دون سائر المانعات، خلافاً لإزالة النجاسات التي يجوز فيها غير الماء مما يصلح للإزالة. قال تعالى {فلم تَجِدُوا ماءً فتيَمَّمُوا} فالله سبحانه لم يتركنا نختار أي مائع عند فقد الماء، وإنما طلب منا حينذاك التيمُّمَ. وقد روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الصعيد الطيب طَهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فلْيُمِسَّه بشرته فإن ذلك خير» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه أحمد وابن ماجة. وهذا الحديث يفيد المعنى نفسه المستفاد من الآية الكريمة، فالوضوء والأغسال محصورة في استعمال الماء دون سائر السوائل والمائعات، فإن عدم الماء انتقلنا إلى التيمم بالتراب، وهذا القول لا أعلم أحداً قال بخلافه.
الفصل التاسع
مُوجباتُ الغُسل
يجب الغسل للأسباب الآتية:
1) الجنابة: وتكون بالتقاء الختانين في الجماع، وتكون بنزول المني في الاحتلام، وتكون بنزول المني في حالة اليقظة.
2) إسلام الكافر.
3) الموت.
4) الحيض.
5) النفاس والولادة.
أولاً: الجنابة
وجوب الغسل من الجنابة مُجمعٌ عليه من المسلمين، وهو معلوم من الدين بالضرورة، وقد دلَّت عليه النصوص من القرآن الكريم والسُّنة النبوية المشرفة، نذكر منها ما يلي:
1-
{يا أيها الذين آمنوا لا تَقْرَبُوا الصلاةَ وأنتُم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جُنُباً إلا عابِري سبيلٍ حتى تغتسلوا..} الآية 43 من سورة النساء.
2-
{يا أيها الذين آمنوا إذا قُمْتُم إلى الصَّلاةِ فاغْسِلوا وجوهَكُم وأيديَكُم إلى المرافق وامْسَحُوا برؤوسِكُم وأَرْجُلكم إلى الكعبين وإنْ كُنتم جُنُباً فاطَّهَّروا
…
} الآية 6 من سورة المائدة.
3-
عن خولة بنت حكيم قالت «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة تحتلم في منامها فقال: إذا رأت الماء فلْتغتسل» رواه النَّسائي وأحمد. وروى النَّسائي ومسلم عن أنس «أنَّ أم سُلَيم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل قال: إذا أنزلت الماء فلْتغتسل» .
4-
عن عليٍّ رضي الله عنه قال «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ فقال: مِن المذي الوضوء ومِن المني الغُسل» رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه النَّسائي وأبو داود. ولفظ النَّسائي «قال: كنت رجلاً مذَّاء فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذَكَرَك، وإذا رأيت فضخَ الماء فاغتسل» .
5-
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا جلس بين شُعَبها الأربع ومس الختانُ الختانَ فقد وجب الغُسل» رواه مسلم وأحمد. ورواه الترمذي ولفظه «إذا جاوز الختان الختان وجب الغُسل» وقال: حديث حسن صحيح.
الآيتان الكريمتان قد ذكرتا الغُسل من الجنابة {ولا جُنُباً إلا عابِري سبيلٍ حتى تغتسِلوا} ، {وإنْ كنتم جُنُباً فاطَّهَّروا} وجاءتا بإجمالٍ دون تفصيل، والأحاديث جاءت مُجملة ومفصلة، فحديثا خولة وأم سُلَيم ذكرا الاحتلام مع الإنزال للرجل وللمرأة، وحديث علي بروايتيه ذكر إنزال المني مطلقاً دون تقييده بجماعٍ، أو احتلامٍ أو يقظةٍ دون جماع، وحديث عائشة ذكر مسَّ الختان للختان ومجاوزة الختان للختان، وهذا في الجماع دون ذكر الإنزال.
فهذه الأحاديث الشريفة قد ذكرت الأنواع التي تشكِّل الجنابة، فالجنابة تكون بالتقاء الختانين - حديث عائشة - وتكون بالاحتلام مع نزول المني - حديثا خولة وأم سُلَيم - وتكون بنزول المني مطلقاً - حديث علي-. هذه هي الجنابة، وهذه هي الحالات الثلاث التي تحصل فيها الجنابة التي يجب منها الغسل، فلو تفكَّر رجل بامرأة أو نظر إليها، أو قبَّل زوجته فأمنى، فقد وجب عليه الغسل، ولو جامع زوجته فأمنى أو لم يُمن فقد وجب عليه الغسل، ولو احتلم فأمنى فقد وجب عليه الغسل وكلُّ ذلك جنابة.
وبالتدقيق نجد أن هذه الحالات يمكن دمجها في حالتين اثنتين فقط هما إنزال المني، وتغييب الحَشَفة في فرج الأنثى أو ما يسمى بمسِّ الختان الختان أو الإيلاج، فإنزال المني والإيلاج هما الحالتان الجامعتان للجنابة، وفيهما الغسل. فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت «أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يُكْسِل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل» رواه مسلم. فهو نصٌّ صريح واضح في الإيلاج دون إنزال، وفيه الغسل بالنص.
أما ما يقوله بعضهم من أن الإيلاجَ أو الجماعَ أو مسَّ الختان للختان إذا كان دون إنزال فيكفي فيه الوضوء، ولا يجب منه الغسل، مستدلين على ذلك بحديث عثمان رضي الله عنه الذي رواه زيد بن خالد الجهني «أرأيتَ إذا جامع الرجل امرأته فلم يُمْنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألت عن ذلك علي ابن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبيَّ بن كعب رضى الله عنهم، فأمروه بذلك» رواه البخاري. وبالحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري قال «خرجت مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين إلى قُباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عِتبان، فصرخ به فخرج يجرُّ إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعجلنا الرجلَ، فقال عِتْبان: يا رسول الله أرأيت الرجل يُعْجل عن امرأته ولم يُمْنِ ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الماء من الماء» رواه مسلم. ومعنى «إنما الماء من الماء» : إنما الغسل من المني. فالرد عليه من وجوه:
1-
إن حديث عائشة «ثم مسَّ الختان الختان فقد وجب الغسل» لم يذكر الإنزال، وأوجب الغسل من الجماع فحسب، ولو كان الإنزال واجباً لبيَّنه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. وربما يقال إن هذا غير صريح ولا دلالة فيه، فنأتي لهم بحديث أبي هريرة «إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس بين شُعَبها الأربع ثم جَهَدها فقد وجب عليه الغسل وإنْ لم يُنْزل» رواه مسلم وأحمد. وهو نصٌّ صريح الدلالة على ما نقول.
2-
روى جابر عن أم كلثوم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت «إن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يُكْسل - أي يضعُفُ عن الإنزال - هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل» وقد مرَّ، فهذا نص صريح في الغسل من الجنابة بمجرد الجماع دون إنزال.
3-
إن حديث «الماء من الماء» كان معمولاً به فترة ثم نُسخ لما يلي:
أ- عن أبيِّ بن كعب قال «إن الفُتيا التي كانوا يُفتون أن الماء من الماء كانت رخصة رخَّصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد» رواه أبو داود وأحمد. وفي لفظ «إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نُهِيَ عنها» رواه ابن حِبَّان وابن ماجة وابن خُزَيمة. ورواه الترمذي وقال (هذا حديث حسن صحيح) . وقال الإسماعيلي: هو صحيح على شرط البخاري.
وقد كان النسخ عقب فتح مكة لما روي عن الزًّهري قال «سألت عُروة عن الذي يجامع ولا يُنْزِل؟ قال: على الناس أن يأخذوا بالآخِر، والآخِر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل بعد ذلك، وأمر الناس بالغسل» رواه ابن حِبَّان.
ب- عن أبي موسى قال «اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، قال، قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، فقمت فاستأذنت على عائشة فأُذن لي، فقلت لها: يا أماه، أو يا أم المؤمنين، إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أَستحييكِ، فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أمك، قلت: فما يوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شُعَبها الأربع ومسَّ الختان الختان فقد وجب الغسل» رواه مسلم. فهذان حديثان صحيحان ينسخان الحكم المأخوذ من حديث «إنما الماء من الماء» وحديث عثمان عند البخاري.
وبذلك يظهر بوضوح لا لبس فيه أن قولهم إن الجماع دون إنزال لا يوجب الغسل هو خطأ بعد أن ثبت نسخُ دليلهم. وقد ذهب إلى ما نقول الخلفاء الأربعة وجمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم.