الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فنقول إن هذا القول هو رفضٌ للمسح على العِمامة من أساسه، لأن قولهم إن المسح على العِمامة ليس بمسحٍ على الرأس، واضح فيه الرفض، إضافة إلى أن وجوب مسح جزء من الرأس مع مسح العِمامة هو رفضٌ آخر له، لأنهم يجيزون مسح الجزء من الرأس على إطلاقه، وهذا الرفض منهم مناهضٌ للنصوص الواضحة الصريحة، وهو إِعمالٌ للعقل فيما قال فيه الشرع قوله. فالمسح على العِمامة جائز ومشروعٌ في الوضوء، فإن كانت العِمامة تغطي جميع الرأس اكتُفي بمسحها وحدَها، وإن كانت تغطي جزءاً وتكشف جزءاً مُسح عليها وعلى الجزء المكشوف، ولا يُجْزيء مسح الجزء المكشوف فقط. قال ابن القيم (إنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في حديث واحد أنه اقتصر على مسح بعض رأسه البتة، ولكن كان إذا مسح بناصيته أكمل على العِمامة) .
أما كيفية المسح على العِمامة فإن ما قلناه عن مسح شَعَر الرأس نقوله عن مسح العِمامة تماماً، فالواجب إمرار اليدين على سائر العِمامة دون أن يصل البللُ بالضرورة إلى كل جزء منها، لأن المسح من شأنه عدمُ الاستيعاب كما ذكرنا من قبل، وما قلناه ينطبق على النساء كما ينطبق على الرجال سواء بسواء، فالرجل يمسح على ما يعتاده من غطاء الرأس، والمرأة تمسح على ما تعتاده من غطاء رأسها.
أما هل يُمسح على العِمامة إذا لُبست على طهارة فحسب، أم يمسح عليها إطلاقاً؟ وهل للمسح على العِمامة توقيت؟ فالجواب أنه لم يرد نصٌّ من القرآن أو الحديث أو إجماعُ صحابةٍ على أيٍّ من الأمرين، فالمسلم فيهما في سعة من الأمر، وأنا لا أقول بقول ابن قُدامة وأبي ثور من اشتراط الطهارة قبل لبس العِمامة إذا أريد المسح عليها قياساً على الخفين، لأنه لا يصح هنا القياس، فالعبادات غير معلَّلة، ولا يصح فيها القياس إلا إذا جاءت معلَّلة، وهنا لم يجيء المسح معلَّلاً.
ما يُعْصَب على الجُرح والجَبيرة
يتناول هذا البحث ما يُعصب على الجرح من لفائف القطن وأنواع القماش وغيره، وما يُلفُّ به العضو المكسور من قماش وخشب وغير ذلك، وهو المسمى بالجبيرة وجمعها جبائر.
إنَّ الواجب في اللفائف أن لا تزيد على موضع الجرح أو الكسر إذا أريد المسح عليها إلا ما تقتضيه الضرورة والعادة ويتطلبه الشدُّ والتثبيت، وهذه العصائب واللفائف إن كانت على عضو من أعضاء الوضوء مسح عليها كالمسح على الخف، وإن كانت على غير أعضاء الوضوء كأن كانت على الصدر أو الساق أو العضد فهي غير داخلة في هذا البحث. وهذه المسألة لم يرد فيها حديث صحيح سوى حديث جابر الوارد في الغسل وهو: عن جابر رضي الله عنه قال «خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجرٌ فشجَّه في رأسه، ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصةً في التيمُّم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك فقال: قتلوه قتلهم الله، أَلَا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمَّم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده» رواه أبو داود والبيهقي. وصحَّحه ابن السكن.
أما ما قال عليٌّ رضي الله عنه «انكسرت إحدى زنديَّ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسح على الجبائر» رواه ابن ماجة. ففيه عمرو بن خالد كذَّبه أحمد وابن معين، وقال البخاري (منكر الحديث) . وحديث جابر وإن كان في الغُسل إلا أنه يصلح للاستدلال به على الوضوء، لأن الغُسل والوضوء شيء واحد فيما يتعلق بالجبيرة، والحديث يقول «يتيمَّم ويعصر أو يعصب على جُرحه خِرقة ثم يمسح عليها» فالجرح إذا غُطِّي بلفافة أو جبيرة مسح عليها بدل غسله، وينتقض وضوؤه بنزعها. والمسح على الجبيرة والعصابة يختلف عن المسح على الخف من ثلاث نواحٍ:
إحداها: أنه لا يجب للمسح على الجبيرة أن تكون موضوعة على طهارة كما هو الحال في الخُفِّ.
الثانية: أنه لا وقت للمسح عليها بخلاف المسح على الخُفِّ فإنه مؤقَّتٌ بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر.
والثالثة: أنه لا بد من التيممِّ عند المسح على الجبيرة بخلاف المسح على الخُفِّ الذي لا يجب معه التيمُّم.
أما أنه لا يجب أن تكون الجبيرة موضوعة على طهارة، فلأن حديث جابر لم يشترطها، ولو كانت لازمة لذكرها، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولأن الغاية من المسح عليها إنما هي منع الضرر من وصول الماء في الغُسل وفي الوضوء إلى الكسر أو الجرح، وهذه الغاية لا تتحقق بإلزام صاحب الجبيرة بتطهير الجرح بالماء قبل لفِّه بها، إذ لو وجب تطهيرُ الجرح بالماء لما كانت هناك حاجة للمسح أصلاً، ويستوي في هذا أن يكون التطهير المقصود هو إزالة نجاسة الدم أو أن يكون قد أُصيب وهو على وضوء، فكل ذلك لا يلزم، لأن من تكسر يده أو تجرح قد يحصل ذلك له وهو على غير وضوء، ولو كانت الطهارة لازمة لوجب أن نطلب منه أن يتوضأ ويغسل جرحه في أثناء الوضوء قبل أن يضع الجبيرة أو اللفافة، وهذا ينافي الغاية من المسح.
وإذن فإنَّ مَن كان على غير وضوء إذا جُرح عَصَب على موضع الأذى ومسح عليه وتيممَّ، ولا يجب عليه إيصال الماء لجرحه لتنظيفٍ أو لوضوء. وأما أنه لا وقت للمسح عليها فللغاية السابقة نفسها، إذ لا توقيت لشفاء الجرح أو جبر الكسر بوقت معلوم، فالتوقيت يتنافى مع الغاية من المسح، فما دام الجرح جرحاً والكسر كسراً والماء يضرُّهما فإنه يتيمَّم ويمسح حتى تزول العلة ويتم الشفاء. وأما أنه لا بد من التيمُّم، فواضحٌ من حديث جابر، فقد أضافه إلى المسح على الجرح.